بعد زيادة التوترات بالمنطقة: مصر تفعل شبكة رصد الإشعاعات النووية

عندما وصل الخبر إلى القاهرة، عقب استهداف إسرائيل منشأة نطنز النووية في قلب إيران، وأثار موجات من الترقب عبر المنطقة. لم يكن الأمر مفاجئًا تمامًا، لكنّ حجمه وتوقيته حملا ما يكفي ليدفع دولًا بأكملها إلى التحرك. في مركز القيادة الوطني للطوارئ النووية بمصر، انطلقت الأضواء الحمراء على شاشات المراقبة، أي حادث نووي في الشرق الأوسط يستدعي تفعيل شبكة الرصد الإشعاعي فورًا. وهكذا، بدأت مصر أول خطوة استباقية… تفعيل شبكتها المتقدمة لرصد الإشعاع النووي.
هذا المقال يأخذك خلف الكواليس، ليكشف كيف تعمل هذه الشبكة المعقدة، وما التكنولوجيا التي تقف وراءها. سنغوص في احتمالات تسرب الإشعاع من نطنز، وهل يمكن أن يصل فعليًا إلى الأراضي المصرية؟ كما نستعرض السيناريوهات القادمة، في حال تحوّل التصعيد إلى سلسلة من الحوادث النووية عبر المنطقة.
ما هي شبكة رصد الإشعاع النووي؟
هي منظومة متكاملة من أجهزة استشعار موزعة في عدة مواقع جغرافية داخل مصر، مهمتها مراقبة مستويات الإشعاع في الهواء والتربة والمياه بستمرار، وتنبيه الجهات المختصة فور اكتشاف أي زيادة غير طبيعية في الإشعاع.
كاشفات جايجر-مولر (Geiger-Müller Counters)
تحتوي على أنبوب مملوء بغاز يتأين عند مرور الإشعاع، فيولد نبضات كهربائية تُحسب وتُظهر كمية الإشعاع. وتكمن مميزاتها في سهولة الاستخدام، كما أنها حساسة لأنواع مختلفة من الإشعاعات (ألفا، بيتا، جاما)، وتستخدم في نقاط الرصد الثابتة والمتحركة. وهي تنتشر في محطات الرصد في مصر المختلفة لقياس الخلفية الإشعاعية.

كاشفات التلألؤ (Scintillation Detectors)
تستخدم مواد خاصة (مثل الكريستالات) تومض عند تعرضها للإشعاع، ويُحوّل هذا الضوء إلى إشارة كهربائية. تتسم بحساسيتها جداً، قادرة على تحديد نوع الإشعاع بدقة أكبر من كاشفات غايغر. وهي تستخدم في مراكز المراقبة لتحليل البيانات بدقة.

كواشف أشباه الموصلات (Semiconductor Detectors)
تعتمد على مواد شبه موصلة تولد تياراً كهربائياً عند تعرضها للإشعاع. تتميز بدقتها العالية وصغر حجمها، وتستخدم لتحديد نوع الإشعاع وكمّيته، كما تستخدم عادة في الأجهزة المحمولة والمتنقلة للرصد الميداني.
الأجهزة المحمولة على الظهر (Backpack Radiation Detectors)
هي أجهزة متقدمة تحملها الفرق الميدانية، تجمع بيانات إشعاعية في مساحة واسعة بسرعة عالية. تتميز هذه الأجهزة بأنها تغطي مساحات أكبر من أجهزة الرصد الثابتة، حساسة جداً، وتستطيع تصنيف الإشعاع خلال ثوانٍ. وتستخدمها فرق الطوارئ لفحص المناطق المشكوك في تلوثها.

كيف ترصد هذه الأجهزة الإشعاع؟
تمر هذه الأجهزة بعدة مراحل لاكتشاف الإشعاع:
- الكشف: كل جهاز يحتوي على حساس يتفاعل مع الجسيمات أو الأشعة النووية (ألفا، بيتا، جاما، نيوترونات).
- التحويل: الإشعاع يتسبب في تغيرات كهربائية أو ضوئية تُحول إلى إشارات إلكترونية.
- المعالجة: تُرسل هذه الإشارات إلى أنظمة مركزية لتحليلها وتقييم مستويات الإشعاع.
