رواتب أقل من الحد الأدنى ولا حلول حكومية… هل بقيت طبقة وسطى في الضفة وغزة؟
رام الله/غزة خاص قدس الإخبارية: يطرح تكرار الحديث عن الحد الأدنى للأجور في فلسطين على مستوى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة تساؤلات عدة من أبرزها، مدى ملائمة هذه الحدود لاحتياجات المواطن الفلسطيني وتلبية احتياجاته الأساسية.
وبمحاذاة الحديث عن الحد الأدنى للأجور، يطفو إلى الساحة سؤال إضافي يتمثل في اختفاء الطبقة المتوسطة من المشهد الفلسطيني من عدمه خلال الفترة الحالية أمام حالة الغلاء الفاحش في الأسعار وارتفاع نسب البطالة وعدم مواءمة الكثير من الأجور للاحتياجات الرسمية.
ووفقا للمسح الأخير الصادر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد بلغ معدل البطالة بين المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر) في عام 2022 حوالي 24٪ مقارنة مع 26.4% في العام 2021، من جهة أخرى بلغ إجمالي نقص الاستخدام للعمالة 31٪.
في الوقت ذاته فإن حالة التفاوت الكبيرة في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة حاضرة، حيث بلغ هذا المعدل 45٪ في قطاع غزة مقارنة بـ 13٪ في الضفة الغربية، أما على مستوى الجنس فقد بلغ معدل البطالة للإناث 40% مقابل 20٪ للذكور في فلسطين.
بلغ عدد العاطلين عن العمل 15 سنة فأكثر 367 ألف شخص في عام 2022، بواقع 239 ألف شخص في قطاع غزة و128 ألف شخص في الضفة الغربية، فيما بلغ إجمالي الاستخدام الناقص للعمالة 500 ألف شخص، حيث يتضمن هذا العدد 56 ألف من الباحثين عن عمل المحبطين و22 ألف في العمالة الناقصة المتصلة بالوقت.
وبالحديث عن الأجور فإن الحكومة الفلسطينية في رام الله سبق وأن اعتمدت 1880 شاقلاً كحد أدنى للأجور بعد أن كان 1450 شاقلاً لسنوات، في الوقت الذي لم يتم اعتماد فيه هذا المبلغ في القطاع حيث تقول الجهات الحكومية في غزة إن القرار لا يتناسب مع الظروف الواقعية التي يعيشها القطاع كونه يتعارض مع قدرة المؤسسات على تنفيذه على أرض الواقع.
وبالرغم من إقرار هذا الحد في الضفة الغربية المحتلة إلا أنه لم يتم تعميمه على نطاق واسع، فيما لم تعمل الحكومة في غزة على تطبيق حد أدنى للأجور يتناسب مع الواقع القائم فيها ويكفل حقوق العاملين والموظفين في القطاع الخاص.
الطبقة الوسطى تتآكل..
في السياق، يقول أستاذ علم الاقتصاد في جامعة النجاح بنابلس نصر عبد الكريم إن الطبقة المتوسطة لم تنتهي من المجتمع الفلسطيني وإن كانت تآكلت وأصبحت أقل من السابق كون جزء قليل للغاية انتقل للطبقة ذات الدخل العالي وجزء آخر وهو الأكبر انتقل لدائرة العوز و”الفقر” أو الدخل المحدود.
ويضيف عبد الكريم لـ “شبكة قدس” أن ما تبقى في الطبقة الوسطى هم أناس مهنيين ورجال أعمال وأساتذة جامعات وأصحاب منشآت صغيرة ومتوسطة وعاملين في مؤسسات دولية أو مؤسسات المجتمع المدني أو بعض المناصب الإدارية العليا داخل مؤسسات السلطة.
أما عن الحد الأدنى للأجور، فيرى أستاذ علم الاقتصاد في جامعة النجاح بنابلس أنه ما يزال متدنياً للغاية وبعيداً عن خط الفقر الحقيقي، وحسب مؤشرات غلاء المعيشة فإن الحد الأدنى للأجور لا يجب أن يقل عن مبلغ 2500 شاقل بأي حال من الأحوال مع مراعاة رفعه لاحقًا إلى 3000 شاقل لتلبية احتياجات الأسر الفلسطينية.
