اخبار الكويت

السفير الصيني لـ «الجريدة•»: ثقتي تامة بمستقبل التنمية في الكويت

في رحاب الدبلوماسية، تغادر الشخصيات أماكن مهامها، لكن بعضها لا يرحل إلا بعد أن يترك أثرا عميقا لا يُمحى من الذاكرة، من بين هؤلاء السفير الصيني لدى البلاد تشانغ جيناوي، الذي يستعد لمغادرة البلاد بعد ثلاث سنوات قضاها في منصبه، حافلة بالعمل والتواصل والصداقات التي ستظل حاضرة في وجدانه، كما قال في مقابلة وداعية مع «الجريدة». منذ وصوله إلى الكويت في مايو 2022، لم يكن مجرد دبلوماسي يؤدي واجباته الرسمية، بل بدا كأنه تبنّى روح المكان واندمج في تفاصيله، من المطبخ الكويتي إلى الديوانيات الشعبية التي زار أكثر من 250 منها خلال ثلاث سنوات فقط، مرورا برمضان وأضوائه، والصحراء ونفحاتها، وانتهاءً بالابتسامة التي كان يراها في وجوه الناس كل يوم. وبعيداً عن المؤشرات الاقتصادية والبيانات السياسية التي عادة ما تتصدر العناوين عند مغادرة السفراء، اختار السفير هذه المرة أن يتحدث بلغة القلب، فلم يُخفِ تأثّره وهو يصف حرارة اللقاءات، وصدق العلاقات التي جمعته بالشعب الكويتي، ولا المرات التي سمع فيها تحية صينية من مواطن كويتي، أو تلك التي شارك فيها «المجبوس» مع أصدقاء تعرف إليهم خلال زياراته المتكررة للديوانيات، وأكد أن عاطفته تجاه الكويت ستبقى ثابتة. في هذه المقابلة الوداعية، تحدث بصدق وإنسانية عن شخص يغادر بلداً أحبه، وترك فيه قطعة من ذاته، فماذا قال عن مهمته؟ وماذا سيفتقد؟ وما وصيته لخلفه؟… إجابات ذلك وغيره في تفاصيل اللقاء.

• قضيت ثلاث سنوات في الكويت… كيف تُلخّص مهمتك الدبلوماسية فيها؟

– في البداية، أود أن أشكر جريدة الجريدة على اهتمامها المتواصل بالصين وبالسفارة الصينية في الكويت. وصلت إلى الكويت في مايو 2022 لتولي منصبي سفيرا لجمهورية الصين الشعبية لدى الكويت، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، شهدت العلاقات الصينية – الكويتية أفضل فترة في تاريخها، بفضل التوجيه الاستراتيجي لقيادتي البلدين.

أولاً، شهد الجانبان تبادلات متكررة رفيعة المستوى، وعززا الثقة الاستراتيجية المتبادلة، فقد عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ وسمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد، اجتماعين في ديسمبر 2022 وسبتمبر 2023 على التوالي، وتوصلا إلى سلسلة من التوافقات المهمة، ويدعم بلدانا بعضهما البعض دعماً قوياً في القضايا التي تمس مصالحنا الجوهرية وشواغلنا الرئيسية في مناسبات عديدة، بصورة ثنائية أو متعددة الأطراف، وسيظل الجانب الصيني يدعم الجهود الكويتية في صيانة سيادة البلاد وسلامة أراضيها.

ثانياً، حقق الجانبان نتائج مثمرة في التعاون العملي بين البلدين، وبفضل جهودنا المشتركة، أحرزنا تقدما مهما في تنفيذ وثائق التعاون التي شهد توقيعها قيادتا البلدين، وحافظت التجارة الثنائية على زخم نمو قوي، حيث ظلت الصين أكبر شريك تجاري للكويت لمدة 10 سنوات متتالية، وتم إطلاق عدد من مشاريع التعاون الرمزية بنجاح، مما عزز أسس علاقاتنا الاقتصادية والتجارية، وأعطى زخما لتنويع الاقتصاد الكويتي.

ثالثاً، حافظ الجانبان على علاقات وثيقة بين شعبي البلدين، فقد تم افتتاح أول مركز ثقافي صيني في منطقة الخليج بالكويت، وتم عقد فعاليات عدة مثل مهرجانات الصين للثقافة والطعام، والمنتديات الثقافية، والندوات الأكاديمية، والمعارض الفنية، بشكل منتظم، وقد عززت هذه الأنشطة التفاهم المتبادل بين الشعبين بشكل كبير، وأبدى أصدقاؤنا الكويتيون اهتماما بارزا بالثقافة الصينية، بينما يتعمق فهم الشعب الصيني لتاريخ الكويت وثقافتها.

يشرفني ويسعدني جدا أن أشارك شخصيا في هذه المرحلة المهمة من علاقتنا الثنائية، وأود أن أُعرب عن امتناني العميق للدعم القوي من حكومة وشعب الكويت من مختلف القطاعات لمهام عملي وعمل السفارة الصينية. سأتذكر وأقدر دائما الصداقة والدعم اللذين تلقيتهما هنا، وسأظل على ثقة تامة بمستقبل مشرق للعلاقات الصينية الكويتية.