- التنبيه: في حال تجاوز المستويات الطبيعية، تُصدر الشبكة إنذارات فورية للجهات المختصة.
لماذا هذه الأجهزة مهمة؟
- تساعد في اكتشاف أي تسرب إشعاعي قبل أن ينتشر أو يسبب أضراراً صحية.
- تتابع الخلفية الإشعاعية الطبيعية وتكشف عن أي تغيرات.
- توفر بيانات دقيقة للسلطات لاتخاذ إجراءات الطوارئ.
كيف تُصنع هذه الأجهزة؟
مثلاً، كاشف جايجر-مولر يُصنع عبر:
- استخدام أنبوب مملوء بغاز خاص يتأين عند تعرضه للإشعاع.
- تغليف الأنبوب بمادة بلاستيكية مقاومة للإشعاع مثل البولي إيثيلين لضمان متانته.
- دمج حساس الإشعاع داخل هيكل الجهاز بدقة لضمان الكشف الفعال.
- تجهيز الجهاز بواجهة إلكترونية لعرض القراءات ونقل البيانات.
امتلكت مصر شبكة رصد الإشعاع النووي المتكاملة التي تضم حوالي 90 محطة رصد على مستوى الجمهورية، منها 70 محطة لرصد الإشعاع في الهواء و20 محطة لرصد الإشعاع في المياه. منذ سنوات، قبل عام 2011، كانت الشبكة تعمل دائمًا لرصد الخلفية الإشعاعية ومراقبة أي تسرب محتمل. وفي يوليو 2022، شاركت مصر في تأسيس شبكة عربية موحدة للرصد البيئي الإشعاعي والإنذار المبكر للطوارئ النووية، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والهيئة العربية للطاقة الذرية، لتعزيز التنسيق الإقليمي في مواجهة أي حوادث إشعاعية أو نووية محتملة في المنطقة.
لكن هل حدث فعلا تسريب في مفاعل نطنز؟
بعد الهجوم الإسرائيلي على منشأة نطنز النووية في إيران، أكدت التقارير الرسمية أن هناك تلوثًا إشعاعياً وكيماوياً داخل المنشأة نفسها، لكنه لم يتسبب في تسرب إشعاعي خارج الموقع. المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسي” أوضح في جلسة مجلس الأمن أن الجزء فوق الأرض من منشأة نطنز تعرض للتدمير، بما في ذلك وحدات تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، ولكن مستويات الإشعاع خارج المنشأة بقيت طبيعية ولم تسجل أي ارتفاع.

السلطات الإيرانية أكدت أيضاً عدم وجود تلوث إشعاعي خارج المنشأة، وأن التلوث الموجود داخل الموقع يتكون أساساً من جسيمات ألفا التي يمكن السيطرة عليها باتخاذ التدابير الوقائية المناسبة. كما أشار المسؤولون الإيرانيون إلى أن الأضرار كانت سطحية ولم تؤدِ إلى خسائر بشرية أو تسرب إشعاعي مقلق. بالتالي، يمكن القول إن الهجوم تسبب في تلوث إشعاعي داخل منشأة نطنز لكنه لم ينتج عنه تسرب إشعاعي خارجي أو خطر بيئي على المناطق المحيطة أو الدول المجاورة، بما في ذلك مصر، التي تبعد أكثر من 2200 كيلومتر عن إيران.
هل يمكن أن يصل الإشعاع النووي إلى مصر؟
اللواء أمجد الوكيل، رئيس هيئة المحطات النووية المصرية السابق، أوضح أن المسافة بين إيران ومصر تزيد عن 2200 كيلومتر، وهي مسافة كبيرة تقلل من احتمالية وصول أي إشعاع نووي إلى الأراضي المصرية. وبحسب تصريحات خبراء نوويين مصريين ورؤساء هيئات الرقابة النووية، فإن وصول الإشعاع النووي من منشآت إيران إلى مصر أمر مستبعد جداً بسبب عدة عوامل رئيسية:
- المسافة الجغرافية: تبعد مصر عن إيران أكثر من 2200 كيلومتر، وهي مسافة كبيرة جداً تقلل فرص انتقال الإشعاع النووي عبر الهواء أو البيئة إلى الأراضي المصرية.
