اخر الاخبار

لماذا تبدأ نهائيات «ويمبلدون» هذا العام بعد ساعتين من المعتاد؟

كيف فازت إيغا شفيونتيك بلقب ويمبلدون وأصبحت أعظم لاعبة منذ سيرينا ويليامز؟

بالطبع فازت إيغا شفيونتيك ببطولة ويمبلدون، أهم ألقاب التنس، لتثبت مكانتها كأعظم لاعبة في جيلها. وبالطبع فعلت ذلك بطريقتها الخاصة، ساحقةً أماندا أنيسيموفا المتوترة والعاجزة بنتيجة 6-0، 6-0 في «دبل بايغل» أصبح بصمتها الخاصة خلال أكثر سنوات مسيرتها هيمنة حتى الآن وفقا لشبكة THE Athletic.

كانت الهيمنة واضحة منذ النقطة الأولى بعد ظهر السبت على الملعب الرئيسي، حيث قلبت شفيونتيك الموازين في عالم التنس وأطفأت حلم أنيسيموفا بالوصول إلى أول نهائي لها في البطولات الكبرى. أنهت 57 دقيقة من التنس شبه المثالي – نظيف، صلب، إكلينيكي كما ينبغي -بضربة خلفية بمحاذاة الخط. وكانت وجهتها واضحة بمجرد أن غادرت مضربها.

أنيسيموفا، التي قضت ما يقارب الساعة في زوال أسبوعين كانا رائعين بالنسبة لها، أدارت رأسها لتشاهد الكرة تمر بجانبها. وبحلول الوقت الذي أعادت فيه النظر إلى الشبكة، كانت شفيونتيك مستلقية على ظهرها على العشب، والإحباط والتوتر اللذان عاشتهما طيلة 14 شهراً يتبخران تحت شمس قمة اللعبة.

https://x.com/Wimbledon/status/1944073358569558219

قالت بعد أن استوعبت كل ما حدث: «إنه شعور كبير، خاصة بعد موسم مليء بالصعود والهبوط وتوقعات كبيرة من الخارج. لم أتخيل حقاً أنني سأفوز ببطولة ويمبلدون. إنه شيء يفوق الواقع. أشعر أن التنس ما زال يفاجئني، وما زلت أفاجئ نفسي».

عانقت أنيسيموفا عند الشبكة في لحظة عزاء، ثم بدأت تقفز على العشب بذراعيها مرفوعتين، شيء لم تفعله منذ 14 شهراً. بعدها رفعت طبق فينوس روزووتر عالياً، مستمتعة بهتافات 15 ألف متفرج في الملعب الرئيسي.

كانت أنيسيموفا تراقب كل ذلك من أمتار قليلة، في تناقض صارخ بين العذاب والنشوة اللذين تحملهما هذه الرياضة القاسية. فقدت والدها بنوبة قلبية مفاجئة قبل ستة أعوام فقط، عندما كانت في السابعة عشرة وهو في الثانية والخمسين. قبل عامين تركت اللعبة في استراحة استمرت ثمانية أشهر، بعدما أصبحت حياة التنس لا تُطاق.

وخلال الـ18 شهراً الماضية، تسلقت كل الطريق من جديد، حتى وصلت إلى نهائي ويمبلدون. ربما تعرف هي أكثر من أي شخص آخر أن الشمس تغرب لكنها تشرق من جديد، درس أعادته شفيونتيك إلى الواجهة في الأشهر القليلة الماضية أيضاً. كل بطلة تعيش وفق هذه القاعدة. في التنس، ما يهم هو ما تفعله لاحقاً: الكرة التالية، النقطة التالية، اللعبة التالية، المجموعة والمباراة التالية.

إيغا شفيونتيك تتسلّم جائزة ويمبلدون من الأميرة كيت زوجة الأمير ويليام في تتويج ملكي للبطلة العظيمة (ويمبلدون)

قبل 13 شهراً في باريس، بدت شفيونتيك قوة لا تُوقف في اللعبة، بخمسة ألقاب كبرى في سن 23، وقد حققت أطول سلسلة انتصارات في هذا القرن بـ37 مباراة عام 2022. لكن بحلول سبتمبر (أيلول)، كانت سراً تقاتل من أجل مسيرتها وسمعتها بعد اختبار منشطات إيجابي، نتيجة تناول جرعة ملوثة من الميلاتونين كعلاج للنوم. واعترفت سلطات مكافحة المنشطات بعدم وجود نية متعمدة.

قضت عقوبة إيقاف لمدة شهر، لكنها قضت وقتاً أطول بكثير تقاوم التوتر والصدمة اللذين سببهما ذلك الاختبار. غابت عن بطولات وفقدت صدارة التصنيف العالمي لصالح أرينا سابالينكا، قبل أن تذهب إلى أستراليا وتكاد تصل إلى النهائي.

