رسالة منسية في كتاب مفتوح .. القرآن نداء الله إلي الناس : منارة الرحمة وسفينة النجاة

حين يشتد الظلام وتضطرب البصائر .. ثم .. ثم تتعالي الأصوات بـ اسم الدين كي تشرعن القتل وتزرع الكراهية .. عندئذٍ تتناسل الفتن من رحم الجهل وترفع رايات التطرف بـ اسم الإسلام .. وهنا لابد وأن يعلو صوت الحق وينبثق من بين الركام نورٌ نقي يصرخ في وجه هذا الجهل : عودوا لـ كتاب الله ” القرآن الكريم ” .
فليس فيه إلا خلاص الإنسان من براثن التعصب .. وهدايةٌ تنتشل المجتمعات من ضياعها .. ومنظومة ربانية تُحيي في القلوب جوهر الرحمة والعدل والتكافل والسلام .. هو ليس كتاب طائفة ولا دستور مذهب .. بل رسالة مفتوحة من الرحمن إلي كل من يحمل قلباً نابضاً وضميراً حياً .. رسالة تدعو الناس إلى أن يكونوا إخوة متحابين ومتعاونين .. لا يُظلم فيهم ضعيف ولا يُقصى فيهم مخالف ولا تُهدر فيه كرامة .. هذا الكتاب لا يميز بين نبي ونبي ولا يرفع أمة فوق أمة .. بل يضع الإنسانية على صراط واحد يُلزمها بالعقل والإحسان لا بالشعارات ولا بالادعاء .. إنه نداء الله للبشر جميعاً .. فـ هل آن للقلوب أن تصحو ؟ .. وهل آن للعقول أن تُبصر ؟
وهنا تبرز كتابات ومؤلفات المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي .. ويبرز مشروعه الفكري والتنويري ” رسالة السلام ” الداعي فيه الي النور والعودة الي ” القرآن الكريم ” .. كتاب واحد ورسالة واحدة من رب واحد .. ففي هذا الكتاب خريطة نجاة .. وهداية منظومة كونية تهدي السائرين في دروب الحياة .. وتمنحهم سبيلاً للرحمة والعدل .. وتحصنهم من الشقاء والضنك .. وتخرجهم من ظلمات الطائفية والتنازع إلى نور الأخوة والسكينة والتكافل والطمأنينة .
إذ يؤكد الشرفاء الحمادي علي أن ما بين سطور القرآن نداء رباني واضح وصريح .. بـ أن يعيش الناس جميعاً إخوة يتحابون ويتعاونون ويبنون مجتمعات تقوم على المحبة والكرامة الإنسانية .. لا ظلم فيها ولا طغيان .. مجتمعات يُحترم فيها حق الإنسان في حرية المعتقد .. ويُكرم فيها الفقير ويُطعم الجائع ويُؤمن فيها الخائف .. فلا تبقى يدٌ ممدودة ولا روحٌ مسحوقة ولا كرامة مهدورة .
لقد وضع الله في كتابه نظاماً إنسانياً متكاملاً .. يُحقق الاكتفاء الذاتي للمجتمعات ويمنع الفقر ويحصن الأمم من التبعية والانقسام .. نظامٌ يدعو الجميع إلى المشاركة في البناء والتطوير .. لـ حماية الأوطان وصيانة الثروات والحكم بـ العدل والشورى وصياغة مستقبل مشترك لا بـ الانغلاق على الذات بل بـ الانفتاح على كل البشر .
وهنا يتساءل علي الشرفاء في الناس مستغرباً : هل سمعتم عن رسالة أرحب من تلك ؟ .. هل عرفتم كتاباً يُنادي البشر كلهم دون استثناء بهذه المساواة المطلقة .. وهذا التكليف الجليل بـ أن يتعاقدوا مع الله لا بـ اللسان فقط بل بـ الفعل والإحسان ؟ .. مؤكداً علي إن القرآن أعلنها صراحة : لا امتياز لـ قوم على قوم .. ولا تفوق لـ شعب على شعب .. و لا قداسة لـ عرق ولا تفضيل لـ طائفة .. فالناس عند الله سواء .. لا يرتقي أحدهم إلا بـ التقوى لا بـ النسب ولا بـ الحسب .