ويواصل بالقول: “على صعيد المجتمع الإسرائيلي فإن الحد الأدنى للأجور يصل إلى 6000 شاقل شهريًا في حين أن مستويات الأسعار تكاد تتماثل تمامًا، لكن الاقتصاد الإسرائيلي قوي من ناحية قدرة المؤسسات على الأجور، لذلك فإنه يجب تطبيق ما نسبته 40% من الحد الأدنى للأجور المطبق لديهم”.
ويؤكد عبد الكريم أن توزيع الثروات في الحالة الفلسطينية والدخول يشهد حالة من التركز وعدم التنوع وتظهر مستويات عالية جدًا من اللا عدالة، إذ أن هناك حالة غناء فاحش لدى أصحاب الشركات الكبرى وهو ما يعني ببساطة زيادة العاملين بأجر في الاقتصاد.
بدوره، يرى المختص الاقتصادي د. هيثم دراغمة أن الطبقة المتوسطة ما تزال قائمة حتى اللحظة في فلسطين وإن كانت تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي يذهب فيه المشهد نحو وجود طبقتين فقط ليصبح شبيهًا بالمجتمع المصري.
ويقول دراغمة لـ “شبكة قدس” إن الطبقة الأولى وهي الطبقة الغنية جدًا والمتنفذة جدًا أما الطبقة الثانية فهي لا ترقى إلى مستوى اقتصادي يجعلها تتمكن من القيام بالتزاماتها بشكل دائم وأن تستطيع الوفاء بكامل التزاماتها البنكية والمصرفية.
وبحسب المختص الاقتصادي فإن هناك طبقة عليا تعيش حالة من الثراء ولديها تخمة وطبقة أخرى تضم أنواعاً من الفقر، ما يعني أن المجتمع الفلسطيني ذاهب إلى أن يكون طبقتين هي الطبقة العليا والطبقة التي لا تتمكن من التزاماتها.
ويشير إلى أن هناك أفراد في المجتمع الفلسطيني يموتون لعدم قدرتهم على العلاج بالإضافة لأشخاص لا يستطيعون إتمام دراستهم الجامعية بسبب عدم توفر الرسوم الجامعية أو توفر المواصلات للوصول إلى الكليات والجامعات في المدن الفلسطينية.
ووفق تقديرات دراغمة فإن الطبقة العليا “الثرية” لا تتعدى ما نسبته 15% إلى 20% من عامة السكان، فيما النسبة الأخرى تنقسم ما بين طبقة وسطى لكن ليس بمفهومها السابق حيث لا تتعدى هذه الفئة نسبة 25% فيما غالبية السكان الفلسطينيين الآن باتوا ضمن الطبقة المعدمة.
ويقدر المختص في الشأن الاقتصادي أن الفئة الغنية والمتخمة كانت في السابق لا تتعدى 10% ثم أكثر من 60% طبقة وسطى في حين 30% طبقة فقيرة ومعدمة، وفي الوقت الراهن لا تتعدى الطبقة المتوسطة بشكل حقيقي 10 إلى 15%.
أما عن الحد الأدنى للأجور، فيؤكد على أن مبلغ 1880 شاقلاً لا يفي للفلسطينيين بتغطية احتياجاتهم الأساسية لاسيما مع عدم تطبيقه بشكلٍ كامل وشامل، في الوقت الذي لا يجب ألا يقل الحد الأدنى للأجور عن مبلغ يتراوح ما بين 2500 إلى 3000 شاقل في ظل المتغيرات المتسارعة في الأسعار وارتفاعها الهائل.
الواقع في غزة.. الطبقة المتوسطة تنهار
من جانبه، يقول المختص والباحث في الشأن الاقتصادي أسامة نوفل إن الطبقة الوسطى في قطاع غزة تنهار بشكل ملحوظ ومنذ سنوات حتى فئة الموظفين الحكوميين باتوا ضمن نطاق مستويات الفقر وهو أمر لم يكن قائمًا في السابق.