وصلت إلى نصف النهائي ثلاث مرات ومثلها إلى ربع النهائي في بطولاتها الست التالية، وخسرت أمام البطلة في أربع مناسبات. لكن الهزائم رغم أنها جاءت في نتائج جيدة بدأت تبدو متشابهة جداً وصعبة جداً. التنس الذي كانت تحاول ترسيخه مع مدربها الجديد ويم فيسيت، وهو تنس هجومي مضبوط وصبور وإيجابي، كان يخذلها في اللحظات الحاسمة.

في اليوم الأول من مايو (أيار)، جلست على مقعدها خلال استراحة تغيير الملاعب في نصف نهائي مدريد، والدموع تنهمر على خديها بينما كوكو غوف تجتاحها بنتيجة 6-1، 6-1. بعد أسبوع، عانت خسارة أخرى ساحقة على يد دانييل كولينز. ثم أنهت سابالينكا سيطرتها في باريس، وقدمت لها «بايغل» 6-0 في المجموعة الثالثة من نصف نهائي رولان غاروس.

إيغا شفيونتيك برفقة جائزة ويمبلدون (إ.ب.أ)

بحلول ذلك الوقت، تحولت الهمسات التي كانت تدور إلى همهمة مسموعة، ثم إلى حديث علني: ربما كانت شفيونتيك واحدة من تلك النجوم الشاهقة في التنس، التي تتألق سريعاً ثم تختفي، تاركة الجميع يتساءل لعقود عما حدث؟

لكن المشكلة أنها لم تكن أبداً من هذا النوع، حتى قبل الـ13 شهراً الماضية، ولا أثناءها. قبل لعب النهائي ضد أنيسيموفا، كانت شفيونتيك في المركز الثاني في التصنيف المباشر لـ«واتا» لعام 2025، وهو عام اعتُبر بأسوأ تقدير أسوأ أعوامها الثلاثة الأخيرة. كان سقفها يبحث عن سماء جديدة.

وفي ظهر يوم السبت، في أقل من ساعة، وجدت شفيونتيك تلك السماء، في مباراة بدت وكأنها انتهت بمجرد أن بدأت. دخلت الملعب وهي لم تخسر أبداً نهائياً في البطولات الكبرى من قبل في خمس محاولات. أما أنيسيموفا فكانت تخوض أول نهائي لها على الإطلاق.

بعد دقيقة واحدة فقط، كانت الأميركية متأخرة 0-40. وبعد نقطتين، قفزت شفيونتيك على إرسال ثانٍ لتحقق أول كسر للإرسال من بين ستة متتالية و12 شوطاً متتالياً. كانت تشكل ضرباتها الأمامية المليئة بالدوران العالي فوق الشبكة كما لا تستطيع إلا القلة على العشب. وكانت تكسر الخطوط الجانبية بضربات خلفية متقاطعة، وتجعل أنيسيموفا تركض خارج الملعب في محاولات يائسة لاسترجاع الكرات، بينما كانت تبعث برسالة واضحة: أفضل ضربات أنيسيموفا لا تهم أمام مهمتها في ذلك اليوم.

شفيونتيك أصبحت أول لاعبة منذ سيرينا ويليامز تفوز بألقاب كبرى على جميع الأراضي قبل سن الـ25 (أ.ف.ب)

هشة ومتعبة منذ البداية، لم تتمكن أنيسيموفا أبداً من الدخول في إيقاع. ولم تمنحها شفيونتيك أي فرصة للقيام بذلك.

قالت أنيسيموفا بعد أن تلقت بعض كلمات المواساة من صاحبة السمو الملكي الأميرة كاثرين: «ليس هكذا كنت أود أن يكون أول نهائي لي في البطولات الكبرى. أعتقد أنني كنت مصدومة بعض الشيء بعد ذلك».

كان أول نهائي كبير لشفيونتيك قبل نحو خمس سنوات، أمام قلة قليلة من الجماهير في يوم بارد من أكتوبر (تشرين الأول) في باريس. كانت في التاسعة عشرة عندما فازت ببطولة فرنسا المفتوحة عام 2020، التي أعيدت جدولتها بسبب جائحة كوفيد-19. وهي تنزلق على الملعب وتضرب ضربات أمامية مذهلة، أعلنت عن نفسها قوة صاعدة ومع مرور الوقت، كلاعبة تستطيع التأقلم مع أي ظروف. تبعتها بثلاثة ألقاب أخرى في باريس حتى الآن، بالإضافة إلى لقب «أميركا المفتوحة» 2022.

