دور الرقابة في دعم إسرائيل بعد فيديو المتحدثة الرسمية لجيش الاحتلال

في زمن لم تعد فيه المعارك تُخاض بالسلاح وحده، بل بالكلمات والهاشتاجات والبوستات، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي من منصات للتواصل إلى ميادين حرب غير معلنة. هناك، خلف الشاشات، لا تُسمع أصوات الرصاص، بل تُرصَد الكلمات، وتُفكك النوايا، وتُراقَب الآراء كما لو كانت تهديدًا أمنيًا.
في واحدة من أكثر اللحظات التي أثارت الجدل مؤخرًا، ظهرت المتحدثة باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، كابتن إيلا، في فيديو تداول بكثافة على فيسبوك وتويتر. كانت كلماتها واضحة وصادمة في آنٍ واحد: “أي منشور يدعم أعداء إسرائيل قد يضع صاحبه تحت المراقبة… وربما خلف القضبان”. لم يكن الأمر مجرد تحذير، بل إعلان صريح عن أن حرية التعبير في الفضاء الرقمي قد تتحول إلى تهمة.
اقرأ أيضًا:
في غضون ساعات، اشتعل الجدل على المنصات نفسها التي حذّرت منها إيلا. هل تحوّل فيسبوك إلى أداة بيد الحكومات؟ هل أصبحت الشركات الكبرى، التي رفعت شعار “ربط العالم”، شريكة في مراقبته وقمعه؟ وبينما يتساءل البعض عن حدود حرية التعبير، يرى آخرون أن ما يحدث هو إعادة تشكيل خفية لقواعد اللعبة، حيث تُستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة لتحديد من يُسمح له بالكلام، ومن يُدفن صوته تحت ركام “شروط الاستخدام”.
لم يعد الأمر مجرّد منشور أو تغريدة. إنه الآن اختبار مستمر بين الإنسان والنظام… بين الصوت والرقابة.
لكن ما أدهشني حقًا وأقلقني أكثر لم يكن مجرد مضمون التهديد، بل الطريقة التي قيل بها، والبيئة التي قُبلت فيها. كيف تمكّنت متحدثة عسكرية من إطلاق مثل هذا التصريح، بلهجة مباشرة وواضحة، دون أن تتدخل أي من شركات التواصل الاجتماعي؟ لا تعليق توضيحي، لا تحقيق داخلي، لا حتى اعتذار شكلي عن انتهاك محتمل لحرية التعبير.
أتساءل: أين ذهبت الشعارات التي طالما تغنت بها تلك المنصات؟ كيف أصبحت حرية الرأي مشروطة بجنسية أو قضية؟ ولماذا يُترك الصوت الفلسطيني المُحاصر أصلاً في الواقع ليُقمع مرة أخرى في الفضاء الافتراضي، حيث كان من المفترض أن يجد متنفسًا؟
في هذا الصمت الرقمي، يبدو أن المنصات التي بُنيت لتكون صوت الشعوب، بدأت تتحول تدريجيًا إلى أداة انتقائية، تصغي لمن تشاء، وتُسكت من لا يناسب روايتها. فدعنا عزيزي القارئ نستعرض سياسات المراقبة الرقمية التي تتبعها إسرائيل:
سياسات المراقبة والتجسس الإسرائيلية على السوشيال ميديا
تعتمد إسرائيل منذ سنوات على سياسات متقدمة لمراقبة المحتوى الفلسطيني ونشطاء حقوق الإنسان على منصات التواصل الاجتماعي، باستخدام تقنيات متطورة تجمع بين الذكاء الاصطناعي والقدرات البشرية، بهدف قمع الأصوات المناهضة لها أو الداعمة لفلسطين.
نظام مراقبة شامل ومتطور
كشفت تقارير إعلامية عبرية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي طلب من شركات سايبر محلية إنشاء نظام متكامل لمراقبة الاتصالات الشخصية على شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، تويتر، وإنستجرام، وجوجل بلس، ويوتيوب، يشمل مراجعة وتخزين المعلومات العامة والخاصة للمستخدمين.

