الولايات المتحدة تدخل في إغلاق حكومي شامل وسط أزمة تمويل عميقة ومخاوف من تداعيات اقتصادية واجتماعية واسعة

دخلت الولايات المتحدة فجر الأربعاء في حالة من الإغلاق الحكومي الشامل، بعد فشل الرئيس دونالد ترامب والكونغرس في التوصل إلى اتفاق لتمويل الحكومة، مع انقضاء الموعد النهائي عند منتصف ليل الثلاثاء/الأربعاء، ما يفتح الباب أمام موجة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي في البلاد، ويثير القلق من فترة إغلاق قد تكون الأطول منذ سنوات.
الإغلاق الذي يُعد الأول منذ عام 2018، تسبب بإيقاف عدد كبير من خدمات الحكومة الفيدرالية، ويؤثر مباشرة على نحو 750 ألف موظف حكومي سيُجبرون على الدخول في إجازة قسرية غير مدفوعة. ويُتوقع أن تطال آثار الإغلاق المؤسسات التعليمية والبيئية، وعددًا من القطاعات الخدمية الأساسية، فيما قد تؤدي الإجراءات المقبلة إلى تقليص دائم لبعض الإدارات، بحسب تهديدات أطلقها الرئيس ترامب.
وقال ترامب في تصريحات مساء الثلاثاء: "نحن لا نريد إغلاق الحكومة، ولكننا لن نقبل بأن تستمر النفقات على هذا النحو. الديمقراطيون يرفضون تمرير الميزانية، وبالتالي سيتحمّلون مسؤولية ما يحدث". ورغم اجتماعه مع قادة الكونغرس في البيت الأبيض قبل ساعات من الإغلاق، لم تظهر أي بوادر لحلّ وسط أو نية حقيقية للتفاوض.
في المقابل، طالب الديمقراطيون بضرورة إدراج تمويل للرعاية الصحية ضمن الموازنة الجديدة، لحماية ملايين الأميركيين ممن يعتمدون على قانون الرعاية الصحية الميسّرة (ACA)، محذّرين من أن رفض هذا التمويل سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أقساط التأمين الصحي ويضر بملايين الأسر.
وعبّر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، عن استعداده للحوار قائلاً: "نحن نقول دعونا نمول الحكومة. نحن مستعدون للجلوس والتفاوض. لكن الرئيس وفريقه يرفضون ذلك تمامًا". وأضاف: "الجمهوريون يسيطرون على الحكومة، فكيف يدّعون الآن أنهم عاجزون أمام الأقلية؟".
أما الجمهوريون، فقد أصروا على موقفهم، مؤكدين أن تمرير الموازنة يجب أن يتم بشروطهم دون تفاوض، وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون: "لا يوجد ما يتم التفاوض عليه. الديمقراطيون يعرقلون الميزانية ويغلقون الحكومة عمدًا".
تداعيات الإغلاق لا تقتصر على المجال السياسي فقط، إذ تشير تقديرات إلى أن الأثر الاقتصادي سيكون فوريًا وصادمًا، خصوصًا مع قرب صدور تقرير الوظائف الشهري يوم الجمعة، وهو تقرير حيوي قد يتأجل بسبب تعطّل عمل وزارة العمل. كما توقعت وكالة "أسوشيتد برس" أن تنتشر آثار الإغلاق بسرعة في أنحاء البلاد، من خلال تعطيل مدفوعات الإعانات، وتجميد العقود الحكومية، وخلق حالة من الارتباك الإداري.
وفي سياق الإجراءات، أصدر مكتب الإدارة والميزانية في البيت الأبيض توجيهاته للوكالات الفيدرالية ببدء تطبيق خطط طوارئ تشمل إجازات غير مدفوعة، وفصل جماعي للموظفين، ضمن ما وصفه الرئيس ترامب بـ"إعادة هيكلة ضرورية" للجهاز الحكومي، تماشياً مع رؤيته لتقليص حجمه.
ويخشى خبراء اقتصاديون من أن الإغلاق الحالي قد يكون مختلفًا عن سابقيه بسبب غياب المفاوضات والمرونة السياسية، ما يجعل أمد الأزمة غير معلوم. وقالت رايتشل سنايدرمان، المسؤولة السابقة في مكتب الميزانية بالبيت الأبيض: "الإغلاقات الحكومية لا تجلب سوى التكاليف الاقتصادية والمخاوف، وتثير حالة من الارتباك في كل أنحاء البلاد".
ويُعد هذا الإغلاق الثالث خلال عهد ترامب، والأول في ولايته الثانية، في مشهد يعكس مستوى غير مسبوق من الانقسام السياسي حول أولويات الإنفاق، في ظل أجواء مشحونة يغيب فيها منطق التسويات التقليدية.
في الوقت الراهن، لا يبدو أن ثمة مخرجًا واضحًا للأزمة، ولا تظهر أي مؤشرات على بدء مفاوضات جادة بين الطرفين، فيما يُحذّر مراقبون من أن الأزمة قد تمتد لأسابيع، ما قد يؤثر سلبًا على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ويزيد الضغوط على الأسر الأميركية والمؤسسات الحيوية في البلاد.
قد يهمك أيضــــاً:
ترامب يعين المحافظة المتشددة كاري ليك مديرة "فويس أوف أمريكا"
ترامب يدعو الرئيس الصيني لحضور حفل تنصيبه الشهر المقبل