لماذا اهتم المتابعون بالمقاطع العاطفية للأسرى المفرج عنهم في صفقة التبادل؟
خاص شبكة قُدس: كان من اللافت للنظر أن معظم مقاطع الفيديو التي لاقت رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي لمحررين في دفعتي المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، هي تلك التي ركزت على الجانب العاطفي والإنساني من حياة هؤلاء المحررين، فيما غاب إلى حد ما الاهتمام بما قالوه عن معاناتهم كأسرى وكذلك عن دورهم في المقاومة.
يمكن الإشارة إلى أن اهتمامات المحررين في الدفعتين، خاصة وأنهم قد قضوا فترات طويلة بالسجن، تختلف عن اهتمامات الأسرى المحررين بالوضع الطبيعي الروتيني والذي يغطي الإعلام الإفراج عنهم باستمرار. فقد هؤلاء الأسرى بسبب فترات اعتقالهم الطويلة بعض مظاهر الحياة الروتينية، والتي أصبحت بالنسبة لهم حلما مقدسا، فقد كان الأسير المحرر محمد زايد مثلا يحلم أن يشرب فنجان القهوة الأول برفقة زوجته. هذا حلم على بساطته، قادر على إدهاش المتلقي الذي يعيش حياة طبيعية لا يتخيل فيها أن فنجان القهوة هو حلم وكابوس بالنسبة لفلسطيني قضى 20 عاما في السجون.
وتعدّ التغطيات الإعلامية الروتينية للإفراج عن الأسرى، واحدة من أسباب الاهتمام بالأسرى المفرج عنهم هذه المرة. لقد فرضوا من خلال اهتماماتهم التي خلقتها سنين الاعتقال الطويلة والتي تختلف عن الأسرى الآخرين، نوع تغطية مختلف. وبالتالي، وجد الصحفي أو الإعلامي الذي ذهب لمقابلة الأسير أو تغطية الإفراج عنه، نفسه، أمام زوايا صحفية أخرى تستحق التغطية غير تلك التقليدية، بل وجد نفسه كإنسان مندهشا من التفاصيل التي تحدث أمامه والحديث الذي يقوله الأسير له.
السبب الآخر، أن هؤلاء الأسرى، كانوا محكومين بالسجن المؤبد لمشاركتهم في عمليات أدت لمقتل إسرائيليين. لقد كرست الدعاية الإسرائيلية فكرة أن هؤلاء أشخاص كانوا يقضون جلّ وقتهم في التفكير في العمل المقاوم وتنفيذ العمليات. أما التصور الشعبي العام الفلسطيني فهو يرى أنهم أشخاص أبطال، لكن لا حياة خاصة لهم، قضوا حياتهم بين البنادق والعبوات والعمل السري، والهامش الذي منحوه لحياتهم الخاصة ولمشاعرهم ضيق جدا. تحدث مثل هذه المشاهد المشبعة بالعاطفة نوعا من الاغتراب المعرفي لدى المتلقي، والذي يتجسد على شكل اهتمام بمعرفة جديدة، وتخلق هذه المعرفة فضولا لمعرفة الإنسان البطل في إطار وسياق لم يعرفه الجمهور عنه. فكل ما نعرفه عن الأسرى المؤبدات، عملياتهم وأحكامهم.
وقد يكون أحد الأسباب الهامة، هو أن تحرير هؤلاء الأسرى جاء بعد حرب طاحنة، وتحريرهم كان أحد المنجزات التي يمكن للفلسطيني أن يفتخر بها بعد كم الدمار والقتل الذي أحدثته آلة حرب الاحتلال. ارتباط الإفراج عن هؤلاء الأسرى بالحرب الطاحنة التي شهدتها قطاع غزة، جعلهم محط اهتمام، خاصة وأن صفقة التبادل إحدى مفاتيح الحل لوقف الحرب. ولهذا، فإن هؤلاء رأوا الحرية نتيجة سياق مهم وصعب، وهذا بدوره ترجم نفسه على شكل اهتمام بهم وبقصصهم. فقد شكلوا (الأسرى المحررين) إلى جانب العائدين إلى شمال غزة لاحقا، معلمين لانتصار إرادة الفلسطيني وهزيمة خيارات الاحتلال، فهم معنى واقعي للانتصار على قرارات وخيارات واستراتيجيات الاحتلال، وهذا أيضا زاد من الاهتمام بهم.