- نوع الحادث وكمية المواد المشعة: كمية الإشعاع المنبعثة في الحوادث النووية تختلف حسب حجم الضرر، وفي حالة مفاعل نطنز لم يُسجل تسرب إشعاعي خارجي، مما يقلل فرص وصول إشعاع لأي بلد مجاور.
- العوامل الجوية: اتجاه الرياح وسرعتها، بالإضافة إلى التضاريس الجغرافية، تلعب دوراً حاسماً في انتشار الإشعاع، وهذه العوامل تجعل انتقال الإشعاع لمسافة طويلة مثل المسافة بين إيران ومصر أمراً غير واقعي.
- المراقبة والرصد المستمر: تمتلك مصر منظومة متكاملة للرصد الإشعاعي تعمل على مدار الساعة، ولم تُسجل أي مؤشرات على وجود تسرب إشعاعي أو نووي في الأراضي المصرية بعد الهجوم على منشأة نطنز.
- التصريحات الرسمية: رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية أكد أن مصر في مأمن تام من أي تهديد إشعاعي نتيجة الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، وأن الوضع الإشعاعي في نطنز تحت السيطرة ولا يشكل خطراً خارج إيران.
بناءً عليه، يمكن التأكيد على أن وصول الإشعاع النووي إلى مصر من حادث في منشآت نووية إيرانية مثل نطنز غير محتمل عملياً، وأن مصر محمية بفضل المسافة الكبيرة والعوامل البيئية، إضافة إلى قدراتها التقنية في الرصد والإنذار المبكر.
لكن ماذا لو ضُرب مفاعل نووي في إسرائيل
المفاعلات النووية في إسرائيل، مثل مفاعل ديمونة، مبنية بتصميمات محصنة، وبعض المنشآت النووية الإيرانية نفسها مبنية على أعماق كبيرة تحت الأرض لتفادي الضربات الجوية، مما يصعب تحقيق تدمير شامل بسهولة. إذا أصاب الضرب مفاعلاً نووياً بشكل مباشر وأدى إلى انفجار أو تسرب إشعاعي، فإن ذلك قد يسبب إطلاق مواد مشعة في الجو وملوثة للبيئة المحيطة، مع احتمالية انتشار الإشعاع حسب اتجاه الرياح وسرعتها.

وفي حالة حدوث تسرب إشعاعي من مفاعل إسرائيلي، قد تتأثر الدول المجاورة مثل مصر حسب قربها من موقع الانفجار واتجاه الرياح. لكن مصر تبعد عن مفاعل ديمونة مسافة كبيرة، وتأثير الإشعاع عليها يعتمد على عوامل بيئية وجغرافية دقيقة. في حال وقوع حادث نووي، ستفعّل مصر وشركاؤها في المنطقة شبكات الرصد النووي والإنذار المبكر، واتخاذ إجراءات الطوارئ مثل إخلاء المناطق المتأثرة، وتوزيع اليود الوقائي، ومراقبة الصحة العامة.
السيناريو الأسوأ: كما أشار خبير الطاقة النووية المصري علي عبد النبي، أسوأ السيناريوهات النووية تكون عند ضرب مفاعل كبير مثل “بوشهر” الإيراني، حيث قد تضطر الدول المجاورة لتهجير السكان في نطاق 50 كيلومتراً، وتلوث مياه الشرب، وارتفاع مخاطر الإصابة بالأمراض السرطانية. وبالقياس، أي حادث نووي في إسرائيل قد يسبب تداعيات بيئية وصحية خطيرة في المنطقة إذا كان كبيراً.
أحدث التطورات العالمية في أجهزة رصد الإشعاع النووي
شهدت قفزات تكنولوجية كبيرة تهدف إلى تحسين دقة الكشف، وسرعة الاستجابة، والقدرة على تحليل البيانات بطريقة ذكية ومتقدمة. إليك تفصيل هذه التطورات:
أجهزة الكشف متعددة الطاقات وأنواع الإشعاع
طُورت أجهزة قادرة على الكشف المتزامن لأنواع مختلفة من الإشعاعات (ألفا، بيتا، جاما، نيوترونات) بدقة عالية، مما يسمح بتحديد مصدر الإشعاع بدقة أكبر مقارنة بالأجهزة التقليدية التي كانت تكتفي بقياس نوع واحد فقط.