هذا النظام يهدف إلى التعرف على أصحاب الحسابات المغلقة والسرية، واستخدام حسابات وهمية للتسلل إلى مجموعات خاصة، بالإضافة إلى تتبع علاقات المستخدمين عبر طلب معرفة 500 صديق أو جهة اتصال لكل حساب مستهدف. الكلمات المفتاحية التي يركز عليها الجيش تشمل “إرهاب”، “مقاومة”، “قومية”، “دين”، “تنظيمات”، “سياسة”، وأسماء شخصيات وأحزاب، باللغات العربية والعبرية والإنجليزية.
وحدات تجسس إلكترونية متخصصة
وحدة 8200، وهي وحدة المخابرات الإلكترونية الكبرى في الجيش الإسرائيلي، تستخدم تقنيات متقدمة لتحليل كميات هائلة من البيانات الرقمية، وتتمتع بخبرات عالية في تأمين المعلومات وتحليل الاتصالات الرقمية. ووحدة سرية أخرى، تسمى “504”، متخصصة في التغلغل داخل المجتمعات العربية، حيث يتقن عملاؤها اللغة العربية ولهجاتها المختلفة لجمع معلومات من مواقع التواصل الاجتماعي.
الإبادة الرقمية للمحتوى الفلسطيني
خلال الحرب على غزة 2023-2024، تبنت شبكات التواصل الاجتماعي سياسات “الإبادة الرقمية” للمحتوى الفلسطيني، حيث تستخدم خوارزميات معززة بوكلاء برمجيات، إلى جانب مراقبة بشرية، لحذف أو تقييد المحتوى الذي يعبر عن التضامن مع فلسطين أو ينتقد إسرائيل. تقرير صادر عن مركز “صدى سوشال” رصد أكثر من 350 انتهاكاً رقمياً ضد المحتوى الفلسطيني في يناير 2025، 43% منها على منصات شركة ميتا (فيسبوك وإنستجرام).
دور شركات السوشيال ميديا في دعم إسرائيل
كشفت تقارير موثوقة أن شركة ميتا (فيسبوك وإنستجرام) استجابت لنحو 94% من طلبات الحكومة الإسرائيلية لحذف أو تقييد محتوى مؤيد لفلسطين منذ أكتوبر 2023، ما أدى إلى حذف أكثر من 90,000 منشور في أقل من 30 ثانية، بالإضافة إلى قمع أو تقييد ملايين المنشورات الأخرى عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة.
هذه الطلبات استهدفت في الأساس مستخدمين من الدول العربية والإسلامية، وامتدت إلى أكثر من 60 دولة حول العالم، في حملة وصفت بأنها أكبر عملية رقابة رقمية جماعية في التاريخ الحديث.
تواطؤ إداري وتقني داخل الشركات
تشير تقارير إلى أن وحدة النزاهة في ميتا، بقيادة مسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (وحدة 8200)، لعب دوراً محورياً في تنفيذ هذه الحملة، حيث وفرت آليات قانونية وتقنية لتسهيل عمليات الحذف الجماعي للمحتوى الفلسطيني. سمحت ميتا للذكاء الاصطناعي بمراجعة وتنفيذ الطلبات الإسرائيلية بشكل استثنائي، بدلاً من الاعتماد على مراجعين بشريين كما هو معتاد مع باقي الحكومات، ما أدى إلى حذف تلقائي وغير دقيق للكثير من المحتوى.
قمع ممنهج للمحتوى الفلسطيني وتضييق على الصحفيين
وثقت منظمات حقوقية أكثر من 25,000 انتهاك رقمي ضد المحتوى الفلسطيني خلال عام 2024، شملت حذف منشورات، وتقييد حسابات، وحظر دائم، وتضييق وصول المنشورات، خاصة تلك التي توثق جرائم الحرب أو تعبر عن التضامن مع غزة. استهدفت هذه السياسات بالأخص الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية، حيث قُيد وصولهم للجمهور العالمي، ما أثر على نقل الحقيقة من مناطق النزاع.

