محمد الضيف.. مرادف الرعب في “إسرائيل”
متابعة شبكة قُدس: بالدم والرصاص كتب حكاية حياته، التي انتهت شهيدا كما أراد وسعى، وعاش القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف ينسج حكايات بين الضربات العسكرية والعمليات الاستخباراتية، حتى شكل اسمه مرادفا للرعب في “إسرائيل” ورمزا للمقاومة على مدار ثلاثة عقود، خاصة وأن الاحتلال لم يتمكن من حلّ لغز الضيف وفكّ شيفرته باغتياله.
انضم الضيف إلى صفوف حماس خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وسرعان ما برز كواحد من أذكى العقول العسكرية في كتائب القسام، فعمل تحت قيادة صلاح شحادة، مؤسس الجناح العسكري للحركة، الذي ساهم في تشكيل رؤية الضيف العسكرية، وباغتيال شحادة عام 2002، تولى الضيف قيادة الكتائب ليصبح أحد أهم المقاومين المطلوبين للاحتلال.
لم يكن محمد الضيف مجرد قائد ميداني، بل كان العقل المدبر الذي يقف خلف عشرات العمليات النوعية ضد “إسرائيل”، بما في ذلك التخطيط لحفر الأنفاق التي قلبت موازين المواجهة في قطاع غزة، وقاد تطوير المنظومة الصاروخية للقسام، وتحولت الحركة تحت قيادته إلى كتائب مدرّبة تمتلك ترسانة عسكرية متطورة.
تعرّض الضيف لأكثر من سبع محاولات اغتيال على مدى سنوات، نجا منها جميعها، حتى قيل إنه الرجل الذي يملك “سبع أرواح”. كانت أخطرها عام 2014، عندما قصفت “إسرائيل” منزله في غزة، ما أدى إلى استشهاد زوجته وابنه، بينما ظل مصيره مجهولًا حتى خرج بعد ذلك بسنوات أكثر قوة وصلابة، كانت آخرها في طوفان الأقصى، حيث ظل الغموض يحيط بمصيره حتى جاء الإعلان الرسمي من القسام، اليوم الخميس، ليعلن استشهاد أحد أكثر قادة المقاومة غموضًا وتأثيرًا.
برحيل الضيف، خسر الفلسطينيون أحد أهم القادة العسكريين، لكن أثره لم يُمحَ، إذ ترك خلفه عقيدة قتالية ونهجًا عسكريًا سيظل حاضرًا في معادلة الصراع.
أما لدى الاحتلال، فقد تحقق الحلم الذي راود قادته ومسؤوليه لعقود، لكنهم يعلمون أن اغتيال رجل كالضيف لا يعني بالضرورة اغتيال وإنهاء فكره أو كسر مقاومته، فالضيف كما من سبقوه من القادة؛ رحل لكن ظله سيبقى حاضرًا في سماء فلسطين، وبين أنفاقها، وفي قلوب من حملوا لواءه من بعده.
كيف سيؤثر غياب الضيف؟
أعلنت كتائب القسام، اليوم الخميس، 30 يناير 2025، نبأ استشهاد قائدها العام محمد الضيف ونائبة مروان عيسى، بالإضافة إلى عدد من القادة وأعضاء المجلس العسكري في القسام.
رغم اغتياله، إلا أن الضيف كان أكثر من مجرد قائد ميداني، كان مرجعية استراتيجية، وكان يعكس رؤية عسكرية مبتكرة، وبالنسبة لحماس، فهي كحركة مقاومة بما يشمل جناحها العسكري، لا تُبنى على شخص واحد، لكنها تبنى على عقيدة جماعية وفكر موحد، واغتيال شخص رغم تأثيره المحدود المدى، إلا أنه لا يعني أن المقاومة ستتراجع بل سيظهر قادة جديدة.
ولاحقا للإعلان عن استشهاد الضيف وعدد من القادة؛ وجهت دعوات في الضفة الغربية للمشاركة في مسيرات دعم للمقاومة وأداء صلاة الغائب على قادتها الشهداء الذين قضوا في معركة طوفان الأقصى وعلى رأسهم محمد الضيف، حيث من المتوقع أن تقام صلاة الغائب في جميع مساجد فلسطين التاريخية.
وشدد أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم القسام، على أن استشهاد القادة لن يفت من عضد المقاومة وكتائب القسام، مشيراً إلى أن ذلك لم يزد المقاومين إلا صلابة وقوة.
وشدد أبو عبيدة، على أن منظومة كتائب القسام لم تتعرض لفراغ قيادي ولو لساعة واحدة، مشيراً إلى أن المجاهدين استبسلوا أكثر وأكثر، وزادت دافعيتهم للقتال أكثر، فنحن نقاتل عن عقيدة والقائد يخلفه ألف قائد.
من جانبها، قالت حماس في بيان نعت فيه القادة الشهداء أعضاء المجلس العسكري العام، إن حياتهم كانت حافلة بالعطاء والتفاني والعمل الدؤوب في خدمة مشروع شعبنا النضالي والمقاوم، في كلّ ميادين الإعداد والرّباط والانتصار لشعبنا وتطلّعاته في التحرير والعودة، وفي ميدان العمل العسكري الذي أسّسوا له، وبرعوا فيه بكل اقتدار، ووضعوا بصمتهم المميّزة، تفكيراً استراتيجياً في الصراع مع العدو، ومراكمة لكل مكامن القوَّة، والإبداع في التخطيط والإعداد والتنفيذ، وكانت محطات الانتصار والإثخان في العدو شاهدة على ذلك؛ منذ معركة الفرقان، وحجارة السّجيل، والعصف المأكول، وسيف القدس، وصولاً إلى معركة طوفان الأقصى، خاتمة المجد التليد التي تليق بهؤلاء القادة الأفذاذ والرَّجال الأبطال والرّموز الوطنية، حيث وهبوا أنفسهم وحياتهم لخدمة شعبهم وقضيتهم الوطنية، والدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك.
وأضافت: كانت صورةُ وصوتُ وظلُّ القائدِ الضيفِ، في كلّ محطات نضاله المشرّفة، قد دوّخت قادة العدو وأجهزة أمنه واستخباراته، وفشلوا جميعاً في كل محاولات اغتياله، و ظلَّ اسمُه يثير الرُّعبَ والخوف في نفوس قادة الكيان الصهيوني بسياسييهم وعسكرييهم، حتى ارتقى شهيداً في أشرف وأعظم معركة في تاريخ شعبنا المقاوم، التي وقّع بفكره ودمائه وتضحياته على بيانها الأوَّل وتفاصيل أيَّامها، وستبقى مسيرة وسيرة القائد الشهيد أبي خالد، مُلهمة لكل الأجيال في شعبنا وأمتنا، وروح النضال والمقاومة التي بثّها في أركان شعبنا حيّة لن تموت، ومتقدة لن تخبو، بإذن الله وقوَّته.
وشددت، على أن “لن يفلح الاحتلال في كسر إرادة المقاومة والصمود لدى شعبنا ومقاومتنا، فاغتيال قيادات الحركة ورموزها لن يزيدها إلاَّ قوّة وإصراراً وتصميماً على المضي في درب المقاومة حتى تحرير الأرض والمقدسات، وإنَّ حركة يمضي قادتها في الصف الأوَّل شهداء، لا يمكن لأيّ قوَّة غاشمة على الأرض هزيمتها أو إخماد جذوة المقاومة فيها، مهما كانت التضحيات”.