كيف ينظر الإسرائيليون لنهاية هذه الحرب؟
خاص شبكة قدس الإخبارية: يجمع الإسرائيليون، من نخب وكتّاب ومحلّلين وسياسيين، على أن صفقة التبادل باتت أمرًا لا مفرّ منه. هذا الإجماع يكشف في طياته عن حقيقة انهيار أهداف الحرب؛ إذ لم يعد جمهور الاحتلال يؤمن بقدرة القوة العسكرية على تحرير أسرى الاحتلال، ولا بجدوى وسائل الضغط الأخرى المتمثلة في الإبادة والتجويع والتدمير.
هناك طريق واحدة لتحقيق هدف إطلاق الأسرى، حدّدتها المقاومة الفلسطينية منذ اللحظات الأولى للحرب: صفقة التبادل، وهو ما يتحقق اليوم بعد أكثر من عام من عناد بنيامين نتنياهو، وتآمر الأمريكيين، وتجاهل العالم بأسره.
ضمن هذه القناعة الإسرائيلية، التي تُرجمت في شكل موافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، يتجلى أيضًا اعتراف بفشل منظومة الاستخبارات في الوصول إلى مكان الأسرى، وعجز وحدات النخبة الاحترافية عن تحريرهم سالمين، حتى لو توفرت المعلومات.
إنه فشل مركب يجمع بين نقص المعلومات والقدرة، وهذان المفهومان شكّلا أساسًا رئيسيًا ومستمرًا في سردية الأمن الإسرائيلية منذ قيام الاحتلال عام 1948. من المفارقات في هذا السياق ذكر مسلسل “فوضى”، الذي حاول تكريس صورة تفوق قدرات “إسرائيل” المعلوماتية ووحدات النخبة في “العمليات النظيفة”.
إحدى أبرز نتائج هذه الحرب هي سقوط عقيدة الوضوح في أهداف العمل العسكري. هذه العقيدة، المرتبطة بالقدرة والقوة، تخلت عنها “إسرائيل” منذ حرب لبنان 2006، عندما فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، لتحكم بذلك على نفسها بالهزيمة.
منذ ذلك الحين، ظلّت عقيدة الأهداف الفضفاضة هي السائدة في الخطاب الإسرائيلي، الذي ركّز على مفهوم الردع. لكن في السابع من أكتوبر 2023، وجدت “إسرائيل” نفسها أمام عالم يلتف حول هدف واضح وصريح: القضاء على حركة حماس.
هذا الهدف، رغم وضوحه، كشف عجز “إسرائيل” عن فهم البعد الفكري، والأيديولوجي، والاجتماعي لحماس. اليوم، بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، لم يعد بالإمكان تجميل الواقع بالنسبة للإسرائيليين.
عوفير شلح، أحد أبرز الباحثين الإسرائيليين في علم الاجتماع العسكري، ومسؤول برنامج “دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يؤكد ما حاول نتنياهو وجو بايدن والعالم تجاهله: “إسرائيل لن تتمكن من القضاء على حركة حماس”، لأنها لم تكن قادرة على ذلك منذ البداية.
ويرى شلح أن تعنّت حكومة نتنياهو، ورفضها التفكير في بدائل عن خيار “القضاء على حماس”، مع إصرارها على استخدام القوة المفرطة، دفع الجنود ثمنه غاليًا، إذ قاتلوا وقُتلوا لتحقيق هدف مستحيل. شلح، وهو باحث متخصص في شؤون الجيش ومؤلف دراسات حول أزمة الاحتياط والدافعية العسكرية، يعترف بتآكل قدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي في مهام لم تؤثر على مسار الحرب أو نتائجها.
وفقًا له، ازدادت الانتقادات الموجهة لـ”إسرائيل”، بينما الواقع الأساسي يعزّز موقف حركة حماس، التي ستطلق سراح قادتها وقادة الفصائل خلال الأسابيع المقبلة، حتى لو نُفوا إلى دول أخرى في المنطقة.
أما مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان البحثي، الذي عمل مستشارًا للشؤون الفلسطينية لدى منسق أنشطة حكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة، فيرى أن “إسرائيل” حققت نجاحات عسكرية، لكنها تشعر بالمرارة وحتى الفشل.
في المقابل، تعرضت المقاومة الفلسطينية لخسائر عسكرية فادحة، لكنها تنظر إلى الحرب كإنجاز تاريخي؛ فقد أصابت “إسرائيل” بالصدمة بدايةً، ولم تحقق أهدافها المعلنة في النهاية. في الذاكرة الجمعية الفلسطينية، غالبًا ما تُعتبر هذه الأحداث إنجازات جاءت نتيجة التضحية والصمود. يشير ميلشتاين إلى أن الشعور بالإنجاز يعمّ الساحة الفلسطينية بعد توقيع الاتفاق.
ويضيف أنه من الضروري فهم نظرة الفلسطينيين لنهاية الحرب لصياغة خطط مستقبلية أكثر واقعية. في السابع من أكتوبر، انهارت مفاهيم إسرائيلية قديمة، مثل إمكانية “تدجين” الفصائل الأيديولوجية من خلال الحوافز الاقتصادية.
كما برزت حقيقة الصراع الأساسية: الصراع يتعلق بالدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. ويتابع ميلشتاين أن الشعور بالإنجاز الفلسطيني يعزّز مكانة حماس في الساحة الفلسطينية، ويؤكد قدسية النضال ضد الاحتلال.
الحرب الأخيرة، التي شهدت استشهاد عشرات الآلاف وتدمير قطاع غزة، انتهت بعداء غير مسبوق وطموحات انتقامية متصاعدة ضد “إسرائيل”، وهو أحد أهداف حماس الأساسية في الحرب.
من جانبه، يرى أورون نهري، رجل الاستخبارات السابق وخبير العلاقات الدولية، أن “الحرب بدأت وانتهت على أبواب غزة”. ويقول: “النصر في الحرب ليس بعدد القتلى أو المساحات المستولى عليها، بل بتحقيق الأهداف في نهايتها وبعدها”.
وفقًا له، هُزمت “إسرائيل” في السابع من أكتوبر؛ فقد شهد ذلك اليوم أحداثًا غير مسبوقة، مثل السيطرة على مستوطنات إسرائيلية ولو لدقائق، ما سيُخلّد في الذاكرة الفلسطينية كيوم للنصر، بينما سيبقى ذكرى مريرة للإسرائيليين.
أما سارة كوهين، الخبيرة في “الهسباراة” وزعيمة منظمة “إسرائيل لي”، فتصف الصفقة الحالية بأنها “سيئة”، لكنها تعتبر قبولها ضرورة. من وجهة نظرها، “إسرائيل” ستدفع أثمانًا باهظة، ليس فقط بإطلاق آلاف الأسرى، بل أيضًا بالتخلي عن أهداف الحرب التي قُتل من أجلها مئات الجنود.
تضيف كوهين أن “إسرائيل” وافقت على الانسحاب من محور نتساريم، وعودة نحو مليون نازح من سكان غزة إلى شمال القطاع، وتدفق المساعدات بشكل مستمر إلى غزة. وبهذا، يبقى الاتفاق شاهدًا على التنازلات التي قدمتها “إسرائيل”، تاركًا خلفه الجنود القتلى دون إجابات.