حجب الجزيرة.. جريمة دستورية وتآزر بين السلطتين التنفيذية والقضائية لاستهداف حرية الرأي
خاص شبكة قُدس: تتوالى قرارات السلطة الفلسطينية ووزاراتها وجهازها القضائي، ضد شبكة الجزيرة الإعلامية، في محاولة لحظرها بشكل كامل عن الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، فأصدرت قرارين أولهما صادر عن وزارات الداخلية والثقافة والاتصالات في رام الله يقضي بوقف بث وتجميد كافة أعمال قناة الجزيرة والعاملين معها ومكتبها في فلسطين، والثاني أصدرته محكمة صلح رام الله وعممته وزارة المواصلات بعدم إعادة البث أو النقل لأي من المواقع الإلكترونية أو الفضائيات المرتبطة بشبكة الجزيرة الإعلامية.
وذلك رغم اتفاق عدد من النشطاء الفلسطينيين ممن يتفقون أو يختلفون مع سياسة شبكة الجزيرة الإعلامية، على أن قرارات السلطة؛ تكميم للأفواه ومحاولة للتحكم بما يتلقاه الفلسطيني، خاصة وأن الشبكة نشطت في تغطية مجازر الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
المحامي والقاضي السابق أحمد الأشقر، قال إن القرارات المتعلقة بحجب شبكة الجزيرة الإعلامية استندت إلى صلاحية محكمة الصلح بموجب قرار بقانون الجرائم الإلكترونية والذي سبق وأن تم استخدام هذا القرار بقانون لحجب عدد من المواقع الإخبارية والمنصات الإعلامية الفلسطينية.
وأضاف الأشقر في مقابلة خاصة لـ “شبكة قُدس”، أن تعديات القرار على الحريات يدخل في إطار الملاحظات العامة على قانون الجرائم الإلكترونية التي تتعارض كثير من نصوصه مع أحكام القانون الأساسي الفلسطيني، وتمس الحريات الإعلامية من جهة وكذلك حق الناس في الوصول للمعلومات من جهة أخرى.
وبحسب الأشقر، فإنه يمكن الطعن بالقرار الصادر بشأن شبكة الجزيرة الإعلامية أمام المحكمة المختصة على اعتبار أنه لا يوجد تحصين لأي قرار في النظام القضائي الفلسطيني، وهذا يتم من خلال اللجوء إلى القضاء الفلسطيني الذي أصدر القرار.
واعتبر الخبير في الشؤون القانونية والحقوقية، عصام عابدين، إن القرارين المتخذين بالخصوص، غير دستوريين.
وقال عابدين في لقاء خاص مع “شبكة قُدس”، إن القرار الصادر عن محكمة صلح رام الله يوم أمس، في الطلب المقدم أساسا من النائب العام بشأن حجب الجزيرة، وما تبعه من كتاب النائب العام لوزارة الاتصالات لحجب المواقع التابعة للجزيرة، وما سبقهم من قرار اللجنة الوزارية (وزارات الثقافة والاتصالات والداخلية)؛ تلقي بظلال قاتمة وثقيلة على منظومة حقوق الإنسان في فلسطين ككل.
وأضاف أن هناك تآزرا واضحا بين السلطتين التنفيذية (الحكومة بوزاراتها الثلاث صاحبة القرار الأول) وبين السلطة القضائية، بعد تغييب السلطة التشريعية والتفرد بالقرار، لاستهداف حرية الرأي والإعلام في ظل حالة التراجع الخطيرة جدا في منظومة الحقوق، مع التأكيد أن حرية الرأي والحريات الإعلامية هي مرآة للحقوق والحريات ككل في أي بلد، وهي مقياس حقيقي للأداء الديمقراطي.
وأشار عابدين، إلى أنه تم التعامل مع الجزيرة واستهدافها من خلال قانون الجرائم الإلكترونية، وبالتالي التعامل مع الملف هو تعامل على أن وسيلة الإعلام ارتكبت جريمة، وكان التعامل معها من خلال المادة 39 من قرار بقانون الجرائم الإلكترونية ببنديها الأول والثاني، والتي تنص على أن “جهات التحري (الأجهزة الأمنية) تقوم برصد ومتابعة ما يبث وينشر عبر الفضاء الرقمي والتي بدورها تقوم برفع محضر بهذا الموضوع للنائب العام وتطلب منه حجب مواقع إلكترونية”، وفي البند الثاني: يقدم النائب العام طلبا لمحكمة الصلح خلال 24 ساعة من استلامه المحضر ويضع رأيه والمحكمة تصدر قرارها في هذا الطلب تدقيقا، إما بالقبول أو الرفض، وتقرر حجب مدة لا تزيد عن 6 أشهر ما لم تجدد المدة مرة أخرى، ويمكن أن يتم تجديدها بشكل مفتوح.
وشدد، أن العملية التي تمت تتعارض مع الدستور (القانون الأساسي الفلسطيني)، الذي ينص في المادة 27 منه فقرة 3، وأي تقييد أو حجب أو إنذار أو تجميد أو مصادرة لوسائل الإعلام تحتاج شرطين دستوريات أولهما قانون ينص عليه ويحترم الدستور بالإضافة إلى حكم قضائي (وليس قرارا قضائيا) وهو الحكم الفاصل في الدعوى بوجود لائحة جوابية من الجزيرة الجميع يقدم فيها بيناته وتقفل فيها ضمانات المحاكمة العادلة، وفي النهاية يصدر القرار الذي يجب أن يكون متوافقا مع الدستور والحريات الدستورية.
ورأى، أن القرار جاء للمادة 39 من قانون الجرائم الإلكترونية وتم التعامل مع شبكة الجزيرة كمرتكب جريمة على حساب انتهاك الدستور، حيث يستوجب تطبيق الدستور قبل تطبيق أي تشريعات استثنائية.
وبحسب عابدين، فإن ما جرى بمثابة عقاب جماعي لكافة العاملين في القناة والتابعين لمكتب الضفة دون ضمان المحاكمة العادلة، بما يشكل انتهاكا للدستور الفلسطيني والاتفاقيات التي وقعت عليها فلسطين. مؤكدا أن الحل بيد الرئيس.
ورأى أن هناك تعمدا في إظهار البطش لخلق ثقافة الرعب في عقلية الناس من أجل تأمين انتقال غير دستوري للسلطة بعد الرئيس تحت هاجس من الخوف وبالتالي الدخول مجددا إلى امتداد مجددا من امتهان الكرامة الإنسانية وغياب التداول السلمي للسلطة تأمينها تحت هذا الغطاء من الخوف