ازدواجية المعايير في إدارة المحتوى
في الوقت الذي يُحذف أو يُقييد المحتوى الفلسطيني بسرعة، تسمح منصات مثل فيسبوك وإنستجرام وتويتر (X) بانتشار خطاب الكراهية والتحريض ضد الفلسطينيين من حسابات إسرائيلية رسمية أو عامة دون رقابة فعالة. رصدت تقارير أكثر من 87,000 حالة تحريض رقمي ضد الفلسطينيين في 2024، معظمها بقيت دون إجراءات من الشركات، رغم مخالفتها لمعايير النشر.
أثر السياسات على حرية التعبير عالمياً
أكدت استطلاعات رأي أن غالبية المستخدمين الفلسطينيين والعرب يتعرضون للرقابة الرقمية عند نشر محتوى عن غزة أو التضامن مع فلسطين، ما أدى إلى حالة من الرقابة الذاتية والخوف من فقدان الحسابات أو التعرض للملاحقة.
لم تقتصر الرقابة على الفلسطينيين، بل شملت نشطاء وصحفيين حول العالم ممن يعبرون عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية.
شركات أخرى متورطة
لم تقتصر الرقابة على ميتا فقط، بل شملت منصات مثل تيك توك ويوتيوب، حيث وثق آلاف حالات حذف وتقييد للمحتوى الفلسطيني، خاصة خلال الحرب على غزة.
منصة X (تويتر سابقاً) أظهرت ازدواجية واضحة، حيث لم تراقب بفاعلية التحريض الإسرائيلي، بينما قُيّد بعض المحتوى الفلسطيني.
لكن هل تسلم بيانات المستخدمين لإسرائيل على طبق جاهز؟!
مركز “صدى سوشال” الفلسطيني رصد تسريبات لبيانات مستخدمي واتس آب إلى الجيش الإسرائيلي، حيث يستخدم الجيش نظام ذكاء اصطناعي يُدعى “لافندر” يعتمد على بيانات مجموعات واتس آب لتحديد أهداف القصف في غزة. يُعتقد أن هذه البيانات تشمل أرقام الهواتف، عناوين IP، والرسائل، رغم أن واتس آب يُفترض أن يكون مشفراً “end to end” ولا تسمح الشركة نفسها بالوصول إلى محتوى الرسائل، ما يثير تساؤلات حول انتهاك الخصوصية.
اقرأ أيضًا: كيف تشارك ميتا في مأساة الشعب الفلسطيني؟
آليات جمع البيانات ومخاوف الخصوصية
تجمع شركات السوشيال ميديا كميات هائلة من البيانات الشخصية، مثل الموقع الجغرافي، وشبكة الواي فاي، وبطاقة SIM، وغيرها. كما كشفت دراسة لشركة Internet 2.0 أن تطبيقات مثل TikTok وInstagram وFacebook تجمع بيانات تتجاوز حاجتها لتشغيل التطبيقات. هذه البيانات قد تُستخدم لاحقاً في المراقبة أو تُسلم للجهات الحكومية بناءً على طلبات قانونية أو أمنية.
القوانين والسياسات التي تسمح بالتسليم
بنود خدمة الإنترنت التي يوافق عليها المستخدمون تتيح لمقدمي الخدمة تسجيل وحفظ بيانات المستخدمين لفترات طويلة، وتسليمها للجهات الأمنية عند الطلب، وإلا يُعتبر مقدم الخدمة مخالفاً للقانون. شركات مثل ميتا تسلم البيانات فقط بناءً على أوامر قضائية أو أوامر استدعاء، أو في حالات الطوارئ التي تهدد حياة الأشخاص.
حالات استجواب واعتقال بناءً على بيانات السوشيال ميديا
في الولايات المتحدة، استُجوبت ناشطة في أوكلاهوما بعد أن زودها فيسبوك بلقطات من منشوراتها المؤيدة لفلسطين إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي نفى نيته لاعتقالها لكنه أكد مراقبتها. في إسرائيل وفلسطين، تستخدم السلطات هذه البيانات لملاحقة نشطاء واعتقالهم بناءً على منشوراتهم على منصات التواصل.
