فنون

مراحل توسعة الحرم المكي من عهد الخلفاء الراشدين حتى العصر الحديث

شهد المسجد الحرام في مكة المكرمة توسعات متعددة عبر التاريخ الإسلامي، بداية من عهد الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا، حيث تحول من مسجد صغير يحيط بالكعبة إلى أكبر مسجد في العالم بطاقة استيعابية تتجاوز ثلاثة ملايين مصل في وقت واحد.

التوسعة الأولى في عهد الخلفاء الراشدين
كانت أول توسعة للمسجد الحرام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 17 هـ، عندما ضاق المطاف بالمصلين، فقام بشراء البيوت المحيطة بالكعبة وهدمها لتوسعة صحن المسجد. كما أحاط المسجد بجدار قصير وحدد له حرماً خاصاً.
وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان، تم إدخال الأعمدة الرخامية وبناء أروقة مسقوفة وتعليق المصابيح، مما ساهم في تحسين البنية الأساسية للمسجد.

التوسعات الأموية والعباسية والعثمانية
استمرت أعمال التوسعة والتجديد في العصور اللاحقة، حيث أضاف الخلفاء الأمويون والعباسيون عناصر معمارية مهمة، مثل الأعمدة المستقدمة من الشام ومصر. وفي العهد العثماني، حظي المسجد بعناية كبيرة، وأصبح السلطان يلقب بـ "خادم الحرمين الشريفين"، وتم تطوير مرافق المسجد وزخرفته، إلى أن توقفت التوسعة بعد سقوط الدولة العثمانية واقتصرت على أعمال ترميم بسيطة.

بداية التوسعات السعودية
مع تأسيس الدولة السعودية الحديثة، أمر الملك عبد العزيز عام 1927 بوضع مظلات لحماية المصلين من الشمس، ثم أدخلت الإضاءة الكهربائية في المسجد في العام التالي، كما صنع في عهده باب جديد للكعبة من الفضة الخالصة.

وفي عام 1955، بدأت أول توسعة سعودية كبرى في عهد الملك سعود بن عبد العزيز، وبلغت مساحة المسجد بعد هذه المرحلة نحو 160 ألف متر مربع، مع طاقة استيعابية وصلت إلى 400 ألف مصل، كما تم تغطية أرضية المطاف برخام مقاوم للحرارة، وأضيفت 64 بوابة.

توسعة الملك فهد وتحديث البنية التحتية
في عام 1988، أطلق الملك فهد توسعة جديدة شملت بناء جزء غربي جديد للمسجد، وبلغت المساحة الإجمالية نحو 366 ألف متر مربع. وتم إدخال أنظمة تكييف مركزية، وسلالم كهربائية، وتحسين شبكة المياه والصوت، إلى جانب استخدام الذهب والكريستال في الزخارف الداخلية.
كما شملت هذه التوسعة بناء المسعى بطابقين لزيادة القدرة الاستيعابية، لتصل طاقة الحرم إلى أكثر من 800 ألف مصل في وقت واحد.

وفي عام 2011، أمر الملك عبد الله بتنفيذ أضخم توسعة في تاريخ المسجد الحرام، لتصل المساحة الكلية إلى مليون ونصف متر مربع. واستُكملت هذه التوسعة في عهد الملك سلمان عام 2015.

ولم تقتصر الأعمال على زيادة المساحة فقط، بل شملت تحديثات تكنولوجية غير مسبوقة، شملت تركيب كاميرات مراقبة ذكية، وحساسات لقياس الكثافة البشرية، واستخدام الروبوتات لتوزيع مياه زمزم وتعقيم الساحات، إلى جانب تطبيقات إرشادية متعددة اللغات لزوار المسجد.

وشهد المسجد الحرام أيضًا لحظات إغلاق نادرة عبر التاريخ، من أبرزها حصار الحرم في حادثة جهيمان العتيبي عام 1979، حين تم احتلال المسجد لقرابة أسبوعين قبل أن تُنفذ عملية عسكرية لتحريره.
كما أغلق الحرم مؤقتًا في عام 2020 خلال جائحة كورونا، وتمت إدارته لاحقًا وفق إجراءات احترازية صارمة قبل أن يعود للعمل بكامل طاقته في 2021.

وبحلول عام 2025، أصبح المسجد الحرام قادرًا على استيعاب نحو 3 ملايين مصل في وقت واحد، و107 آلاف طائف في الساعة، ويُعد اليوم نموذجًا عالميًا في الدمج بين القداسة الدينية والتطور التكنولوجي والخدمي، في خدمة ملايين المسلمين من مختلف أنحاء العالم.

   قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

شؤون الحرمين" تخصص أبوابا للمصلين وللمعتمرين خلال شهر رمضان

التوسعة الثالثة للمسجد الحرام تستقبل المصلين خلال العشر الأواخر