ويضيف نوفل لـ “شبكة قدس” أن فئة الموظفين كانت في السابق خارج حدود الفقر فيما باتوا اليوم وفقاً للتصنيف العالمي للفقر باتوا ضمن معدلات الفقر وهو ما يرفع من نسب الفقر العامة في القطاع بشكل واضح وملحوظ خلال الفترة الأخيرة.
وبحسب الباحث في الشأن الاقتصادي فإن الطبقة العليا لا تتعدى 10% في غزة وانخفضت خلال السنوات الأخيرة لتتراوح ما بين 4 إلى 5% فقط، أما الطبقة المتوسطة فكانت لا تقل عن 60%، فيما دخل جزء كبير منها إلى نسبة الفقر حيث لا تتعدى هذه الطبقة الـ 30%، فيما باتت طبقة الفقراء تصل إلى 50 إلى 60% فقراء في غزة.
وبحسب نوفل فإن أسرة مكونة من 5 أفراد في الحالة الفلسطينية تحتاج إلى 2850 شاقل على مستوى قطاع غزة والضفة الغربية ومن أجل أن تعمل على تغطية التزاماتها الأساسية، إذ أن الحد الأدنى للأجور لا يتوافق مع ما هو قائم ومعلن.
ويردف: “حتى الحد الأدنى المعلن في الضفة فهو لا يمكن تطبيقه في القطاع نظرًا لعدم قدرة القطاعات الاقتصادية والمنتجين على أن يقوموا بدفع رواتب بهذه ال في ضوء الواقع القائم في غزة والخصوصية التي تمر بها الحالة خلال السنوات الماضية”.
أما عن الأجور الدارجة في القطاع، فيذكر نوفل أن متوسط الأجور على صعيد العمالة غير الماهرة يتراوح ما بين 800 إلى 1200 شاقل أما العمالة الماهرة فتتراوح ما بين 1500 إلى 1600 شاقل شهريًا.
ويتابع:” متوسط الأجور لدى موظفي الحكومة في غزة يدفع لهم الجزء الأكبر من رواتبهم من خلال مبلغ 1800 شاقل الحد الأدنى، بالإضافة إلى موظفي السلطة الذين يحصلون على مبالغ قريبة خلال الفترة الحالية، وبالتالي فإن الأجور المدفوعة تكاد لا تكفي الموظفين”.
ويؤكد الصحفي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر على أن هناك تآكلاً حقيقياً للطبقة المتوسطة، وهو ما يؤدي إلى اختفائها بعد سنوات وهو أمر طبيعي في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تعصف بالقطاع.
ويقول أبو قمر في حديثه لـ “شبكة قدس” إن الكثير من الأفراد الذين كانوا محسوبين على الطبقة المتوسطة باتوا من الطبقة الدنيا “الفقيرة” مع وجود عدد ليس بالكبير محسوب على الطبقة العليا “الغنية” وإن كانت نسبته محدودة للغاية.
ويرجع أسباب تآكل الطبقة المتوسطة إلى عدم انتظام صرف الرواتب بشكلٍ كامل وصرفها منقوصة للموظفين، إلى جانب غياب العلاوات الدورية أو صرف بدل غلاء معيشة يتناسب مع مستويات التضخم المرتفعة في الفترة الحالية وبشكل ملحوظ.
ويشير أبو قمر إلى أن عدم وجود إقبال على العمل من قبل أرباب العمل وعدم توفر فرص عمل خلال المرحلة الراهنة أدنى لانخفاض كبير جدًا على مستوى الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص والذي يصل إلى 200 دولار أمريكي 700 شاقل.
وعن الحد المقبول به لتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان، يواصل قائلاً: “أي راتب فوق الحد الأدنى للأجور مع مراعاة العلاوة السنوية ونسبة التضخم يعتبر ضمن نطاق الطبقة المتوسطة، على أن يكون هذا المبلغ في قطاع غزة قريب من 2000 شاقل”.