اخر الاخبار

حين يتكلم الله تسكت الأهواء .. الحج شريعة لا تحتمل بدعة ولا تحتضن هوى

  • بين الطواف والتقوى يكمن السرّ الذي يغفل عنه الناس .. لا تشريع إلا من الله ولا حج إلا كما أنزله الله

في حضرة التنزيل تتفتح آيات القرآن على العقول والقلوب .. ثم .. ثم يلوح نور الهداية الربانية يضئ الدروب ويرشد سبيل التائهين .. لقد أنزل الله كتاباً كريماً لا يشوبه نقص ولا يعتريه غموض .. بل هو ” تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ” كما يقول العزيز الحكيم  .. فيه منهج كامل متكامل ارتضاه الله لـ عباده .. يربّي النفوس ويقيم العدل .. ويهدي للتي هي أقوم .. ليبقي ” القرآن ” مصدر التشريع الرباني .. لا يعلوه مصدر ولا يرتقي فوقه كتاب .

.. و من فضل الله على البشر أن جعل لهم سبيلًا بيناً في حياتهم .. فأرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب .. لـ يقيم بها القسط و يضع ميزان الهداية والعدل والسلام .. إذ يقول رب السماء والطارق : ” مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ” .. وأحسب أن ذلك إعلان رباني قاطع بأن شؤون الدين كلها موكولة إلى هذا الكتاب العظيم الرحيم .. فلا تفريط في بيان الشعائر ولا نقص في التشريعات .. و .. و لا سكوت عن الحقوق والواجبات .

وعندما كتب المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي مقاله الذي يحمل عنوان : ” الحج في القرآن الكريم .. دعوة إلي التدبر والاتباع ” .. إنما يريد الخير للناس .. يريد الفهم والوعي والتدبر وفق ما جاء في كتاب الله لا في كتب البشر  .. أراد ان يكشف للناس أن حكمة الله عز وجل تتجلي في قصر مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم على ” البلاغ والتبيين ” .. لا على ” التشريع والتقنين ” .. إذ يقول سبحانه وتعالي : ” وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ” .. فكان دور النبي صلي الله عليه وسلم : بياناً لا اختراعاً .. تعليماً لا ابتداعاً .

من هنا فإن كل ما يخالف القرآن أو أُضيف إلى الدين بغير سلطان من الله .. يُعد بدعة باطلة .. وظلًا مضلاً لا يمت إلى رسالة الإسلام بصلة .

ويستدل علي الشرفاء بما قاله الله سبحانه مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام: ” وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ” صدق الله العظيم .. فمناسك الحج وأحكامها في الذكر الحكيم هي أحكامٌ إلهية .. وحِكمٌ ربانية أنزلها الله نورًا للناس في آياته لا يُبدّلها مخلوق .. ولا تُطمسها تقاليد بالية .. ولا تُعطّلها روايات شيطانية باطلة .. إذ جاءت لتُخرج الناس من الظلمات إلى النور .. وتحررهم من أسر النفس الأمارة بالسوء ورفيقها الشيطان .

ويقول الشرفاء الحمادي إن كلمات الله ستظل مشعة بالنور .. حتى يأذن الله بغروب الشمس الأبدي يوم القيامة .. فالأرواح البشرية تاخبار السعودية في موسم الحج لتستمد من الله نور السماوات والأرض .. الطاقة النورانية .. وتُجدد عهدها بالتمسك بكتابه .. وتطبيق تشريعاته .. وطاعة نواهيه .. والسير على منهاجه الإلهي في سلوك نبوي يُجسّد صفات المؤمنين .. كما وردت في الذكر الحكيم : عبادةً وعملاً ومعاملةً .. تقوم على الرحمة والحُسنى والعدل والإحسان .

وفي رحاب الطواف والدعاء والسعي بين الصفا والمروة .. ترتفع أصوات الحجاج إلى عنان السماء .. مرددين بالتوحيد : ” لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك ” .. مجددين عهدهم مع الله أن لا يُشركوا به أحدًا .. راجين رحمته ومغفرته رغم عيوبهم .. مؤكدين التزامهم بعهده .. متمسكين بتشريعاته .. ممتثلين لأحكامه في كل عبادة .. معترفين بأن لا تشريع في الإسلام إلا ما أنزله الله .. مُلتزمين بتحذير الله للذين لم يحكموا بما أنزل .. كما في قوله تعالى : ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” .. صدق الله العظيم .

ويُبيّن الشرفاء الحمادي أن كل حاج يطوف ويسعى ويذكر الله ويسبّح بحمده .. إنما يُعيد وصل روحه بالخالق لأن ذكر الله هو الحصن المنيع .. وهو التنبيه الرباني الاستباقي الذي يُنقذ النفس من الوقوع في المعصية .. فإذا سوّلت له نفسه الأمّارة بالسوء ارتكاب الذنب .. جاءه جرس الإنذار الإلهي من قلبه : اذكر الله فيرتدع ويتراجع .. فذلك من رحمة الله بعباده .. التي تستوجب الشكر المستمر ودوام الذكر في كل موضع نهى عنه القرآن .