والفوز يوم السبت يثبت مكانتها كأفضل لاعبة في اللعبة منذ أن اندفعت سيرينا ويليامز إلى 23 لقباً كبيراً. مثل شفيونتيك، فازت آش بارتي، المصنفة الأولى عالمياً سابقاً، بألقاب كبرى على جميع الأراضي الثلاث. لكن بارتي اعتزلت في سن الـ25 عام 2022، وفي جعبتها ثلاثة ألقاب كبرى. أما شفيونتيك فقد ضاعفت ذلك المجموع وهي في الرابعة والعشرين. وهي أصغر لاعبة منذ ويليامز تفوز بألقاب كبرى على جميع الأراضي، والأسرع منذ ويليامز التي تصل إلى 100 انتصار في البطولات الكبرى.

قبل الشهر الماضي، حين وصلت إلى أول نهائي لها على العشب في ألمانيا، ثم اجتازت ويمبلدون بسهولة، كانت هناك أسطورة عنيدة تلاحق شفيونتيك في أحاديث بعض النقاد وأحياناً حتى في التعليقات التلفزيونية: أنها مجرد متخصصة في الأراضي الترابية، محبوسة في رأسها، عاجزة عن التكيف مع ارتدادات العشب السريعة والمنخفضة في نادي عموم إنجلترا.

لم تكن مجرد مباراة بل كانت رحلة تحرر من الضغوط ومن صراع داخلي دام 14 شهراً (أ.ف.ب)

لكن الإحصائيات تدحض ذلك. نسبة فوزها على العشب الآن 76 في المائة، أقل بثلاث نقاط فقط من نسبة فوزها على الأراضي الصلبة البالغة 79في المائة. لديها 23 لقباً: 12 على الصلب، 10 على التراب، وها هي الآن ويمبلدون على العشب. تلك النسب تتفوق على كل من المصنفة الأولى عالمياً سابالينكا والمصنفة الثانية غوف على العشب والصلب معاً.

وأشارت شفيونتيك إلى تلك الضوضاء في مؤتمرها الصحافي بعد المباراة، ملمحة إلى شعورها بالضيق من الإعلام البولندي في الأشهر الأخيرة. قالت: «آمل أن يتركوني وشأني ويدعوني أؤدي عملي. لدي أفضل فريق من حولي، وقد أثبت نفسي بالفعل كثيراً».

كانت شفيونتيك بالفعل واحدة من أعظم لاعبات جيلها. منافساتها يصفنها هي وغوف كأفضل رياضيتين في اللعبة. واللاعبات العظيمات والرياضيات العظيمات لطالما وجدن طريقهن للفوز ببطولة ويمبلدون.

كل ما تطلبه الأمر كان بضعة أسابيع جيدة من الإرسال، وأن تبدأ في الشعور بالنقاط بدلاً من محاولة إجبارها. بسرعة، بدأت تستمتع بالعشب، تبني النقاط بدلاً من محاولة تحطيمها، مستخدمة كل أنواع الدوران التي تستطيع. ساعدها مدربها في الأشهر الثمانية الماضية، ويم فيسيت، على ذلك، مشدداً على التنويع والصبر لتهيئة الهجوم.

شفيونتيك وأماندا (أ.ب)

لكن عندما كان الأمر مهماً، قالت إنها كانت أكثر عدوانية، أكثر إيجابية، أكثر هيمنة. العثور على التوازن بين متى تدفع ومتى تنتظر كان هو الفارق.

بعد فوزها في نصف النهائي، سُئلت لماذا أصبح العشب ممتعاً لها. قالت: «لا مكان هنا للإفراط في التفكير. عليك أن تتبع غرائزك. وإذا كانت تعمل جيداً، وإذا كنت تشعر بالراحة، فيمكنك الاعتماد عليها بالتأكيد، وهذا ممتع بطريقة ما ومختلف عن الأراضي الأخرى حيث لديك المزيد من الوقت لبناء النقطة».

في 57 دقيقة فقط قدّمت شفيونتيك درساً في الهيمنة الصامتة… دقة وقوة وتوازن نادر على العشب الأخضر (رويترز)

كان هناك شيء آخر أيضاً. للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، لم تدخل أهم بطولة في اللعبة وهي أفضل لاعبة في العالم، اللاعبة التي يتوقع الجميع أن تفوز والتي عليها أن تبرر أي إخفاق.

هي تفتقد كونها رقم 1، لكنها وجدت في غياب ذلك التحرر ومساحة لشيء آخر. قالت: «ركزت كثيراً على تطوير نفسي كلاعبة ومعرفة كيف ألعب بشكل أفضل على العشب، لدرجة أن ذهني انشغل بذلك بدلاً من النقاط والتصنيف».

لقد قامت بهذا التطوير، وبذلك الاكتشاف، وأكثر من ذلك بكثير. بالطبع فعلت.