حساسات أشباه الموصلات المتقدمة (Advanced Semiconductor Detectors)
أجهزة تعتمد على مواد شبه موصلة متطورة مثل السيليكون والكادميوم تلورايد (CdTe) توفر حساسية عالية جداً، ودقة في تحديد طيف الإشعاع، مع حجم صغير يسمح بصنع أجهزة محمولة وخفيفة الوزن.
دمج الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة
تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل البيانات الإشعاعية في الوقت الحقيقي، وتمييز الإشعاع الطبيعي عن الإشعاع الناتج عن حوادث أو تسربات نووية، مما يزيد من سرعة ودقة الإنذار المبكر.
شبكات الاستشعار اللاسلكية وإنترنت الأشياء (IoT)
التوسع في استخدام شبكات استشعار لاسلكية متصلة عبر بروتوكولات مثل Zigbee وLoRaWAN، تسمح بتوزيع آلاف الحساسات في مناطق واسعة، مع نقل البيانات فوريًا إلى مراكز المراقبة، مما يعزز التغطية الجغرافية والسرعة في الكشف.
أجهزة رصد متنقلة وطائرات دون طيار (Drones)
ظهرت أجهزة رصد إشعاعي صغيرة الحجم يمكن تركيبها على طائرات دون طيار، مما يسمح بمسح مناطق يصعب الوصول إليها أو مراقبة المواقع النووية عن بعد وبفعالية عالية.
تحسين قدرات الكشف في البيئات الصعبة
طُورت أجهزة مقاومة للظروف البيئية القاسية مثل درجات الحرارة المرتفعة، والرطوبة، والضغط العالي، لتعمل بكفاءة في مواقع المنشآت النووية أو في حالات الكوارث الطبيعية.
التكامل مع الأقمار الصناعية وأنظمة المراقبة العالمية
تعمل بعض الدول على دمج بيانات أجهزة الرصد الأرضية مع الأقمار الصناعية التي تُتابع الإشعاع من الفضاء، مما يوفر رؤية شاملة لحركة وانتشار الإشعاع النووي على نطاق عالمي.
تطوير برمجيات محاكاة ونمذجة انتشار الإشعاع
تستخدم برمجيات متقدمة لمحاكاة انتشار الإشعاع النووي في البيئة حسب عوامل الرياح والتضاريس، مما يساعد في توقع المناطق المتأثرة واتخاذ إجراءات وقائية.
يشهد المستقبل التكنولوجي لأجهزة رصد الإشعاع النووي تحوّلاً جذرياً بفضل دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتحليل اللحظي للبيانات، والتقنيات الرقمية الذكية، مما يجعل هذه الأجهزة أكثر دقة وسرعة وفاعلية في الكشف المبكر والإنذار. وفقاً لدراسات حديثة منشورة في المجلة العربية للبحث العلمي، فإن التطورات المستقبلية تركز على:
- الكواشف الذكية (Smart Radiation Detectors): تستخدم برمجيات ذكية تسمح بالكشف الفوري عن التعرض الإشعاعي، مع إمكانية التنبؤ بالجرعة الإشعاعية المستقبلية، مما يعزز الإنذار المبكر ويتيح اتخاذ إجراءات وقائية أسرع.
- التحديث الرقمي والتكامل البرمجي: تطوير أجهزة تعتمد على الألواح الرقمية الذكية التي تجمع بيانات دقيقة وتحللها لحظيًا، مما يحدّ من الأخطاء ويوفر حماية شخصية أفضل (More Personal Protection) ويقلل من المخاطر البيئية (Less Environment Risk).
- الإنذار المبكر والتوقع المستقبلي: الأجهزة المستقبلية لن تكتفي بالكشف فقط، بل ستستخدم خوارزميات متقدمة للتنبؤ بانتشار الإشعاع وتقييم المخاطر المحتملة، مما يسهل التخطيط للطوارئ وحماية السكان.
