محاولة يابانية جديدة لهبوط مسبار على القمر تنتهي بالفشل

تحطم المسبار الياباني “ريزيليانس”، الذي طوّرته شركة ispace الخاصة، على سطح القمر، منهياً بذلك ثاني محاولة فاشلة للشركة في تحقيق هبوط ناجح. كانت هذه المهمة تحمل آمالاً كبيرة لتجربة تقنيات جديدة في مجال التنقيب عن الموارد القمرية، من ضمنها مركبة صغيرة وعدد من التجارب العلمية.
فقدان الاتصال في اللحظات الحرجة
فقد فريق المراقبة الأرضية في طوكيو الاتصال بالمسبار قبل لحظات من وصوله إلى منطقة “مار فريغوريس” أو “بحر البرد”، وهي منطقة تقع في النصف الشمالي من القمر. بعد ساعات من الترقب، أكدت الشركة الخبر: فشل المسبار في الهبوط.
صرّح تاكشي هاكامادا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ispace، قائلاً:
“كنا نأمل في نجاح المهمة الثانية، لكن للأسف لم نتمكن من الهبوط”.
خطأ في حساب الارتفاع
أوضح ريو أوجيي، المسؤول التقني في الشركة، أن آخر البيانات الواردة من المسبار أظهرت أنه كان على ارتفاع 192 متراً فقط، لكنه كان يهبط بسرعة كبيرة، دون أن يتمكن من التباطؤ بالشكل الكافي. وأكد أن جهاز تحديد الارتفاع بالليزر واجه تأخيرات في تقديم قراءات دقيقة، ما أربك نظام الملاحة.
يعتمد هذا الجهاز على إطلاق نبضات ضوئية نحو السطح وقياس الزمن الذي تستغرقه للعودة، لتحديد الارتفاع بدقة. غير أن تأخر القراءات دفع المسبار إلى الاعتقاد بأنه لا يزال بعيداً عن السطح، ما منعه من تنفيذ عملية التباطؤ اللازمة للهبوط الآمن.
محاولة يائسة لإعادة التشغيل
أرسل الفريق الأرضي أوامر لإعادة تشغيل النظام على أمل استعادة الاتصال، إلا أن المركبة بقيت صامتة، ما عزز فرضية “الهبوط العنيف”. أعلن هاكامادا أن أولوية الفريق الآن هي تحليل البيانات المتوفرة بدقة وفهم أسباب الفشل، مضيفاً:
“علينا استعادة الثقة من خلال تقديم تقرير شفاف لحلفائنا وممولينا”.
من حلم الجوائز إلى واقع التحديات
يحمل اسم “هاكوتو”، الذي يعني الأرنب الأبيض في اليابانية، رمزية تاريخية تعود لبداية ispace في عام 2010، حين شاركت في مسابقة Google Lunar X Prize. ورغم انتهاء المسابقة عام 2018 دون فائز، استمر هاكامادا في مشروعه وجمع تمويلاً إضافياً لتأسيس برنامج “هاكوتو-آر”.
الفشل الجديد لم يكن الأول، فقد تحطم مسبار الشركة الأول في أبريل 2023 بسبب مشكلة مشابهة في حساب الارتفاع. حينها، ظنّ النظام أنه قد وصل إلى السطح بينما كان لا يزال على ارتفاع 5 كيلومترات، ما أدى إلى نفاد الوقود وسقوطه.
تجارب علمية ضائعة على سطح القمر
كان من المفترض أن ينفذ المسبار “ريزيليانس” عدة تجارب علمية حال هبوطه بنجاح، من بينها مركبة صغيرة طُورت في أوروبا بتمويل جزئي من وكالة الفضاء اللوكسمبورغية، لتجربة استخراج عينات من التربة. كما حمل المسبار جهاز تحليل المياه، وتجربة لإنتاج الغذاء، وكاميرات مراقبة، وجهاز لقياس الإشعاع، وحتى مشروعاً فنياً سويدياً يُدعى “بيت القمر”.
كان من المقرر أيضاً أن تشتري وكالة ناسا هذه العينة من التربة القمرية في إطار اختبار رمزي لمستقبل سوق التعدين الفضائي، ما يجعل الفشل أكثر مرارة.
فشل لا يمنع الطموح
تخطط ispace لإطلاق مهمة ثالثة عام 2027 باستخدام مركبة أكبر وأكثر تطوراً، بالتعاون مع فرعها في الولايات المتحدة ومختبر درابر، ضمن إطار برنامج ناسا لتعزيز دور القطاع الخاص في استكشاف القمر.
أبدى هاكامادا تمسكه بالأمل رغم الإخفاقات، مشيراً إلى نجاحات الشركات الأمريكية مثل Firefly وIntuitive Machines، وقال:
“الأمر ليس مستحيلاً. هناك من نجح. التحدي الحقيقي الآن هو كيف نتجاوز العقبات”.
واقع صعب للسوق التجارية القمرية
دخلت الشركات الخاصة سباق الهبوط على القمر منذ عام 2019، لكن سجل النجاح لا يزال متواضعاً. من بين سبع محاولات خاصة حتى الآن، لم ينجُ من الفشل الكامل سوى ثلاث. Firefly حققت أول هبوط كامل وناجح بمركبتها “بلو غوست”، بينما عانت Intuitive Machines من انقلابات أرضية قللت من فاعلية مهامها، وفشلت Astrobotic في محاولتها الأولى.
رغم ذلك، لا يزال هاكامادا مؤمناً بالمستقبل. وأكد أن المنافسة العالمية لا تزال محدودة، مع شركات قليلة تمتلك القدرة التقنية للوصول إلى سطح القمر، ما يمنح شركته هامشاً للاستمرار والمنافسة.
نظرة إلى المستقبل
لا تزال تبعات فشل “ريزيليانس” غير واضحة على الجدول الزمني للمهمة القادمة، لكن المسؤولين في الشركة أكدوا أنهم لن يستسلموا. قال المدير المالي جومبي نوزاكي:
“ربما نحن متأخرون قليلاً، لكننا لسنا خارج السباق بعد. عدد الشركات القادرة على الهبوط على القمر لا يزال محدوداً، ونحن من بينها”.
وختم هاكامادا حديثه بكلمات تلخص روح فريقه:
“مررت بلحظات كدت أبكي فيها، لكن لا وقت للبكاء. علي أن أقود هذه الشركة، وأن أواصل الطريق بقوة وإصرار”.
?xml>