أثر الرقابة الرقمية الإسرائيلية على المستخدمين الفلسطينيين
تسببت سياسات الرقابة الرقمية الإسرائيلية على السوشيال ميديا في آثار نفسية واجتماعية وقانونية عميقة على المستخدمين الفلسطينيين، خاصة في السنوات الأخيرة مع تصاعد استخدام تقنيات المراقبة والقيود على حرية التعبير.
انتشار الرقابة الذاتية والخوف من التعبير
تشير دراسات حديثة إلى أن 70% من الشباب الفلسطيني في الداخل يمارسون الرقابة الذاتية على منشوراتهم خوفًا من الملاحقة أو الاعتقال، ويفضل كثيرون متابعة الأخبار دون التفاعل أو التعليق عليها. في القدس، أفاد 65% من المشاركين في استطلاع بأنهم يشعرون بأن استخدام السوشيال ميديا يشكل خطرًا شخصيًا عليهم، بينما لا يثق 37% بقدرتهم على حماية بياناتهم وخصوصيتهم الرقمية. 39% من الشباب الفلسطيني حذفوا منشورات سياسية أو اجتماعية خشية العقوبات، و50% قللوا من نشاطهم الرقمي بسبب قيود المنصات ومنعها.
الاعتقال والملاحقة القانونية بسبب منشورات السوشيال ميديا
اُعتقل المئات من الفلسطينيين في السنوات الأخيرة بسبب منشورات أو تعليقات على فيسبوك أو إنستجرام، حيث تستخدم السلطات الإسرائيلية خوارزميات لرصد كلمات مفتاحية أو صور مرتبطة بالمقاومة أو التضامن مع الشهداء. يُستخدم المحتوى الرقمي كدليل اتهام في المحاكم، وقد يتعرض المستخدمون لعقوبات بالسجن أو الغرامة حتى لو كانت منشوراتهم سلمية أو رمزية. وهناك حالات موثقة لاعتقال قُصّر ونساء لمجرد تعبيرهم عن آرائهم أو نشرهم صورًا أو تعليقات، ما يخلق حالة من الرعب الرقمي.
التأثير النفسي والاجتماعي
يشعر الفلسطينيون بأنهم يعيشون في “سجن رقمي” أو “بانوبتيكون” دائم، حيث يراقبهم الأمن الإسرائيلي باستمرار، ما يولد شعورًا بالخوف والقلق والضغط النفسي المزمن.
تؤدي هذه الحالة إلى عزلة اجتماعية وفقدان الثقة في الآخرين وتراجع المشاركة المجتمعية والسياسية، خاصة بين الشباب والنساء. رصدت تقارير وجود اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، إضافة إلى فقدان الأمل في المستقبل نتيجة الرقابة المستمرة وانعدام الخصوصية.
قمع حرية التعبير وتهميش الرواية الفلسطينية
أدت الرقابة الرقمية إلى تراجع التفاعل مع القضايا الوطنية، وتجنب المستخدمين نشر أو مشاركة محتوى يوثق الانتهاكات أو يعبر عن التضامن مع غزة أو القدس.
أُزيلت عشرات الآلاف من المنشورات الفلسطينية أو قُيدت الحسابات، بينما بقي خطاب الكراهية والتحريض الإسرائيلي دون رقابة فعالة، ما عزز الشعور بالتمييز و”الأبارتهايد الرقمي”. وتراجعت المشاركة الرقمية في الحملات الحقوقية والاحتجاجات بسبب الخوف من العواقب، ما أضعف القدرة على نقل الحقيقة للعالم.