- شبكات رصد متكاملة: ربط أجهزة الرصد عبر شبكات لاسلكية ذكية تسمح بمراقبة مستمرة ومنتشرة جغرافياً، مع تنسيق مباشر مع الجهات المختصة والوكالات الدولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
- تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي: استخدام تقنيات التعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من البيانات الإشعاعية، وتمييز الإشعاع الطبيعي عن الإشعاع الناتج عن حوادث أو تسربات، مما يعزز دقة الإنذار ويقلل الإنذارات الكاذبة.
- أجهزة متنقلة وطائرات دون طيار: تطوير أجهزة صغيرة الحجم يمكن تركيبها على طائرات دون طيار لمراقبة المناطق صعبة الوصول، مع قدرات كشف عالية جداً للتسريبات المبكرة.
- معايير دولية محدثة: تحديث قواعد السلامة والوقاية الإشعاعية على مستوى العالم بناءً على هذه التقنيات الذكية، لضمان حماية أفضل للعاملين والجمهور والبيئة.
أضرار الإشعاع النووي على الإنسان
أضرار الإشعاع النووي على الإنسان في حالة التسرب النووي تتفاوت حسب كمية الإشعاع ومدة التعرض، لكنها تشمل تأثيرات صحية خطيرة ومباشرة على الجسم، ويمكن تلخيصها بالتفصيل كما يلي:
التأثيرات الحادة (المرض الإشعاعي الحاد)
يحدث عند التعرض لجرعات عالية من الإشعاع خلال فترة قصيرة. أعراضه تبدأ بالغثيان، والقيء، والإسهال، والصداع، وقد تتطور إلى نزيف داخلي وخارجي، تمزقات في الجلد، وفقدان الوعي. قد يؤدي إلى تلف سريع في الأنسجة الحيوية مثل الجهاز الهضمي، ونخاع العظم، والقلب، مما قد يسبب الوفاة خلال ساعات أو أيام إذا كانت الجرعة كبيرة جداً.
تأثيرات على الغدة الدرقية
اليود المشع هو من أول المواد التي تنتشر بعد الحوادث النووية، ويتركز تأثيره على الغدة الدرقية، حيث يسبب تدمير أنسجتها وزيادة خطر الإصابة بسرطان الغدة الدرقية.
يُمتص اليود المشع عن طريق الاستنشاق أو الجلد، لذلك يُنصح بتناول اليود المستقر للوقاية في حالات الطوارئ.
السرطانات والأمراض المزمنة
يزيد التعرض للإشعاع من خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان مثل سرطان الدم (اللوكيميا)، وسرطان الجلد، وسرطان الرئة. يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الدماغ والعينين، مثل المياه البيضاء، واضطرابات عقلية. الإشعاع يؤثر على الحمض النووي للخلايا، مما قد يسبب طفرات جينية وتشوّهات في الأجيال القادمة.
تأثيرات على الدم ونخاع العظم
يضر الإشعاع بنخاع العظم المسؤول عن إنتاج خلايا الدم، مما يسبب فقر الدم، ونقص الصفائح الدموية، وضعف المناعة، وبالتالي زيادة خطر العدوى والنزيف.
التأثيرات على الجهاز الهضمي
التعرض لجرعات عالية يسبب متلازمة الجهاز الهضمي التي تتضمن غثيان، وقيء، وإسهال حاد، وقد يؤدي إلى تجفاف شديد وعدوى بكتيرية بسبب تلف الأنسجة المبطنة للأمعاء.
التأثيرات الجلدية والموضعية
التعرض الموضعي لجرعات عالية يسبب احمرار الجلد، وتقشره، وتساقط الشعر، وظهور قرحات جلدية. قد يؤدي إلى ترقق الجلد وتوسع الأوعية الدموية تحت الجلد، وأضرار في الأنسجة العميقة مثل العظام والعضلات.
التأثيرات على الأعضاء الحيوية الأخرى
قد تتضرر الرئتان مسببة التهاباً رئوياً وتليفاً، وأيضًا القلب مع التهاب الكيس المحيط به مما يؤدي إلى أعراض مثل ضيق التنفس وألم الصدر. تعرض العمود الفقري لإشعاع شديد قد يسبب شلل وفقدان الإحساس.
التأثيرات على الأجنة والأطفال
الأجنة والأطفال أكثر حساسية للإشعاع، حيث يمكن أن يتسبب في تشوهات خلقية واضطرابات نمو، بسبب تأثير الإشعاع على الحمض النووي في خلاياهم.