ولم يقبل الله ممن يدخل الإسلام أن ينتقص من قدر نبي أو يُنكر رسالة .. بل فرض الإيمان بجميع الرسل والكتب التي سبقت سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم .. لـ يُؤكد وحدة الرسالة ووحدة المصدر ووحدة الغاية ووحدة المصير .. إذ يقول الله تعالى : ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ۖ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِه ” .. صدق الله العظيم .. هذه الآية الكريمة ليست مجرد تلاوة تُرتل بل دستور عقائدي وإنساني عظيم .. يُسقط كل دعاوى التعصب ويهدم جدران الكراهية .. و .. ويمحو أسوار الجهل .
إننا في هذا السياق وفق رؤية المفكر العربي الكبير علي الشرفاء .. لابد وأن نُوجه رسالة محبة ممهورة بـ الخلاص إلى إخوتنا المسيحيين الذين فرقنا عنهم الجهل وقرّبنا منهم الإيمان .. إخوتنا في الخلق وفي المصير وفي كتاب الله .. نُعيد لهم ما طمسه المتعصبون .. وما غيّبه المجرمون من تكريم القرآن لـ سيدنا عيسى عليه السلام ووالدته السيدة مريم الصديقة الطاهرة .. التي اصطفاها الله على نساء العالمين .
ويطرح علي الشرفاء في مشروعه الفكري تساؤلات الحق والنور : أليس هو القرآن الذي كرّم المسيح وبارك اسمه ورفع مقامه وجعل معجزته حديث الخلود ؟ .. أليس هو الكتاب الذي احتفى بـ مريم وأفرد لها سورة باسمها لم يُفردها لـ أي امرأة في تاريخ الوحي ؟ .. إن هذه الحقائق التي يخجل منها الحاقدون .. ويخاف منها صناع الفتن .. تحتاج اليوم أن نُطلقها من قيد التجاهل .. ونكشف عنها غبار التزييف .. ونُقدمها لكل إنسان بعين العدل .. وبقلب السلام .. وبعقل لا يخاف الحقيقة .
فـ القرآن الكريم ليس لـ فرقة ولا مذهب ولا طائفة ولا قوم .. بل للبشرية جمعاء .. إنها رسالة مفتوحة من رب العالمين إلى كل من يحمل قلباً وضميراً وفكراً
إن أعظم خيانة لتلك الرسالة هي أن نحولها من منارة إنسانية إلى سلاح تفريق .. من دعوة للسلام إلى أداة خصام .. من مائدة هدى إلى طاولة صراع .. لقد آن الأوان أن تُقال كلمة الحق جهاراً .. وتُرفع راية الإخاء عالياً وأن نُحيي في قلوب الناس جوهر الرسالة الإلهية الخالدة .. التي أرادها الله كتاباً جامعاً وهداية شاملة ورحمة للعالمين.
دعوة الحمادي ليست دعوة جديدة بل نداء قديم يتجدد .. نداء إلي الحق والرحمة والعدل .. نداء بـ العودة إلى كتابٍ أنزله الله ليكون هداية للعالمين لا سلاحاً للفرقة ولا ذريعة للخصام .. في آياته ميثاق إنساني خالد يعلو فوق العصبيات .. ويهدم أسوار الجهل والتعصب .. من تمسك به نجا ومن أعرض عنه تاه في متاهات الطغيان .. فالقرآن ليس ملكاً لأحد بل أمانة في أعناق الجميع .. فهل نُحيي الرسالة ؟ .، هل نُنقذ ما تبقى من إنسانيتنا ؟ .. وهل نملك الشجاعة لـ نعود إلى النبع الصافي قبل أن يبتلعنا الظمأ ؟ .. اللهم إني قد بلغت .. اللهم فاشهد .