كيف يتساوق الإعلام العربي والمحلي مع الاحتلال في حرب الإبادة على غزة؟

خاص شبكة قدس الإخبارية: لم تختلف منهجية الماكينة الإعلامية العربية والمحلية القائمة على مهاجمة المقاومة الفلسطينية ومحاربتها بعد بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في تشرين أول/أكتوبر 2023، بل ازدادت حدةً فوق حدتها، وباتت أكثر تقارباً بشكلٍ أو بآخر مع رواية الاحتلال.
وفي الواقع لم تكن الحملات الإعلامية المسيئة للمقاومة الفلسطينية بالأمر الطارئ أو الجديد، بل تُعتبر إحدى السلوكيات التي اتبعتها الجهات المحاربة للمقاومة منذ فترة التسعينيات وانتفاضة الأقصى، في حين لم تشتهر تلك الحملات لمحدودية وسائل الإعلام آنذاك، وتوجيها إلى المجتمعات الغربية باللغات الأجنبية، فيما عمل الإعلام الرسمي الفلسطيني في السنوات التي أعقبت أوسلو على اتباع شيء من هذه الجزئية.
وبشكلٍ أساسي تشكل الرسالة الإعلامية أحد الروافد الهامة للمعركة بين المقاومة والاحتلال، حتى باتت معركة قائمةً بحد ذاتها، شملت صراع الرواية والهوية، والحرب النفسية، وصناعة وتصدير الصورة، التي لطالما تفاخر الاحتلال بإتقانه لها على مدار عقود واستطاعت المقاومة كسرها من خلال إعلامها العسكري والرسائل التي أوصلتها لجمهورها داخل وخارج فلسطين في أوج معركة طوفان الأقصى، وفي خضم تفاصيل المعركة وجدت المقاومة نفسها هدفاً لحملات إعلامية مضللة على غرار حملات الإحتلال ولكن من وسائل إعلام عربية ومنصات محلية، فكيف جرى ذلك؟
صفة “الإرهاب”.. ما قبل الإبادة
ما إن تأسست السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية عام 1994، حتى انطلقت بمهاجمة العمل العسكري المقاوم الذي استمرتا به حماس والجهاد الإسلامي بعد الانتفاضة الأولى.
ووفق محددات اتفاق أوسلو وشروطه، لاحقت أجهزة أمن السلطة مجموعات المقاومة والمطاردين واعتقلتهم، في مرحلة شهدت ذروة التنسيق الأمني مع الاحتلال، وكما طبقت السلطة نشاطها على الأرض شنت حملات إعلامية مسيئة لتشويه المطاردين، تجلى ذلك عام 1998 في حادثة استشهاد محيي الدين الشريف، عندما اتهمت رئاسة السلطة الفلسطينية مجموعة شخصيات من حركة حماس على رأسهم الشهيد المطارد عادل عوض الله باغتياله، في محاولات السلطة لتشويه صورة عوض الله كونه كان المطلوب الأول للاحتلال ولها في تلك الفترة، بتهمة قيادته لكتائب القسام.
وروجت السلطة مراراً وتكراراً إلى فكرة “الإرهاب المتطرف” وهو الوصف التي وصفت به المقاومة، من خلال الصحف الرسمية وتصريحات قادتها آنذاك، حيث ظهر قائد جهاز الشرطة عام 1996 أثناء اقتحام الجامعة الإسلامية في غزة قائلاً: “كل مكان يوجد به جهات تطرف من حماس والجهاد سنداهمه.. سنجتث جذورهم” وقد تلقت وسائل الإعلام الخارجية هذه الروايات لإكمال دور السلطة بتشويه المقاومة.
وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، اقتُرنت العمليات الاستشهادية الفلسطينية التي قادتها فصائل المقاومة، بالإرهاب العالمي، وقد عزز ذلك موقف السلطة الرسمي، في حين أدانت عشرات العمليات ووصفتها بالإرهاب.
وعلى مدار السنوات التي تلت انتفاضة الأقصى، لم تتوقف الحملات الإعلامية العربية والمحلية عن مهاجمة المقاومة في قطاع غزة، ونسج الروايات الكاذبة عنها، والتشكيك بها، بل وحتى اتهامها بتقديم تنازلات للاحتلال، واقتران وجودها بالمنحة القطرية التي كانت تدخل القطاع المحاصر، وزاد تطور وسائل التواصل الاجتماعي من انتشار هذه الحملات.
طوفان الأقصى واستكمال المعركة
منذ الشهر الأول لمعركة طوفان الإقصى أكد القيادي في حماس فوزي برهوم عل خطورة المعركة الإعلامية، وضرورة مواجهتها، قائلاً في إحدى الندوات: “هناك معركة إعلامية بسبب تصدير رواية مضللة من الإعلام الإسرائيلي، ويجب التصدي لتلك الرواية في إعلامنا ونقاتل بالقلم والصورة حتى نوصل روايتنا إلى العالم”.
وكما كان الموقف الرسمي والسياسي العربي مستسلماً لحرب الإبادة وحتى متساوقاً معها، كانت قنواته الإعلامية كذلك، ولكن مع مرور الشهور الأولى للمعركة انعطفت لما هو أشد خطورة، فطرأت كإعلامٍ مضاد لرواية المقاومة الفلسطينية، وإعلام متساوق مع دعاية الاحتلال ورسالته.
