تأملات في كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”


هذا الكتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”، هو باكورة إصدارات مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير، لمؤلفه المفكر العربي الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي.
منذ صدور الكتاب في مستهل عام 2017/ حظي باهتمام كبير من المفكرين والإعلاميين وأساتذة الجامعات، وكتب كثير منهم عنه في العديد من الصحف ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية واسعة الانتشار، ولتوثيق هذه المقالات والرؤى النقدية، أصدرت مؤسسة رسالة السلام كتاباً بعنوان “تأملات في كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي”.
وحظي الكتاب باقبال شديد من جمهور المعارض التي شاركت فيها مؤسسة رسالة السلام على مستوى العالم، وما زال الأكثر مبيعاً، فقد صدرت عدت طبعات منه على مدار السنوات الماضية، إضافة إلى ترجمته إلى عدد من اللغات.
إن كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي، إضافة حقيقية في مجال تصويب الخطاب الإسلامي، وهو الوصف الموضوعي الدقيق الذي أطلقه مؤلف الكتاب- الأستاذ علي الشرفاء- لما يعرف بتجديد الخطاب الديني- على اعتبار أن الدين لا يُجدد وإنما الخطاب الديني، وهو ما نحن اليوم بأمسّ الحاجة إليه في ظل ما شهده التفكير الإسلامي من تجمد منذ قرون عديدة بعد خضوع المشايخ والفقهاء لما يعرف بـ”غلق باب الاجتهاد”، وهو ما نجم عنه توقف نهضة المسلمين، وبدأت شمس الإسلام تغرب واختلطت الأوراق بعد طغيان الروايات على الآيات، فما عاد المسلم يميز بين الرأي السليم والسقيم.
أعدت تصفح الطبعة الخامسة من كتاب “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” بقراءة أكثر تأملاً، فتمعنت في صفحات الكتاب الأولى، فشدني المفكر العربي الكبير بعرضه المبسط للموضوع عندما أوضح أنه لا علاقة للإسلام كمنظومة فكرية “دنيوية وأخروية” بكل الخرافات والخزعبلات التي تنسب ظلماً إلى الإسلام، والإسلام بريء تماماً من كل ما يحدث من قتل وتخريب وتشريد وانتهاك للحقوق الإنسانية تحت رايته.
فالإسلام- كما يوضح لنا مؤلف الكتاب الأستاذ علي الشرفاء، دين سلام ومحبة وأمن وأمان للجميع، وأنه إصلاح وتعمير العقل والأرض والإنسان، والعالم في أشد الحاجة إلى ترسيخ هذه المعاني الإسلامية والإنسانية السامية التي يزخر بها كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والإلهي، خاصة بين النشئ في المدارس ومراكز الشباب والأندية والتجمعات الشبابية وغيرها.
ويزداد الأمر خطورة في ظل ما تشهده الأمة العربية والإسلامية من فتن كقطع الليل المظلم، عناوينها دينية ونتائجها المزيد من تفرق الأمة وتشتتها باسم المذهبية والطائفية والقبلية وسواها.
وفي مقدمة الكتاب، نطالع مقولة للأستاذ علي الشرفاء: (إن هذا الكتاب دعوة مخلصة لكل مسلم يحترم عقله ويحمد الله تعالى ويشكره على نعمة العقل والأسماء التي علمها آدم التي أودعها الله سبحانه إياه في عقله ليستكشف بها المعارف ويستنبط بها قوانين الحياة لتعمر الأرض عدلًا وسلامًا ورحمة). وهذه دعوة للاحتكام لكلام الخالق والابتعاد عن مقولات المخلوق، لأن الفارق بين القولين هو النسبة بين الحق الذي يمثله الله سبحانه وبين الباطل الذي يعتري قول المخلوق لا لشيء سوى لأنه بشر يخطئ ويصيب وهذا النداء العقلاني يصرح به كل عقلاء الأمة لكي نتوحد.
