معركةُ الكرامة… أردنية الإنجاز، هاشمية القيادة، عربية…

يستحقُّ الأردنيُّونَ كلَّ هذا الفخرَ والتباهي بمعركةِ الكرامةِ، التي وإن مضى على ذكراها سبعةٌ وخمسونَ عامًا إلا أن ألقَها يتجدَّد؛ ففي الحادي والعشرينِ من آذارٍ من كلِّ عامٍ يزدادُ الأردنيُّونَ تعلقاً بنصرِ الكرامةِ، الذي وسمَ الأردنَّ بمشهدٍ سرياليٍّ حافلٍ بالتضحياتِ وعابقٍ بصورِ البطولةِ والإباءِ، ضربَ فيه نشامى الجيشِ العربيِّ أروعَ الأمثلةِ فداءً للهِ والوطنِ والملكِ، مترحِّمينَ على روحِ قائدِها المغفورِ له الملكِ حسين بن طلال، الذي قال: “وكانت الأسودُ تربضُ بالجنباتِ، على أكتافِ السفوحِ، وفوقَ القممِ، في يدها القليلُ من السلاحِ والكثيرُ من العزمِ، وفي قلوبِها العميقُ من الإيمانِ باللهِ والوطنِ، وتفجَّرَ زئيرُ الأسودِ في وجهِ المدِّ الأسودِ: اللهُ أكبرُ”.
كانت معركةُ الكرامةِ أردنيةَ الإنجازِ، هاشميةَ القيادةِ، عربيةَ الانتماءِ، وأثبتتْ بأنَّ الأرضَ الأردنيةَ لم تزلْ تنجبُ الانتصاراتِ، من مؤتةَ واليرموكِ فالكرامةِ الخالدةِ، وخضابَ أرضها دماءُ الآلافِ من صحابةِ رسولِ اللهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ومن دماءِ أبنائها الذين تجاوزتْ تضحياتُهم إلى فلسطينَ وبلادِ العربِ والمعمورةِ، وأثبتتْ معركةُ الكرامةِ بأنها النصرُ الأولُ من بعدِ النكبةِ والنكسةِ، وبأنَّ جيشَها العربيَّ هو حامي الحمى، سياجُ الوطنِ، قادرٌ على صدِّ العدوانِ ودحرِ قوى التجبرِ والطغيانِ، وتحطيمِ تبجُّحِ جيشِ العدوِّ بأنه “جيشٌ لا يُقهرُ”، ففي فجرِ يومِ معركةِ الكرامةِ “مشى الصلفُ والغرورُ في ألويةٍ من حديدٍ ومواكبٍ من نارٍ”.
نعم، معركةُ الكرامةِ أردنيةُ الإنجازِ، هاشميةُ القيادةِ، عربيةُ الانتماءِ، فانتصارُها عامَ 1968م لم يكن للأردنيين فقط، وإنما للفلسطينيين الذين احتموا بحياضِ الأردنِّ، منتفعين من أرضهِ ومنطلقين منها لاستعادةِ الحقِّ الفلسطينيِّ. وهاهم الأردنيون والهاشميون وعلى نهجِ الكرامةِ، ينتصرون للفلسطينيين من جديدٍ في غزةَ، يكشفون زيفَ العدوانِ، يعالجون الجرحى، يغيثون المحتاجَ، ويقفون بوجهِ محاولاتِ التهجيرِ لأصحابِ الأرضِ والحقِّ الشرعيِّ. هذا التلاحمُ الأردنيُّ الفلسطينيُّ ليس بغريبٍ، فأصلُ تسميةِ الكرامةِ هو مكرمةٌ هاشميةٌ من المغفورِ له جلالةُ الملكِ عبدالله الأول الذي وزَّع أراضيَ مزرعتهِ في غورِ كبدٍ وخصصَ مياهَ بئرِها لعونِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ عامَ 1948م في ذلك المكانِ، فيما ردَّ اللاجئون الفلسطينيونَ الجميلَ بتسميةِ المكانِ بالكرامةِ، وتابعوا ردَّ الجميلِ بالوقوفِ مع النشامى في معركةِ الكرامةِ.
في ظلالِ ذكرى معركةِ الكرامةِ، يتجددُ العهدُ مع دماءِ كلِّ الشهداء الذين ارتقوا من على ثرى الأردن، ممن تسري روحُهم في وجدانِ كلِّ الأردنيين المتضامنين صفًّا واحدًا بوجهِ الظلمِ والعدوانِ وبوجهِ كلِّ مغرضٍ مندسٍّ يمسُّ أمنهم الوطنيَّ وتماسكَ جبهتهم الداخليةِ، فالمعركةُ هي نفسها قديماً وحاضراً بين الحقِّ والباطلِ، يقفُ فيها الأردنيُّون جبهةً داخليةً صلبةً بوجهِ المدِّ الأسودِ، مؤمنين باللهِ وواثقين بقيادتهم الهاشمية وعميدها حضرةَ صاحبِ الجلالةِ الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية حفظه الله ورعاه.