ولعل وسائل الإعلام التابعة للأنظمة التي سلكت مسار التطبيع بشكلٍ علني قد تصدرت هذا الميدان، وانخراط في أجندات التحالف العالمي ضد المقاومة الفلسطينية، وترويج الأكاذيب عنها، بل وحتى مهاجمة الشهداء بشكلٍ مباشر، كمهاجمة قناة العربية للشهيدين يحيى السنوار وحسن نصر الله.
ولم يقتصر الإعلام العربي على موقفه وشكله المضاد للمقاومة فقط، بل طرأت وسائل إعلام عربية اتخذت موقفاً رمادياً بين نموذجين مختلفين هما الإعلام المقاوم والإعلام التطبيعي، وتحت هذا النوع تندرج معظم التغطيات الإعلامية، وهو الإعلام الذي يتأرجح ما بين الدعم والمناهضة، تبعًا لسير الأحداث وتغير مواقف الدول المالكة وحتى المانحة لتلك الوسائل الإعلامية من المشهد، فهو إعلام في مجمله متغير، وفق المتغيرات السياسية.
ولعب الإعلام المصري دوراً مغايراً خلال الحرب، اتسم بالرمادية، ومحاولته لتلميع صورة النظام والموقف الرسمي المصري، وقد أدانت جميع وسائل الإعلام المصرية مجازر الاحتلال في غزة، بيد أن تغطيتها للحرب تباينت بشكل كبير، عندما يتعلق الأمر ببعض التفاصيل الدقيقة.
ووفق تحليلات سياسية للموقف الرسمي المصري، فإن الرئيس السيسي كان بحاجة إلى إقبال قوي، بما يكفي لتشكيل تفويض مقنع لاتخاذ قرارات صعبة تتعلق بالسياسة الخارجية والداخلية للبلاد، ومن ثم حَرفَت وسائل الإعلام تغطيتها للحرب لتصوير السيسي على أنه “المدافع عن الشعب الفلسطيني”.
وسلط الإعلام الرسمي الضوء على رفض السيسي السماح بنقل سكان غزة إلى شبه جزيرة سيناء، وهو ما كانت دولة تسعى إليه، بوصفه دليلاً على أن السيسي يدعم السيادة الفلسطينية على غزة.
وكانت هناك تغطية على مدار الساعة لتوصيل المساعدات المصرية إلى معبر رفح الحدودي، وبثت مقاطع فيديو ترويجية تُظهر قوة الجيش المصري.
إعلام السلطة.. الطعنة من القريب
أما على صعيد الإعلام المحلي الرسمي، والمقترن بالسلطة الفلسطينية، فلا يختلف مساره وموقفه عن الإعلام العربي بمهاجمة المقاومة مراراً وتكراراً، وتحشيد الحملات المسيئة لها ولرموزها وقادتها بشكلٍ مستمر، فيما لم تقتصر مهاجمته على المقاومة في غزة، بل بذل جهوداً واسعة في مهاجمة مجموعات المقاومة في مخيمات الضفة الغربية.
وعلمت مجموعات ومنصات إعلامية تابعة للسلطة الفلسطينية وحركة فتح على تشويه صورة المطاردين وكسر رمزية المطارد الفلسطيني، من خلال إطلاق توصيفات لهم كـ”الخارجين عن القانون” و”الجاسوس” و”سارقين الأموال”، والزعم بأن المسار المقاوم مرتبط بأجندات خارجية على رأسها إيران.
كذلك الأمر بمهاجمة قادة المقاومة في قطاع غزة بعد استشهادهم، وتحميل المقاومة مسؤولية الإبادة الجارية.
وأشارت التفسيرات المختلفة إلى أن العملية العدوانية الواسعة التي يشنها الاحتلال على مخيم جنين ومخيمات طولكرم استفادت من هذه الدعاية التي عملت السلطة على تعميمها ضد المقاومين. إضافة تفكيك الحاضنة الشعبية لهؤلاء المقاومين، ونزع الصفة الثورية من قبيل اتهامهم بالهروب والاستثمار الشخصي في الحالة الثورية في الضفة الغربية، هدفه منع التعاطف معهم.
الاستمرار بالدور المضاد
مع استئناف جيش الاحتلال ارتكاب المجازر في قطاع غزة قبل أيام، حتى انطلق الإعلام العربي والمحلي من جديد بمهاجمة المقاومة وتحميلها مسؤولية الإجرام الإسرائيلي بدلاً من مهاجمة الاحتلال، تجلى ذلك في بيان الرئاسة الفلسطينية والذي نشرته وسائل الإعلام الرسمية التابعة للسلطة، والذي اتهمت به السلطة حماس بالمسؤولية عما يجري في قطاع غزة من إبادة جماعية.
وكما كان موقف الإعلام العربي والرسمي الفلسطيني منذ الشهور الأولى للحرب على قطاع غزة، استمر بذات ال، في معركة الوعي والحقيقة التي تواجه بها المقاومة الفلسطينية العالم بأسره.
في الواقع، إن الخطاب الإعلامي المعادي للمقاومة الفلسطينية والذي توجهه وسائل الإعلام العربية والمحلية، لا يسير في اتجاه الاختلاف مع المقاومة فحسب، ولا محض اختلافات سياسية أو أيديولجية، بل يسير باتجاه منحازٍ لرواية الاحتلال بشكلٍ كلي، حيث يوجد لها مبررات القتل والإبادة، ويدخل في نطاق مشاريع تصفية القضية الفلسطينية.