أثر الرقابة على الحياة اليومية والفرص الاقتصادية
أدت الرقابة الرقمية إلى فصل بعض المستخدمين من وظائفهم أو طردهم من الجامعات بسبب منشوراتهم، إضافة إلى تقييد حرية الحركة والتنقل نتيجة الملاحقة الأمنية. تراجعت فرص العمل والاندماج الاجتماعي للعديد من النشطاء والصحفيين بسبب تصنيفهم كمشتبه بهم رقمياً. لكن هل توجد رقابة ومحاسبة قانونية على تسريب بيانات المستخدمين لإسرائيل؟
غياب الرقابة الفعالة والمساءلة الحقيقية
لا توجد رقابة قانونية حقيقية أو محاسبة فعالة على تسريب بيانات المستخدمين التي تصل إلى الجهات الإسرائيلية، سواء عبر شركات السوشيال ميديا أو أجهزة الأمن الإسرائيلية، بل على العكس، هناك قوانين داخلية في إسرائيل تحصن ناقلي المعلومات الحساسة من المساءلة، مثل مشروع قانون “فيلدشتاين” الذي يهدف إلى توفير حصانة لأعضاء الأجهزة الأمنية عند نقل معلومات سرية لرئيس الوزراء، مما يقلل من فرص مساءلة المسؤولين عن التسريبات.
الشركات الكبرى مثل ميتا (فيسبوك وإنستجرام) تستجيب بشكل واسع لطلبات الحكومة الإسرائيلية بحذف المحتوى وتسليم بيانات المستخدمين، دون شفافية كافية أو رقابة مستقلة على هذه العمليات، ما يفتح الباب أمام استغلال واسع للبيانات دون مساءلة.
تسريبات متكررة وعدم شفافية
شهدت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة تسريبات ضخمة لبيانات حساسة، مثل تسريب وثائق الشرطة والأمن القومي التي كشفت عن هويات وعناوين آلاف الإسرائيليين الحاملين للأسلحة، وأظهرت ضعفاً في حماية البيانات رغم تحذيرات أمنية متكررة. تشير التحقيقات الإسرائيلية إلى أن التسريبات غالباً تأتي من شركات خاصة أو جهات أمنية، لكن لا يوجد تحقيقات شفافة أو محاسبة فعلية للمسؤولين عن هذه التسريبات، بل تقتصر الإجراءات على تقليل الأضرار فقط.
ضعف التشريعات وحماية ناقلي المعلومات
القوانين الإسرائيلية تميل إلى حماية الأجهزة الأمنية والعاملين فيها، مما يخلق بيئة غير مناسبة للمساءلة القانونية على تسريب البيانات أو سوء استخدامها، كما أن هناك ضغوط سياسية وأمنية تمنع الكشف الكامل عن التفاصيل. في المقابل، لا توجد حماية كافية لحقوق المستخدمين الفلسطينيين والعرب الذين تُسرب بياناتهم أو تُراقب حساباتهم، مما يجعلهم عرضة لانتهاكات مستمرة دون آليات قانونية فعالة للدفاع عنهم.
الرقابة الداخلية في شركات التكنولوجيا
رغم وجود سياسات داخلية في شركات مثل ميتا لحماية خصوصية المستخدمين، فإنها تتراجع أمام الضغوط الحكومية الإسرائيلية، وتنفذ طلبات الحذف وتسليم البيانات بسرعة كبيرة، مع استخدام أنظمة ذكاء اصطناعي تقلل من التدقيق البشري، ما يفتح الباب لأخطاء وانتهاكات دون رقابة خارجية. ولا توجد جهة مستقلة أو دولية تراقب هذه العمليات بشكل فعال، ولا توجد آليات واضحة للمستخدمين للطعن أو المطالبة بمراجعة القرارات المتعلقة بحذف المحتوى أو تسليم بياناتهم.
العقوبات القانونية لتسريب بيانات المستخدمين
فرضت المفوضية الأيرلندية لحماية البيانات غرامة مالية ضخمة على شركة “ميتا” (فيسبوك وإنستجرام وواتس آب) بقيمة تقارب 275 مليون دولار بسبب فشلها في حماية بيانات أكثر من 500 مليون مستخدم إثر تسريب عام 2019، وهو من أكبر الغرامات في تاريخ حماية البيانات. وضمن إطار اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي، فُرض غرامات إجمالية على “ميتا” تجاوزت 912 مليون يورو منذ 2021، بسبب انتهاكات متكررة لقوانين الخصوصية، منها غرامة 405 ملايين يورو على إنستجرام بسبب سوء تعامل مع بيانات الأطفال.
