اخر الاخبار

في حضرة الكلام الإلهي لا يبقى للظلام مأوى ولا للغفلة مكان .. القرآن معجزة لا تنتهي

عندما يتكلم الرحمن تصمت كل الأكوان ثم .. ثم .. تنبض الحروف بنورٍ لا ينطفأ أبداً .. وتتزلزل الأرواح أمام جلال الكلمة الإلهية .. حيث لا مكان للظلام ولا مأوى للضلال .. لإننا أمام خطاب رباني يمثل صاعقة وعي وعاصفة يقظة .. ” القرآن الكريم ” مفتاح الخلود الذي ينفجر من بين آياته خطاب متوهج كالشمس إذا أشرقت .. يخلع عن القلب رداء الغفلة ويهزّ العقول حتى تصحو من سباتها .. فيه لا تقرأ كلاماً .. بل تتذوق النور وتتنفس الهدى .. وتدخل إلى حضرة العظمة الإلهية خاشعاً مبهوراً  .. مأخوذاً بسحر لا يشبه شيئاً سوى الله .

نعم حين يتكلم الله يسكت الضجيج .. و .. ويتحول الحرف إلى نور والكلمة إلى سفينة نجاة .. والآية إلى شُعاعٍ يهدي القلوب التائهة في عتمة الحياة .

إنه الخطاب الإلهي الذي يحمل زادٌ للعقل .. وشفاءٌ للروح .. ومنهجٌ للفطرة .. وعهدٌ رباني لـ خلاص البشرية من ظلمات الجهل والطغيان .. فافتح قلبك أيها الإنسان الغافل .. وأطلق لـ عقلك العنان .. واستعدّ لرحلةٍ تهزّ الوجدان وتوقظ بها ضميرك النائم .. فأنت أمام نور يتدفّق في صميم الوجود .. ونداء الهي يهمس للعقول .. ويخترق جدران الغفلة .. لـ ينير دروب الإنسانية من ظلمات الجهل والتيه إلى آفاق النور والهدى .

.. أحسب أن هكذا قرأ ويقرأ المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي ” الرسالة المحمدية ” من خلال سطور مقاله ” الخطاب الإلهي نور الإنسانية ” .. الرسالة التي لم تكن مجرد كلمات بل كانت ومازالت وعداً ربانياً لـ خلاص الإنسان .. ورحمةً تتنزل بالحق .. وكتاباً مباركاً أُنزِل ليكون للناس هادياً ومرشداً ودليلاُ إلى الصراط المستقيم .
إنها ليست كلمات عابرة .. بل خطاب مقدس من رب السموات والأرض إلى أشرف خلقه يخاطب فيه نبيّه الكريم بقوله الجليل : ” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الْأَلْبَابِ ” .. صدق الله العظيم .. فهو دعوة إلهية سامقة لتفعيل نعمة العقل .. تلك النعمة التي تميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات .. وجعلها الله مفتاح فهم آياته .. وبوابة الإدراك لمراده .. وسراجاً يُضيء له الطريق في ظلمات الحياة .

وفي هذا السياق البديع يؤكد الشرفاء الحمادي علي أن الله عز وجل أراد للإنسان أن يتأمل .. أن يُعمل فكره .. أن يتدبّر خلق السموات والأرض .. وأن يُحكّم عقله في أسرار الكون .. كي يصل إلى الحقيقة الكبرى : بـ أنه ” لا خالق إلا الله .. ولا مُدبّر غيره ” وأن من توهّموا أنهم شركاء أو وسطاء لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً .. فكيف إذاً يملكون لغيرهم ؟ .. وذلك ما تُجليه الآية الكريمة: ” قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ قُلْ حَسْبِيَ الله ” .. صدق الله العظيم .. فالله وحده هو الكافي .. وهو الملجأ .. وهو من عليه يتوكل المتوكلون .

ثم ينتقل الخطاب الرباني من التنبيه إلى التفكّر .. إلى الدعوة لفهم سنن الحياة وسيرورة الزمن .. ويجسد ذلك في صورة حية لحركة الإنسان منذ أن كان تراباً فصار نطفة .. ثم علقة .. ثم طفلاً فشابًا قويّاً .. ثم شيخًا ضعيفاً .. ثم موتاً .. ثم لقاء .. فيقول جلّ شأنه : ” هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ” .. صدق اله العظيم .. إنها رحلة قصيرة لكنها عظيمة في دروسها .. فهي تبدأ من ضعف وتنتهي إلى ضعف .. وبينهما لحظة قوة مؤقتة لا يجوز للإنسان أن يغترّ بها أو يطغى بسببها .

هنا تتجلى بلاغة الشرفاء الحمادي في مقاله حين يكشف أن الغاية من هذا التصوير القرآني العميق .. هو أن يتأمل الإنسان حقيقة وجوده .. فيتخلى عن الكبرياء والتجبر .. ويستبدل الغرور بالسكينة .. والأنانية بالعطاء .. ويستثمر هذه الرحلة القصيرة في أن يعيش حياة أخلاقية سامية .. يعبد الله بإخلاص .. ويُحسن إلى الناس بعدل ورحمة .. ويسير في الأرض بتواضع .. لا يظلم ولا يفسد .. ولا يتعالى بما آتاه الله من نعمة لأنها إلى زوال .

ويواصل الشرفاء نداءه بوضوح الرسالة قائلاً : أن تدبّر الخطاب الإلهي هو بوابة الفهم .. وأن أداء تكاليف العبادات ليس فقط شعائر شكلية .. بل جوهرها هو الإخلاص .. ومضمونها هو العمل الصالح .. وثمرتها هي السلام الداخلي والطمأنينة في الدنيا .. والجزاء العظيم في الآخرة .. فهناك في دار الخلود ينتظر اللهُ عباده المخلصين بواحة الجنة .. حيث لا ألم ولا خوف .. بل رضوان وسعادة أبدية.

وبهذا التحليل وتلك الرؤية لا يبقى الخطاب الإلهي مجرد نصوص محفوظة .. بل يتحوّل إلى خارطة طريق .. ومنهج حياة .. ومصدر نور يهدي الضمير .. ويقود العقل وينير القلوب الباحثة عن الحق .. إنه بحق النور الأعظم للإنسانية.

فهل بعد هذا النور من عذر للعمى ؟  .. وهل بعد هذا البيان من حُجة للغفلة ؟ .. لقد تكلم الله فاهتزّ الوجود وتجلّى الحق وانشقّت ظلمات الجهل عن فجرٍ لا تغيب شمسه .. فمن لم يُبصر طريقه في خطاب الخالق ضلّ في سراب الحياة .. ومن لم يتدبّر عاش ميتًا بين الأحياء .. الخطاب الإلهي ليس نصًا يُتلى بل هو الحياةُ نفسها .. النبضُ السماويّ في شرايين الزمن .. فمن لزمه نجا .. ومن أعرض عنه هلك .. فاختر لنفسك مكانك من النور قبل أن يغلق الكتاب ويُختم الأجل .. ويُقال : ” يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ” .. صدق الله العظيم .. اللهم اني قد بلغت .. اللهم فاشهد .