وفي مضمون الكتاب بشكل عام، أورد الأستاذ علي الشرفاء الحجة بالحجة والرأي بالدليل منطلقاً من الخطاب الإلهي الذي يؤكد على التعايش السلمي بين البشر رغم اختلاف العقائد والآراء، نعم هي مبادئ ديننا الحنيف الذي لا يُكره أحداً على الإيمان به؛ بل قامت دعوته على الحجة والإقناع والتعامل بالحسنى مع الآخرين. وكل ذلك يشكل نقلة نوعية في التفكير الإصلاحي المبني على أسس الخطاب الإلهي وهو ما نحن بأمسّ الحاجة له، بعد أن فرَّقتنا الخطابات الدينية لمذاهب وطوائف.
إن الدعوة المخلصة التي أطلقها الأستاذ علي الشرفاء لعامة المسلمين وخاصتهم لاقت قبولاً واضحاً من العقلاء والمعتدلين في مختلف أنحاء العالم، وفي الوقت ذاته نجد أنها تصطدم بجدار الجهل الذي بنته الفرق والمذاهب المتخلفة وجعلت منه حائلًا بين الحقيقة والعقل.
وكلما واصلت القراءة سواء في هذا الكتاب أو غيره من مؤلفات الأستاذ علي الشرفاء، ازدادت ثقتي بأنه ينطلق من قاعدة متينة تحظى باحترام الجميع وهي القرآن الكريم في جميع شؤون الحياة، لا سيما تنظيم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان والتي تسبب البعد عنها في نشوب الصراعات ونجم عنها اختلاف الآراء والأفكار التي أنتجتها عقول تنتمي للإسلام في ظاهرها وهي مُغلفة بالجهل والخديعة، تحاول تفريق وحدة الأمة وشق صفها.
ثم انتقل الأستاذ علي الشرفاء إلى موضوع في غاية الأهمية وهو مسألة تأليه أشخاص مخلوقين، وربما يصل الأمر إلى أن بعض الفرق جعلت من رموزها الدينية بديلًا عن الخالق فتبتهل إليها طالبة منها الصفح والغفران والرزق والصحة والمال والبنون وما إلى ذلك، متناسية رب العزة الخالق القادر على كل شيء، وهذه الظاهرة تسببت في إشاعة الفساد وسوء الخلق بين الناس لإقناعهم مثلاً بأن فلاناً يشفع لمرتكب أي ذنب شريطة ان تبجله وتعليه فوق مقام رب العالمين، ولا أحد يستهجن أو يعجب من هذا القول بالله هو حاصل في معظم المذاهب والفرق المحسوبة على الإسلام، وحسناً فعل الأستاذ علي الشرفاء في تسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة .
وخلص الأستاذ علي الشرفاء إلى حقيقة أن الخطاب الديني اعتمد أقوال البشر وبنى عليها أفكاره واستنبط منها أحكامه وركن إليها تماماً وهذا المنهج هو سبب التشرذم. أما الخطاب الإلهي فهو قول الله تعالى في كتابه الكريم، وأضيف أن مقولة “قال فلان” تحتمل الخطأ، بينما “قال الله” فهو الحق، والمرء مُخيَّر في اتباع أحد السبيلين؛ فذاك الباطل وهذا الحق المبين.
وما أريد قوله في نهاية هذه القراءة المتأنية لكتاب (المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي)، أن مؤسسة رسالة السلام تسعى منذ صدور الكتاب أن يصل لمعظم قراء العربية وغيرها من اللغات حول العالم، وأن ينتشر هذا الكتاب وغيره من مؤلفات الأستاذ علي الشرفاء بين الناس في المدارس والجامعات ومراكز الشباب في مختلف أرجاء الوطن العربي، وأن يصدر مختصراً لهذا الكتاب، ليكون منهجاً دراسياً لأي مرحلة من مراحل الدراسة، واستبعاد المناهج الكارثية التي تدرَّس بإشراف المستفيدين من تفرق الأمة وانهيار بنيتها الفكرية.
كاتب المقال : كاتب صحفي وإعلامي وعضو مجلس إدارة مؤسسة رسالة السلام