شركات أخرى مثل أمازون واجهت غرامات ضخمة بلغت 746 مليون يورو لانتهاكها قوانين حماية البيانات في أوروبا، مما يعكس جدية الجهات التنظيمية في ملاحقة مخالفات تسريب البيانات.
العقوبات الجنائية والتشريعات المحلية
في مصر، ينص قانون حماية البيانات الشخصية على عقوبات تشمل الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامات مالية تبدأ من 100 ألف جنيه وحتى مليوني جنيه لمن يجمع أو يفشي بيانات شخصية دون إذن قانوني أو موافقة صاحب البيانات، خاصة إذا كان ذلك بغرض مادي أو تعريض الشخص للضرر.
في دول أخرى، توجد قوانين مماثلة تجرم تسريب البيانات الشخصية أو سوء استخدامها، وتفرض عقوبات جنائية ومالية على الأفراد والشركات المخالفة.
العقوبات والإجراءات القانونية الدولية
على المستوى الدولي، لا توجد جهة موحدة تفرض عقوبات جنائية مباشرة على تسريب بيانات المستخدمين، لكن هناك تعاون بين الدول عبر اتفاقيات لحماية البيانات والخصوصية، وتفعيل قوانين مثل GDPR التي تفرض غرامات مالية كبيرة على الشركات التي تفشل في حماية بيانات المستخدمين.
الجهات التنظيمية الأوروبية مثل المفوضية الأيرلندية لحماية البيانات تلعب دوراً مركزياً في التحقيق وفرض الغرامات على الشركات التقنية الكبرى، كما تتابع قضايا تسريب البيانات وتطبيق العقوبات الإدارية.
التحديات في تطبيق العقوبات
بالرغم من وجود قوانين صارمة وغرامات مالية كبيرة، يواجه تطبيق العقوبات تحديات بسبب تعقيد الجرائم الإلكترونية، وصعوبة تعقب القراصنة، واختلاف التشريعات بين الدول. بعض الشركات تحاول الطعن في الغرامات أو تسوية القضايا خارج المحكمة، مما يطيل أمد المحاسبة القانونية.
تأثير العقوبات على حماية البيانات
دفعت العقوبات المالية الكبيرة شركات التكنولوجيا إلى تعزيز أنظمة الحماية والشفافية في التعامل مع بيانات المستخدمين، لكنها لم تقضِ تماماً على ظاهرة تسريب البيانات.
الكلمات الدلالية التي تراقبها إسرائيل في منشورات السوشيال ميديا
بحسب تقارير حقوقية وأمنية، إسرائيل تراقب بشكل مكثف منشورات المستخدمين على منصات التواصل الاجتماعي باستخدام كلمات مفتاحية محددة تُعتبر ذات صلة بالأمن القومي أو “التحريض” حسب تعريفها، ومن أبرز هذه الكلمات:
- مصطلحات مرتبطة بالمقاومة أو الإرهاب: مثل “مقاومة”، “حماس”، “الجهاد”، “كتائب القسام”، “الانتفاضة”، “فلسطين”، “تحرير القدس”، “شهداء”، “نكبة”، “احتلال”، “مقاوم”، “مسلح”، “عملية استشهادية”.
- مصطلحات سياسية ودينية: مثل “إرهاب”، “دولة الاحتلال”، “الاستيطان”، “النكسة”، “النكبة”، “التهجير”، “الضم”، “النكسة”.
- أسماء شخصيات أو أحزاب فلسطينية أو عربية: أسماء قادة فلسطينيين، أو أحزاب سياسية معارضة لإسرائيل.
- عبارات تدعو للتظاهر أو الاحتجاج: مثل “مظاهرة”، “احتجاج”، “تجمع”، “مسيرة”.