أضرار الإشعاع على البيئة
خطر الإشعاع النووي على البيئة في ظل أزمة المناخ الحالية كبير ومعقد، ويشمل تأثيرات سلبية على التربة، والنباتات، والحيوانات، والمياه، والهواء، وهذا يزيد من هشاشة النظم البيئية ويعقد جهود مواجهة التغير المناخي؛ التفاصيل كالآتي:
تلوث التربة والزراعة
تؤدي الحوادث النووية إلى تلوث الأراضي بالمواد المشعة التي تدخل في التربة وتؤثر على خصوبتها وجودة العناصر الغذائية فيها، مما يجعل التربة عقيمة أو شديدة السمية. النباتات التي تنمو في هذه التربة تمتص الإشعاع، فتنتج محاصيل ملوثة وغير صالحة للاستهلاك البشري أو الحيواني، كما يؤثر الإشعاع على نمو النباتات ويغير أشكالها وأحجامها ويعيق تكاثرها.
تأثير الإشعاع على الحيوانات
تتعرض الحيوانات للإشعاع من خلال الهواء، والطعام، والمياه الملوثة، وتتراكم المواد المشعة داخل أنسجتها، مما يضر بحمضها النووي ويؤدي إلى تشوهات جينية ومشكلات صحية متعددة، ويؤثر ذلك على التنوع البيولوجي واستقرار النظم البيئية.
تلوث المياه والكائنات البحرية
المياه المستخدمة في تبريد المفاعلات النووية قد تتلوث بالإشعاع، وعند تصريفها في البحار والمحيطات تنتقل المواد المشعة إلى الكائنات البحرية مثل الأسماك والأعشاب البحرية، مما يهدد الحياة البحرية ويؤثر على سلاسل الغذاء البحرية.
التأثيرات على جودة الهواء والغلاف الجوي
الإشعاع النووي يلوث الهواء بجسيمات مشعة قد تسبب أمراضاً تنفسية وسرطانات، كما أن بعض المواد المشعة تؤثر على طبقة الأوزون، مما يفاقم من تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية على الكائنات الحية.
تعقيد أزمة المناخ
يزيد الإشعاع النووي من تدهور البيئة الطبيعية التي هي أصلاً تحت ضغط التغير المناخي، حيث يؤدي إلى تقليل قدرة النباتات على امتصاص الكربون، وتدمير التنوع البيولوجي الذي يساهم في استقرار المناخ. كما أن تسرب النفايات المشعة يضيف عبئاً بيئياً طويل الأمد، إذ تبقى هذه النفايات نشطة لآلاف السنين.
الحوادث النووية الكبرى وتأثيرها البيئي
أظهرت حوادث مثل تشيرنوبيل وفوكوشيما كيف يمكن للتسربات النووية أن تسبب تلوثاً بيئياً واسع النطاق يستمر لعقود، مع تأثيرات صحية وبيئية خطيرة تشمل موت النباتات والحيوانات، وتلوث الأراضي والمياه، وارتفاع معدلات السرطان في البشر.
في ظل التحديات المتزايدة التي يواجهها العالم اليوم، تبرز أهمية شبكات وأجهزة رصد الإشعاع النووي كخط دفاع أول وحاسم لحماية الإنسان والبيئة من المخاطر النووية المحتملة. إن التطورات التكنولوجية المستمرة في هذا المجال تعزز من قدرة الدول، بما فيها مصر، على الكشف المبكر والاستجابة السريعة لأي تسرب إشعاعي، مما يحد من الأضرار الصحية والبيئية ويضمن استقرار الأمن النووي.
ومع تعقيد الأزمات المناخية وتداخلها مع التهديدات النووية، يصبح من الضروري تبني استراتيجيات متكاملة تجمع بين التكنولوجيا الحديثة، التعاون الدولي، والوعي البيئي لضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة. إن الاستثمار في هذه التقنيات والحفاظ على جاهزية شبكات الرصد ليس خيارًا، بل ضرورة ملحة تحمي الحياة على كوكبنا من مخاطر قد تكون كارثية إذا ما أهملت.
?xml>