اخبار فلسطين

الاغتيالات.. هل توقف حركة المقاومة؟

خاص قدس الإخبارية: قدمت المقاومة الفلسطينية والقوى التي شاركتها المعركة في لبنان، وإيران، والعراق، واليمن وغيرها مجموعة كبيرة من قياداتها العسكرية والسياسية والأمنية ومن مختلف التخصصات والمسؤوليات شهداء، خلال معركة “طوفان الأقصى”، ومع كل اغتيال يعود السؤال الكبير: “هل تؤثر الاغتيالات على حركة المقاومة ضد الاحتلال؟” و”أي تأثير لها؟” و”هل تحقق للاحتلال أهدافها في توقفها نهائياً؟”.

ماذا يريد الاحتلال من الاغتيالات؟

في البداية، من المهم تحليل أهداف الاحتلال من الاغتيالات التي ينفذها ضد القيادات والكوادر الفاعلة ضده، سواء كانوا يعملون في المجال العسكري أو السياسي والدبلوماسي أو الاجتماعي.

يعمل الاحتلال، في عمليات الاغتيالات، على تحقيق حزمة من الأهداف مجتمعة، في البداية يسعى إلى حرمان حركات المقاومة من الكوادر المهمة والاستراتيجية التي لها ثقلها في العمل، وقادرة على تجاوز الأزمات والفترات الصعبة، ولها دور في التأسيس أو الابتكار أو التدريب أو نقل الخبرات، أو إقامة العلاقات مع أطراف أخرى، أو تعزيز الموارد وغيرها من المهمات.

ويأتي استهداف بعض القيادات ليس فقط لأدوار تنفيذية تقوم بها، بل لما لها من حضور كاريزمي، في وسط البيئة الشعبية المساندة للمقاومة، ولقدرتها على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى.

وفي المقام الثاني، يحاول الاحتلال من اغتيال القائد ضرب المجتمع الذي يمثله، لما يعتقده من أن للفقد حضور مهم في التكوين النفسي للشعوب العربية والإسلامية، لذلك يستخدم قتل القيادات في عملية تفكيك الاجتماع البشري الذي تمثله البيئة الشعبية للمقاومة حول الفكرة، لأنه يعتقد أن هذا الاجتماع قائم على الشخصية وليس على الفكرة في المقام الأول.

وفي وسط هذه الأهداف يبرز أيضاً هدف إيصال رسائل إلى وعي الشعوب، أن “المواجهة والمقاومة لا فائدة منها وثمنها الدمار”، والاغتيالات والتدمير وحرب الإبادة الجماعية كلها وسائل تحت هذا العنوان.

ماذا يقول التاريخ؟

يسعفنا التاريخ في حالات كثيرة على توسيع مساحة التفكير في القضايا التي ما زالت تطرق أبواب عقولنا، في الصراع المستمر مع الاحتلال منذ عقود طويلة، خاصة أن التاريخ في حالة فلسطين والمنطقة العربية والإسلامية لم يخرج نهائياً إلى الأرشفة والذاكرة والتأريخ في الكتب الأكاديمية أو الرسمية أو الحكايات عن الزمن القديم، بل حاضر في الحاضر حضوراً طاغياً.

مع البدايات الأولى لانطلاقها نحو تحقيق مشروعها الاستعماري، في فلسطين، بدعم من بريطانيا، أقامت الحركة الصهيونية أجهزة استخباراتية لها مهمات متعددة بينها اغتيال الكوادر والنشطاء والقيادات التي تناضل من أجل منع تحويل فلسطين إلى دولة يهودية استيطانية تدمر الشعب الفلسطيني.

ومع إقامة دولة الاحتلال على أنقاض الشعب الفلسطيني، بعد نكبة 1948، استمرت سياسة الاغتيالات بنداً ثابتاً في سياسات الأمن والعدوان الإسرائيلية، وأقامت لتحقيق أهداف التجسس على الدول واغتيال الكوادر داخل فلسطين المحتلة وخارجها، مجموعة من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، بينها “الشاباك” و”الموساد” والاستخبارات العسكرية وغيرها.

اغتالت استخبارات الاحتلال عشرات من قادة الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وعلماء ومثقفين ومناضلين عرب ومسلمين ومن دول مختلفة، خلال السنوات الممتدة من الستينات إلى التسعينات، وفي فترة الانتفاضة الأولى استشهد عدد كبير من القادة من الفصائل الإسلامية والوطنية، وفي انتفاضة الأقصى صمم أرئيل شارون ومعه قادة الجيش والأمن في دولة الاحتلال حملة واسعة لاغتيال القيادات من مختلف الفصائل وفي مستويات قيادية مختلفة.

لا يمكن الادعاء أن الاغتيالات تمر بسهولة على المقاومة الفلسطينية، أو المجتمع الفلسطيني عامة، خاصة بما لهؤلاء القيادات من حضور طاغ في الحياة السياسية والاجتماعية والنضالية، والأدوار المهمة التي قاموا بها، خاصة في المحطات القاسية والصعبة، والكاريزما والتأثير الواسع الذي يبثونه بين الناس خاصة الفئات الشابة التي للقدوات والشخصيات القيادية تأثير مهم عليها، بالإضافة للقدرات الاستراتيجية والتكتيكية والثقافية والعلمية التي تملكها كل شخصية من هؤلاء، باختلاف انتمائاتهم والفصائل التي يعملون معها.

لكن التاريخ يقول إن الاغتيالات لم تمنع استمرار حركة المقاومة ضد الاحتلال، التي تتجدد في كل مرحلة بأشكال وشخصيات جديدة، لأن استمرار الاحتلال هو حتماً يعني استمرار الظلم ضد شعب كامل، تؤكد الوقائع التاريخية أنه لم يتوقف عن السعي للتحرر، وكل عملية من هذا النوع أي الاستمرار في محاولة الانعتاق من الاحتلال، تخلق معها من وسط المعاناة قيادات جديدة تولد في الشارع وبين الجماهير ومن السجون وفي ظل التنظيمات.