اخر الاخبار

تقرير إسرائيلي: “نموذج ترامب السوري” قد يتحطم في لبنان ويكشف نواياه تجاه إيران

نشر المحلل السياسي الإسرائيلي تسفي برئيل مقالا بصحيفة “هآرتس” العبرية، خاض في تفاصيله عن استراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط ونموذجه في سوريا على وجه الخصوص.

ويقول المحلل السياسي في مقدمة مقاله: “كان خطابا ناريا، صاغ فيه دونالد ترامب بوضوح وحزم الأيديولوجيا التي ستوجه استخدام القوة العسكرية من طرف الجيش الأمريكي، والاستراتيجيا المترتبة عليها”.

ويضيف تسفي برئيل: “قال ترامب خلال حفل تخرُج دورة ضباط في أكاديمية “ويست بوينت”: على مدى عدة عقود، أرسل جنودنا في حملات صليبية إلى دول لم ترغب أصلا في إقامة علاقة معنا من طرف قادة لم يكن لديهم أدنى فكرة عن تلك الدول البعيدة، واستغلوا جنودنا لإجراء تجارب أيديولوجية هناك.. وفي الداخل أخضعوا قواتنا المسلحة لمشاريع اجتماعية وأجندات سياسية وتركوا حدودنا من دون حماية، واستنزفوا ترسانتنا من أجل خوض حروب لمصلحة دول أخرى.. لقد قاتلنا من أجل حدود ثلاث دول أخرى لكننا لم نقاتل من أجل حدودنا نحن”.

ويوضح برئيل أن “هذه الرؤية ليست جديدة أو ثورية يقدمها ترامب لأول مرة، لقد تبناها في ولايته الأولى عندما أعلن في سنة 2019 عن نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا (لا يوجد هناك شيء، فقط رمال)، وعندما وقع اتفاقا مع حركة طالبان بشأن سحب جزء من القوات من أفغانستان، ومؤخرا تم تطبيق هذه الأيديولوجيا مجددا عندما أعلن ترامب وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين، وبذلك حسم أن الحرب في البحر الأحمر لم تعد شأنا أمريكيا”.

ويتابع المحلل الإسرائيلي قائلا: “إذا كانت إسرائيل أو أي دولة أُخرى، تريد أو تُضطر إلى مواصلة القتال، فلتفعل ذلك بنفسها”.

ويشير الكاتب إلى أنه وبعد وقت قصير، قدم ترامب مثالا آخر لهذه الرؤية السياسية، حين قرر الاجتماع بالرئيس السوري أحمد الشرع ومصافحته ورفع العقوبات المفروضة على دمشق في معظمها، على الرغم من أن التنظيم الذي يترأسه الشرع “هيئة تحرير الشام” لا يزال مصنفا كـ”تنظيم إرهابي” في الولايات المتحدة.

ويبين برئيل أن “النموذج السوري قد يكون مؤشرا إلى ما يمكن توقُعه في المستقبل، ففي شهر مارس قدمت الإدارة الأمريكية لأحمد الشرع سلسلة من الشروط التي يجب عليه تنفيذها مقابل رفع العقوبات، ومن بين هذه المطالب: مكافحة الإرهاب، وطرد المقاتلين الأجانب، وتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية، وتحمُل مسؤولية إدارة معسكرات احتجاز عناصر تنظيم “داعش” وعائلاتهم، والانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام” ولم تتضمن الشروط إقامة نظام ديمقراطي، أو احترام حقوق الإنسان والمواطن، أو تحقيق المساواة في مكانة المرأة، وسائر البنود التي يصفها ترامب بأنها “تجارب اجتماعية”.

ويذكر المحلل السياسي أن “الشرع تعهّد بتنفيذ جميع الشروط بما في ذلك الانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام” عندما تنضج الظروف، ومع ذلك لم ينفّذ أيا منها حتى الآن.

وعلى الرغم من ذلك وبخلاف موقف إسرائيل، رفعت الأسبوع الماضي العقوبات في معظمها، وبات في مقدور البنك المركزي السوري الانضمام إلى نظام التحويلات المالية الدولي (SWIFT)، ويمكن للشركات الأجنبية أن تبدأ بالاستثمار في سوريا من دون خوف من عقوبات أمربكية، أو أوروبية، بعد أن قرر الاتحاد الأوروبي أيضا رفع العقوبات.

ووفق الكاتب: “ما يميز النموذج السوري الذي ابتكره ترامب لدى رفعه العقوبات استنادا إلى تعهُد مستقبلي من أحمد الشرع، يكمن في نقل المسؤولية عن سلوكه الملائم كرئيس لسوريا إلى رعاية السعودية وقطر وتركيا”.

“وبهذا الشكل، حرر ترامب نفسه نظريا من الانشغال بدولة بعيدة أخرى لا تهدد حدود الولايات المتحدة نظريا فقط لأن سوريا لا تزال دولة في “موضع شبهة” وبؤرة احتكاك خطرة مع إسرائيل، وبصفتها كذلك، قد يتطور فيها صراع عنيف يعيد الولايات المتحدة إلى الساحة مجددا”، وفق برئيل.

