الجزائر تقترب من مغادرة مجلس الأمن.. والمغرب يحشد “أصدقاء جددا”

انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة خمس دول جديدة لشغل عضوية مجلس الأمن الدولي بصفة غير دائمة، وذلك للفترة الممتدة من فاتح يناير 2026 إلى غاية 31 دجنبر 2027، ويتعلق الأمر بكل من البحرين، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليبيريا، لاتفيا، وكولومبيا.
ومن المنتظر أن تحل هذه الدول محل الأعضاء غير الدائمين المنتهية ولايتهم نهاية عام 2025، وفي مقدمتهم الجزائر التي تغادر المجلس دون تحقيق الأهداف التي سعت إليها في ملف الصحراء المغربية، رغم ما بذلته من جهود حثيثة لحشد الدعم لأطروحة الانفصال.
وتعد البحرين من أبرز الدول الداعمة للمغرب في المحافل الدولية، حيث شكل انتخابها عضوا غير دائم دفعة قوية للدبلوماسية المغربية، بالنظر إلى مواقفها الثابتة في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة؛ إذ تصدرت المنامة قائمة العواصم العربية التي افتتحت قنصلية عامة لها بمدينة العيون سنة 2020، كما تؤكد باستمرار دعمها لمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وواقعي لتسوية النزاع في إطار السيادة المغربية.
ويشكل دخول الكونغو الديمقراطية إلى مجلس الأمن مكسبا دبلوماسيا آخر للرباط في ظل دعم كينشاسا الصريح لمبادرة الحكم الذاتي، كما يعزز انضمام ليبيريا الزخم الإفريقي المتزايد من خلال مواقفها الثابتة وافتتاحها قنصلية عامة في الداخلة ومشاركتها في مؤتمر دعم المبادرة المغربية.
“تحول جذري”
يرى سعيد بوشاكوك، باحث مهتم بقضايا التنمية والمجال، أن انتخاب خمسة أعضاء جدد بمجلس الأمن الدولي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، من بينهم البحرين، ليبيريا والكونغو الديمقراطية، يعكس اتساع دائرة الدعم الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها قاعدة صلبة وواقعية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا التطور الأممي يتناغم مع الزخم الذي راكمته الدبلوماسية المغربية المستلهمة من الرؤية الملكية الحكيمة، التي أرست عقيدة دبلوماسية راسخة في الدفاع عن السيادة الوطنية ودحض الأطروحات الانفصالية التي أصبحت تشكل عبئا على المنتظم الدولي، مشيرا إلى أن “تنويه المجتمع الدولي بالمبادرات الملكية يعد مؤشرا صريحا على انسياب الثقة تجاه المقاربة المغربية”.
واعتبر المتحدث أن نتائج التصويت تشكل نكسة جديدة لأطروحة الانفصال وحاضنتها، في إشارة إلى النظام العسكري الجزائري، الذي فشل في تحويل عضويته غير الدائمة بالمجلس إلى ورقة تأثير في مسار هذا النزاع، مؤكدا أن “المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في بلورة موقف أممي واضح تجاه مبادرة الحكم الذاتي، خاصة في ظل المواقف المتقدمة لعدد من الدول الكبرى، على رأسها المملكة المتحدة، فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية”.
وشدد المتخصص في نزاع الصحراء على أن مسار النزاع حول الصحراء المغربية انتقل من كونه شأنا إقليميا إلى كونه قضية ذات بعد أممي، مسجلا أن “الاتجاهات الاستراتيجية الراهنة داخل مراكز القرار الدولية، وخصوصا الأمريكية، توحي بإمكانية الانتقال من مقتضيات الفصل السادس إلى مقتضيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة؛ الشيء الذي سيسمح بفرض حل الحكم الذاتي كخيار نهائي برعاية مجلس الأمن، باعتباره الصيغة الواقعية الوحيدة لتحقيق مبدأ تقرير المصير وضمان الاستقرار الإقليمي”.
“فشل جزائري”
من جانبه، قال الدكتور عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن انتخاب الجمعية العامة للأمم المتحدة خمسة أعضاء جددا في مجلس الأمن بصفة غير دائمة، يشكل لحظة سياسية مهمة تكرس استمرار الزخم المتزايد الذي تعرفه قضية الوحدة الترابية للمملكة، بالنظر إلى العلاقات الطيبة وأحيانا المثالية التي تجمع المغرب بالدول المنتخبة، وخاصة البحرين وليبيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأضاف البلعمشي، في تصريح لهسبريس، أن انتخاب هذه الدول يؤكد أن المواقف الثنائية الداعمة لمغربية الصحراء أصبحت في تصاعد مستمر، مشددا على أن “المطلب الأساسي اليوم هو أن تنعكس هذه المواقف الواضحة على مستوى مجلس الأمن الدولي، سواء في قراراته أو في تدبيره الأممي لنزاع الصحراء؛ وذلك في انسجام مع الشرعية الدولية والواقع السياسي الذي يتعزز يوما بعد آخر لصالح المقترح المغربي”.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش أن عضوية الجزائر غير الدائمة في مجلس الأمن، التي تنتهي بنهاية سنة 2025، لم تحقق أي مكسب يذكر لصالح أطروحة الانفصال التي تروج لها، بل على العكس، شهدت هذه الفترة بالضبط تزايدا في عدد الدول التي أعلنت صراحة دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، في مقابل إخفاق الجزائر في تمرير أي من مقترحاتها أو ملاحظاتها داخل المجلس، رغم محاولاتها المتكررة في القرارات الصادرة خلال هذه الولاية.
وأبرز رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن عددا من الدول دائمة العضوية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، أصبحت تتبنى بشكل صريح موقفا داعما للوحدة الترابية للمملكة، وهو ما يجسد تحوّلا نوعيا ينبغي أن يترجم على المستوى القانوني داخل مجلس الأمن، في أفق تعزيز مصداقية المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة.
وسجل البلعمشي أن هناك واقعا جديدا يتشكل ميدانيا، يتمثل في افتتاح قنصليات عامة في مدن الصحراء المغربية، وزيارات وفود دبلوماسية وازنة، إلى جانب الدعم الصريح للمبادرة المغربية من قبل عدد من العواصم المؤثرة، مشيرا إلى أن “هذا الواقع يجب أن يجد ترجمته القانونية والمؤسساتية داخل قرارات مجلس الأمن الدولي بشكل يتماشى مع هذا التراكم الإيجابي ويسرع وتيرة الحل السياسي للنزاع المفتعل”.
وبخصوص أداء الدبلوماسية المغربية، صرح البلعمشي بأنها نجحت، بفضل توجيهات الملك محمد السادس، في دمج البعد التنموي والاقتصادي في تحركاتها السياسية والدولية؛ وهو ما منح، بحسبه، “الموقف المغربي مصداقية إضافية، وساهم في بناء شراكات استراتيجية مع فاعلين دوليين وازنين”.
وأكمل المتحدث تصريحه بالتأكيد على أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب لم تعد مجرد تصور وطني، بل تحولت إلى أرضية أممية واقعية لتسوية النزاع، لافتا إلى أنها “تصنف اليوم من أنضج التجارب في احترام مبدأ تقرير المصير وضمان الاستقرار، وفق ما تبرزه الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي”، داعيا في الوقت نفسه المنتظم الدولي إلى “تحمل مسؤوليته في دعم هذا المسار السياسي الجاد والواقعي”.