- مصطلحات ذات طابع قومي أو ديني: كلمات تشير إلى الهوية الوطنية أو الدينية التي قد تُعتبر تحريضًا.
تستخدم إسرائيل تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه الكلمات ضمن المنشورات والتعليقات، وتربطها بحسابات المستخدمين، لتحديد “المشتبه بهم” الذين قد يتعرضون للمراقبة أو الاعتقال.
طرق حماية المستخدم نفسه من المراقبة والرقابة
- تجنب استخدام الكلمات المفتاحية الحساسة: حاول الابتعاد عن استخدام الكلمات التي تعرف أنها مراقبة أو مثيرة للشكوك في منشوراتك أو تعليقاتك، واستبدلها بتعابير عامة أو رموز يصعب تتبعها.
- استخدام التشفير والتطبيقات الآمنة: استخدم تطبيقات المراسلة المشفرة مثل Signal أو Telegram مع إعدادات الخصوصية العالية.
- تجنب مشاركة معلومات حساسة: على منصات غير مشفرة أو عامة، وتفعيل الخصوصية في حسابات السوشيال ميديا.
- ضبط إعدادات الخصوصية: بحيث تكون المنشورات مرئية فقط للأصدقاء الموثوقين.
- تجنب قبول طلبات الصداقة: من أشخاص مجهولين أو مشبوهين.
- استخدام شبكات VPN: استخدم شبكات خاصة افتراضية (VPN) لإخفاء عنوان IP الحقيقي، مما يصعب تتبع موقعك الجغرافي.
- تجنب نشر معلومات شخصية: لا تنشر بيانات مثل رقم الهاتف أو العنوان أو تفاصيل شخصية قد تستخدم للتعقب.
- مراجعة الأذونات والتطبيقات المرتبطة: راجع بانتظام الأذونات التي تمنحها للتطبيقات، واحذف التطبيقات غير الضرورية أو المشبوهة.
- استخدام أسماء مستعارة ورموز: استخدم أسماء مستعارة أو رموز بدلاً من الأسماء الحقيقية عند التعبير عن آرائك السياسية أو الاجتماعية.
- توعية الأصدقاء والعائلة: شارك مع المحيطين بك نصائح الحماية الرقمية لتقليل خطر التسرب غير المقصود للمعلومات.
وأخيرًا، في هذا العالم المتشابك، لم تعد الخصوصية مجرد خيار، بل حق أساسي يتآكل بصمت. ومع كل تسريب بيانات، وكل مرة تُسلَّم فيها معلومات المستخدمين لحكومات تُعرف بسجلها في القمع والمراقبة، يتضح أن ساحة الإنترنت التي حلمنا بها مساحةً للحرية، بدأت تتحول تدريجيًا إلى مسرح خفي لانتهاك الحقوق.
عندما تصبح إسرائيل وغيرها من الحكومات قادرة على الوصول لمحتوى المستخدمين بتواطؤ أو على الأقل بصمت من شركات التواصل العملاقة، فإن ذلك لا يمثل فقط انتهاكًا للخصوصية، بل طعنة مباشرة في قلب حرية التعبير.
ورغم وجود قوانين تُلزم هذه الشركات بالحفاظ على بياناتنا، فإن الغياب شبه الكامل للرقابة الفعالة، والمساءلة الجدية، يجعل هذه القوانين مجرد حبر على ورق. النتيجة؟ ثقة تتآكل، وفضاء رقمي يفقد كل يوم جزءًا من شرعيته الأخلاقية.
لهذا، لم يعد الاكتفاء بالمطالبة كافيًا. نحن بحاجة إلى تشريعات أكثر صرامة، إلى شفافية تفضح ما يجري خلف الكواليس، وإلى آليات دولية تحمي الإنسان لا النظام. هذه الخطوات وحدها كفيلة بأن تُعيد للإنترنت معناه الحقيقي: فضاء حر، وعادل، وآمن… لا يخضع لرقابة، ولا يُدار بالتهديد.
?xml>