تسوية مماثلة في لبنان
ويسعى ترامب لتحقيق تسوية مماثلة أيضا في لبنان، وفعليا نشأ في لبنان نظام جديد بقيادة الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وهي دولة تحتاج بدورها، إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، والخروج من أزمتها الاقتصادية العميقة.

وعلى غرار القيادة السورية، فرضت الحكومة اللبنانية مبدأ سيادة الدولة على جميع القوى المسلحة، كأحد المبادئ الأساسية، ووفقا لهذا المبدأ الذي تم تثبيته أيضاً في اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، يلتزم لبنان بنزع سلاح جميع الميليشيات المسلحة بما في ذلك حزب الله والتنظيمات الفلسطينية.

ويقول برئيل إن “الحكومة اللبنانية التي أنجزت يوم السبت الجولة الرابعة والأخيرة من الانتخابات البلدية بعد تأخير دام نحو ثلاثة أعوام، سجلت إنجازا سياسيا وإداريا، لكنها تواجه معضلة شبيهة بتلك التي يواجهها نظام أحمد الشرع.

ويردف المحلل السياسي بالقول: “كيف يمكن نزع السلاح غير الشرعي من دون إشعال صراع عنيف قد يتدهور إلى حرب أهلية؟.. بخصوص نزع السلاح الفلسطيني من داخل المخيمات وخارجها تم التوصل إلى تفاهم مبدئي بعد لقاء جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في لبنان وكلا من الرئيس جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس البرلمان نبيه بري الذي يدير ما يُعرف في لبنان بـ”الثنائي الشيعي” المكون من حركة أمل وحزب الله، توصل إلى تفاهمات معهما بشأن نزع السلاح الفلسطيني، لكن اللغم الحقيقي يكمن في مسألة نزع سلاح حزب الله، فالولايات المتحدة تمارس ضغوطا شديدة على عون للبدء بنزع السلاح من شمال نهر الليطاني فورا وليس فقط من جنوبه، إلا إن عون يخاف من أن يؤدي أي تحرك عدواني ومباشر إلى نتائج عكسية تصب في مصلحة الحزب، وتحول لبنان إلى ساحة اقتتال داخلي”.

ويقول المحلل إن “عون يفضل اتباع نهج الحوار للوصول إلى تفاهمات في حين ترى الولايات المتحدة أن عون لا يستطيع ضمان نجاح هذا الحوار في إنهاء ملف حزب الله كتنظيم مسلّح.. هنا أيضا تكمن بعض الفروق الجوهرية بين الوضع في سوريا والوضع في لبنان والتي تجعل لبنان في موقع أدنى نسبيا من سوريا، وأهمها أن لبنان لا يملك حلقة من الدول الراعية المستعدة لضمان تنفيذ شروط الولايات المتحدة، فالسعودية والإمارات تعهدتا بالمساهمة في إعادة إعمار لبنان، وقطر ستضاعف هذا العام حجم مساعداتها السنوية للجيش اللبناني، من 60 مليون دولار إلى 120 مليون دولار، لكن بعكس سوريا التي منح زعيمها شرعية كاملة منذ البداية لم تعرض أي دولة عربية على ترامب أن تضمن التزام الحكومة اللبنانية بشأن تعاملها مع حزب الله أو أن تكفل تنفيذها الإصلاحات الاقتصادية العميقة التي تعتبر شرطاً أساسياً لأي مساعدات لكي يتمكن ترامب من التحرر من عبء الانخراط في الشأن اللبناني مثلما بدأ بالتخفيف من الانخراط في سوريا بما يضمن عدم اندلاع صراع مسلح جديد يهدد إسرائيل وقد يجر الولايات المتحدة إلى الداخل، حيث سيكون عليه أن يقرر ما إذا كان سينفذ “النموذج السوري” في لبنان، ويمنح حكومته الاعتماد نفسه الذي منحه لأحمد الشرع أي أن يتيح للحكومة إدارة الحوار مع حزب الله بالوتيرة والشكل اللذين تختارهما، أو أن تفعل كامل قوّة الضغط، وتخاطر بفقدان السيطرة”.

وأشار الكاتب إلى أن هناك خيارا ثالثا أيضا وهو “أن يدير ترامب ظهره للبنان ويتركه للتعامل مع إسرائيل، كجبهة محلية لا تمس الولايات المتحدة بشكل مباشر”.

ويبين المحلل أن السياسة التي اعتمدها ترامب في الشأن السوري والطريقة التي سيتعامل بها مع لبنان، ربما تشكلان أيضا مؤشرا إلى الاستراتيجيا المتوقعة تجاه إيران.

وفي ختام المقال، طرح المحلل سؤالا حيث قال: “هل سيدرج ترامب الحرب ضد إيران ضمن قائمة الحروب المبررة التي تستحق أن تخاض دفاعا عن الولايات المتحدة؟ أم أنها ستكون مجرد حرب تخص دولا أخرى لا تهم الأمريكيين، حتى لو قررت إسرائيل خوضها؟.. حتى الآن شدّد الرئيس على أن خطه الأحمر يمر عبر قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي، وعبّر عن استعداده لفتح أبواب الجحيم لكنه لم يلتزم بخوض حرب، نيابة عن إسرائيل”.