• صرح بعض الدبلوماسيين بأن الكويت هي المكان الأمثل لممارسة المهام الدبلوماسية. هل تتفق مع هذا الرأي؟ وماذا تعني لك هذه التجربة شخصيا؟

– أتفق تماما مع هذا الرأي، فخلال فترة عملي لمدة 3 سنوات كسفير الصين لدى الكويت، أدركت تماما سبب هذا الشعور لدى العديد من الدبلوماسيين. فالكويت دولة تتمتع بالاستقرار السياسي والشمول الاجتماعي، وشعبها يمتاز بسمات الود والمحبة، وتُظهر الكويت، على وجه الخصوص، انفتاحا ودعما كبيرين للدبلوماسيين الأجانب، والأهم من ذلك أن قيادة وحكومة الكويت حافظتا باستمرار على موقف ودي تجاه الصين، وأظهرتا ثقة راسخة وإخلاصا في تطوير العلاقات الثنائية، وقد هيأ هذا بيئة مواتية جدا لأداء مهام عملي.

أكثر ما أثار إعجابي هو كرم ضيافة الشعب الكويتي ولطفه، فأينما ذهبت كنت أحظى بحفاوة استقبال بالغة واحترام، وقد شعرت باهتمامهم الصادق بالثقافة الصينية. وفي مناسبات عدة، كان أصدقائي الكويتيون يُحيونني باللغة الصينية تعبيرا عن حبهم للصين وتقديرهم للصداقة الصينية – الكويتية، وهذه الروابط الشعبية ثمينة حقا.

تشانغ جيناوي: الكويتيون أدهشوني باهتمامهم باللغة والثقافة الصينية… والروابط الشعبية ثمينة

• على أعتاب نهاية مهمتك في الكويت، ما هي أكثر الأشياء التي تستذكرها وتشعر أنك ستفتقدها؟

– أكثر ما أعتز به هو الصداقة الحقيقية مع الشعب الكويتي، والجو الثقافي الغني على هذه الأرض، والدفء واللطف اللذان لمستهما أينما ذهبت، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية حظيت بفرصة لفهم الكويت بعمق، والتعرف على الكثير من الأصدقاء، فقد كانت ثقتهم وتفهمهم ودعمهم الدافع الأكبر لي للقيام بمهامي في تعزيز العلاقات الصينية – الكويتية.

كما أنني أعشق تنوع المطبخ الكويتي ونكهاته المميزة، وكثيرا ما استمتعت أنا وعائلتي بزيارة المطاعم المحلية التقليدية، حيث نحب رائحة ونكهة المجبوس، والهريس الناعم والمتجانس، واللقيمات الشهية، والمذاق الغني للقهوة العربية، وعلاوة على ذلك أقدر حقا جمال الكويت الطبيعي وتقاليدها الثقافية، فالصحراء الشاسعة الهادئة، ومياه الخليج، والأضواء الساطعة في ليالي رمضان، كلها أضفت حيوية على الكويت، وشكلت ذكريات جميلة سأعتز بها دائما، كما استمتعت بالمشاركة في الديوانيات، وهو تقليد اجتماعي فريد بالكويت، وخلال السنوات الثلاث الماضية، حضرت أكثر من 250 ديوانية، حيث تعرفت على أصدقاء جدد كثيرين، وما لمسته من مظاهر الود جعلني أشعر وكأنني جزء من عائلة كبيرة ومتماسكة.

• ما نصيحتك لمن سيخلفك في منصبك؟

– ما أود مشاركته مع السفير الجديد هو أهمية التعامل مع الكويت بصدق، والنظر إلى العلاقات الصينية – الكويتية بمنظور استراتيجي وطويل الأمد. وإنني على ثقة بأن السفير القادم سيواصل متابعة نتائج اللقاءات بين قيادتي الدولتين عن كثب، وسيبذل قصارى جهده لتحقيق تقدم أكبر في تعاوننا بالمشاريع الكبرى، وسيعمل على تعزيز التآزر بين الاستراتيجيات التنموية للبلدين، وضمان تعاون مستدام وعالي الجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق، وأعتقد أنه سيواصل تعزيز التبادلات الشعبية باستمرار، بما يضمن ازدهار الصداقة بين شعبينا، وأظن أن عمله الجاد سيسهم في الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى آفاق جديدة، وفتح فصل جديد للصداقة بين البلدين في تاريخها.

• ما رسالتك الأخيرة إلى الشعب الكويتي؟

– أعرب عن امتناني العميق للشعب الكويتي على ثقته ودعمه خلال السنوات الثلاث الماضية. الكويت بلد ذو تاريخ عريق وقيم أخلاقية راسخة، وهي أيضا من أقرب أصدقاء الصين وشركائها، وإنني لدي ثقة تامة بمستقبل التنمية في الكويت، ومستقبل أكثر إشراقا للصداقة الصينية – الكويتية، وآمل أن يزور المزيد من الصينيين الكويت، وأن يتعرف المزيد من الأصدقاء الكويتيين على الصين.

ورغم أنني على وشك بدء رحلة جديدة، فإن عاطفتي تجاه هذا البلد ستبقى ثابتة، وسأواصل متابعة ودعم تطوير العلاقات الصينية – الكويتية، وأتمنى للكويت دوام الرخاء، ولشعبها السعادة والرفاهية، كما أتمنى أن تدوم الصداقة بين شعبينا وأن تزداد قوةً جيلا بعد جيل.