لذا يوضح الحمادي لـ أمة العرب والإسلام إن الحج في القرآن عبادة تعانق السماء وتطهر القلب  .. ومناسك تلك العبادة لم تترك أبداً  لـ أهواء البشر .. ولا لـ تقاليد المتأخرين .. بل فصّلها الله في كتابه الكريم تفصيلاً وأحكم آياتها .. ثم .. ثم ربطها بالتقوى والطهارة والإخلاص .. فحين أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يرفع قواعد البيت قال له في محكم تنزيله : ” أن لا تشرك بي شيئًا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ” .. صدق الله العظيم .. وذاك إعلان بائن للتوحيد قبل الطواف .. وتقديس للبيت قبل الشعيرة .. فالطهارة أول الطريق .. والتسليم لـ خالق الملكوت في السموات والأرض هو ” ذروة الغاية ” .

وهنا بدا الحمادي وهو يبعث رسالة صدق للناس .. رسالة تؤكد علي أن دعوة الإسلام في الإيات القرآنية .. سيظل صداها يتردد في العالمين .. مستدلاً بقوله عز وجل : ” وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ” .. صدق الله العظيم .. فالحج ليس مجرد طواف وسعي .. بل هو شهود منافع وذكر لله .. هو ارتقاء روح وتهذيب نفس .. هو فريضةٌ تتجاوز المكان والزمان كي تبلغ أعماق الإنسان .

ويسوق علي الشرفاء آيات بينات من سورة ” آل عمران ” .. يوعّي فيها الناس بأن الحج من بكة إلى عرفة هو شعائر تتصل بـ السماء ومشروطة بالقدرة والاستطاعة .. كما يصف الله بيته الحرام بأنه أول بيت وُضع للناس مباركاً وهدى للعالمين .. فيه آيات بينات مقام إبراهيم .. مستشهداً بما يقوله الله تعالي في كتابه العزيز : ” ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ” .. إنها دعوة مقدسة لكن مشروطة بالاستطاعة .. تتسم بـ الرحمة لا بـ العنت .. وبـ اليسر لا بـ المشقة .

وفي سورة البقرة .. يُفصّل الخالق الجليل أحكام السعي بين الصفا والمروة .. ويؤكد أن ذلك من شعائره .. ثم يضع منظومة متكاملة لأداء النسك .. فيقول عز وجل : ” وأتموا الحج والعمرة لله ” .. ويشرح ما يتفرع عن ذلك من أحكام الطواف .. والحلق .. والهدي .. والصيام .. والفدية .. في لوحة ربانية منضبطة .. لا تدع مجالاً للخلط أو الزيادة.

ويؤكد الشرفاء الحمادي خلال سطور مقاله علي أن شعائر الحج تقوى وامتثال لا طقوس شكلية .. وهنا تتوالى الآيات لتؤكد ذات المعني .. فالعبرة ليست في الدماء المسفوكة ولا اللحوم المذبوحة .. بل في النية والتقوى .. إذ يقول الله سبحانه وتعالي : ” لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ” .. صدق الله العظيم .. فالعبرة بالقلب لا بـ المظهر وبـ الإخلاص لا بـ الشكليات .. ولذلك كانت كل شعيرة من شعائر الحج عنواناً على الخضوع والتسليم .. والطهر القلبي .

كما يتحدث علي الشرفاء عن أشهر الحج وأيامه وأنها محطات روحية للتزود بالتقوى .. مستدلاً بما جاء  في سورة البقرة والتي نقرأ فيها أعظم وصايا الحج في قوله تعالي : ” فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ” .. صدق الله العظيم .. آيات بينات فيها تأديب إلهي للنفس قبل الجسد .. وتهذيب للقول والسلوك .. فالحج ليس سفراً إلى مكان .. بل هجرة إلى الله .. وميدان لـ مجاهدة النفس .. وزادها الأسمى ” فإن خير الزاد التقوي ” .

وحين تنقضي المناسك .. يأمر الله بذكره لا بذكر الدنيا .. ويصف أهل العقل الحقيقي بأنهم لا يطلبون الدنيا فقط .. بل يقولون كما يقول المولي عز وجل : ” رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ” .. صدق الله العظيم .. فالحج يُعيد صياغة البوصلة .. كي تكون وجهتها الآخرة لا العاجلة .

لذا كانت سطور علي الشرفاء الحمادي دعوة للتدبر لا للتقليد .. فمن يتأمل هذه الآيات يدرك أن الحج ليس مجرد طواف وسعي ورجم .. بل هو عبودية كاملة وإخلاص مطلق .. تجرد من الشرك والجاهلية .. واتصال مباشر بين العبد وربه دون وسيط أو محدثات .. ولذلك كانت العودة إلى القرآن في فهم شعيرة الحج ضرورة لا ترفاً .. وفريضة لا اجتهاد .. لأنه الكتاب الذي : ” لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ” كما قال العزيز في كتابه الكريم .

فالذي يُريد أن يحج كما أراد الله لا كما أراد الناس .. فليقرأ كتاب الله .. وليُعرض عن الأهواء والروايات المتراكمة .. فريضة الحج كما وصفها الله لـ عبادة تُحيي القلب وتُزكي النفس .. ثم .. ثم تُعيد الإنسان إلى فطرته الأولى : ” حُنَفَآءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِين بِهِ ” .. صدق الله العظيم .. اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .