اخبار الإمارات

روس فوق الخمسين.. يقاتلون ويموتون في أوكرانيا

وُلِد يوري بوشكوفسكي بعد وفاة جوزيف ستالين بوقت قصير، وعاش خلال الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وكان سيبلغ الـ 70 من عمره هذا العام. لكنه لم يعش ليرى ذلك، فقد قُتل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ليس خلال فترة تقاعده، بل كجندي في الجيش الروسي يقاتل في أوكرانيا.

ويوري، الذي كان يعمل سابقاً كسائق تاكسي في مسقط رأسه فيليكي أوستيوغ، لم يكن وحده في هذا المصير. بل اسمه مدرج ضمن العدد المتزايد من الرجال الروس في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات من العمر، الذين يقاتلون ويموتون على الجبهة.

فقد أصبح تكوين القوات الروسية يعتمد بشكل متزايد على ما يُعرف بـ”المتطوعين”، وهم رجال يتم إغراؤهم بالانضمام إلى الجيش مقابل رواتب ومكافآت مالية مغرية، وفقاً لتقرير في صحيفة “فايننشال تايمز”.

تكوين القوات الروسية

قاعدة بيانات تم جمعها على مدار 3 سنوات، من قبل المنصة الروسية المستقلة “ميديازونا”، بالتعاون مع خدمة “بي بي سي” الروسية وجهات أخرى، تُظهر التغير التدريجي في تكوين القوات الروسية منذ بداية الغزو الشامل قبل 3 سنوات.

وفي الذكرى الثالثة للحرب، نشرت “ميديازونا” بياناتها بالكامل لأول مرة، متضمنة أسماء وتفاصيل ما يقرب من 100 ألف جندي روسي قُتلوا في المعارك، تم جمعها من منشورات وسائل الاخبار السعودية الاجتماعي والتقارير الإخبارية المحلية. مشروع منفصل أجرته “آي ستوريز” باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي توصل إلى رقم مشابه، حيث سجل 104 آلاف قتيل.

وتقدر “ميديازونا” ومسؤولو الاستخبارات الغربية أن العدد الفعلي للقتلى الروس أعلى بكثير.

وتُظهر البيانات أنه خلال العام الأول من الغزو، كان معظم الجنود من القوات النظامية، بما في ذلك وحدات النخبة، التي أُرسلت للسيطرة على كييف في غضون أيام. لكن بعد استدعاء نحو 300 ألف من قوات الاحتياط في خريف 2022، بدأ المجندون في الظهور بشكل متزايد بين القتلى.

وبحلول أوائل 2023، أصبح السجناء المجندون من السجون هم الفئة الأكثر تعرضاً للقتل، إلى جانب مقاتلي مجموعة “فاغنر” وشركات عسكرية خاصة أخرى.

موسكو تعوض خسائرها

وفي العام الثالث للحرب، تحول تكوين القوات الروسية بشكل متزايد نحو الجنود المتعاقدين، حيث سعت موسكو إلى تعويض خسائرها دون اللجوء إلى أمر تعبئة جديد قد يكون غير شعبي.

وتحقق ذلك من خلال تقديم مكافآت تسجيل وأجور متزايدة باستمرار لجذب “المتطوعين”، حيث يبدو أن الرجال الأكبر سناً كانوا أكثر استعداداً لقبول العرض. وتتنوع الأسباب بين خبرتهم العسكرية السابقة، أو حاجتهم الماسة لحل مشكلات مالية أو قانونية، أو تأثرهم بالدعاية الإعلامية الروسية، التي يقضون وقتاً أطول في متابعتها مقارنةً بالشباب.

ويقول عالم الاجتماع كيريل روغوف: “المتطوع النموذجي اليوم، الذي يسجل في موسكو مقابل مليوني روبل (23 ألف دولار)، هو رجل يذهب إلى مكتب التجنيد مع عائلته بأكملها، والجميع يفهم ما يفعله”.

ويضيف روغوف، الباحث في معهد العلوم الإنسانية في فيينا “هذا المال سيُستخدم الآن لشراء شقة لابنه المتزوج حديثاً، أو لدفع تكاليف دراسة ابنه الآخر في الجامعة. إنه يقوم بقفزة اجتماعية لأجل عائلته”.

قتلى في الخمسينات

وفي حين أن متوسط عمر الجنود المجندين كان في منتصف الثلاثينات عند مقتلهم، فإن متوسط عمر الجندي المتعاقد كان أكثر من 40 عاماً، وفقاً لبيانات “ميديازونا”، التي تضمنت أعمار أكثر من 70 ألف جندي.

وأشارت إلى أن أكثر من 4 آلاف جندي روسي متعاقد قُتلوا وهم في الخمسينات من العمر أو أكبر، مقارنة بأقل من 500 جندي نظامي أو مجند من نفس الفئة العمرية، و869 سجيناً فقط.

وأما في أوكرانيا، فإن متوسط عمر الجندي هو 43 عاماً. وعلى الرغم من خفض سن التجنيد من 27 إلى 25 عاماً العام الماضي، أكدت أوكرانيا أنها تريد حماية الأجيال القادمة، حيث يُعد خفضه أكثر أمراً غير محبوب.

وتختلف المكافآت المدفوعة للجنود الروس المحتملين حسب المنطقة، وقد ارتفعت بشكل كبير بمرور الوقت. فعلى سبيل المثال، بلغت المكافأة المعروضة في سامارا هذا الشهر 4 ملايين روبل (45,500 دولار)، وهي الأعلى في أي منطقة روسية. كما أعلن مكتب التجنيد أن الشخص يمكنه كسب أكثر من 7 ملايين روبل خلال عامه الأول في الحرب.

وبالمقارنة، بلغ متوسط سعر شقة مكونة من غرفة نوم واحدة في مبنى جديد بالعاصمة الإقليمية 5.2 مليون روبل العام الماضي، وفقاً لتحليل شركة “أفيتو”. بينما كان متوسط الراتب الشهري في المنطقة حوالي 66 ألف روبل أواخر العام الماضي، وفقاً لبوابة “غوغوف” الإلكترونية، التي تتبع البيانات الرسمية الروسية.

ويُظهر هذا التوجه، أن الحرب لم تعد تستهلك فقط الشباب، بل باتت تجذب رجالاً في سن التقاعد، مدفوعين بمزيج من الحاجة المالية والتأثير الإعلامي، في صراع يبدو أنه سيستمر لوقت أطول مما توقعه كثيرون.