معهد أمني إسرائيلي: مواصلة الحرب بشكلها الحالي ستؤدي إلى تآكل استراتيجي

ترجمة عبرية شبكة قُدس: نشر معهد “القدس للشؤون العامة والسياسة” الإسرائيلي (JISS) وهو معهد متخصص في الشؤون الأمنية ورقة تحليلية بعنوان “غزة ومعضلة الساعة الرملية”، أعدّها العقيد احتياط في جيش الاحتلال البروفيسور غابي سيبوني والعميد احتياط في جيش الاحتلال إيريز وينر، تناقش المأزق الاستراتيجي الذي تجد “إسرائيل” نفسها فيه على جبهة غزة، محذرة من أن التباطؤ في اتخاذ قرارات حاسمة قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الصعيدين الأمني والسياسي. ويعرض التحليل فكرة “الساعة الرملية” كمجاز يختصر الضغوط المتزايدة على “إسرائيل” في مختلف المجالات: العسكري، الاجتماعي، الإقليمي، والسياسي، مشيرًا إلى أن نافذة الحسم في غزة تضيق بسرعة.
يرى الكاتبان أن استمرار العمليات في غزة، رغم أهميتها، يستهلك موارد عسكرية وبشرية هائلة لا يمكن تحمل استنزافها طويلًا، في ظل تعدد الساحات والتهديدات. فبينما تتطلب جبهات أخرى مثل لبنان وسوريا والضفة الغربية اهتمامًا أمنيًا متزايدًا، يظل ثقل المعركة متركزًا في غزة. ويشير التحليل إلى أن العملية العسكرية المتواصلة في القطاع تستهلك قدرات ميدانية وميزانيات وذخائر وطاقة بشرية من الجيش، في وقت يجب فيه إعادة توجيه هذه الموارد إلى تهديدات أكثر اتساعًا على مستوى الإقليم، لا سيما في ظل التصعيد المحتمل مع إيران.
وفي السياق ذاته، يحذّر سيبوني ووينر من أن مواصلة الحرب في شكلها الحالي، دون اتخاذ قرار واضح، يؤدي إلى إنهاك جيش الاحتياط الذي يمثل العمود الفقري للقوة البرية في جيش الاحتلال. ويؤكد الكاتبان أن التعبئة المتكررة لوحدات الاحتياط من دون هدف واضح ومن دون رؤية استراتيجية تقوض الروح المعنوية وتُحدث تآكلًا في الجاهزية والدافعية. ويرى التحليل أن جنود الاحتياط مستعدون للقتال إذا شعروا أن هناك تحييد لخطر وجودي، مثل أما استمرار العمليات ضمن حالة من الغموض والتردد السياسي، فهو يُفقد الحرب معناها ويحوّلها إلى عبء طويل الأمد على الجمهور “الإسرائيلي”.
ويذهب التحليل إلى أن البيئة الإقليمية تضيف مستوى آخر من الضغط، مشيرًا إلى أن التوقيت السياسي لـ”إسرائيل” حساس للغاية، خصوصًا في ظل الدعم الذي تحظى به حكومة الاحتلال “الإسرائيلية” من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويذكر سيبوني ووينر أن “إسرائيل” أمام فرصة نادرة لإنجاز عملية حاسمة في غزة، مستفيدة من الغطاء السياسي والدبلوماسي الأمريكي، لكن هذه الفرصة مقيّدة بجدول زمني قصير تفرضه اعتبارات انتخابية داخل الولايات المتحدة، وتحركات دبلوماسية في العالم العربي والاتحاد الأوروبي، والمفاوضات النووية مع إيران. ويعتبر التحليل أن فشل “إسرائيل” في اتخاذ موقف نهائي في غزة، في ظل هذه الظروف المواتية، سيؤدي إلى تآكل الدعم الدولي ويُضعف موقعها التفاوضي في ملفات أخرى.
ويلفت التحليل إلى أن الحديث عن فرص لتوسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية مثل السعودية والإمارات لا يمكن فصله عن واقع ما يجري في غزة. فالدول العربية، حتى تلك التي طَبّعت علاقاتها مع “إسرائيل”، تُتابع ما يجري في القطاع وتخشى من أن يؤدي تصعيد واسع أو عمليات مفرطة إلى اضطراب إقليمي، ما قد يُهدد مستقبل هذه الاتفاقيات. ومن هنا، فإن التأخر في حسم المعركة لا يترك أثرًا سلبيًا على الجبهة الداخلية فقط، بل قد يُقوض تحالفات “إسرائيل” الإقليمية ويُدخل العلاقة مع البيت الأبيض في مرحلة توتر، خاصة إذا ما استمر الضغط الدولي لإدخال المساعدات أو لوقف العمليات العسكرية.
ويرى الباحثان أن جوهر الأزمة يتمثل في الانقسام داخل النخبة السياسية والعسكرية “الإسرائيلية” حول طبيعة “النصر” الممكن في غزة. إذ تتبنى فئة من الساسة والقادة الأمنيين رؤية تقول باستحالة القضاء الكامل على المقاومة، وتدعو بدلًا من ذلك إلى استراتيجية تقوم على الانفصال، وبناء جدران دفاعية، وتعزيز الردع. في المقابل، يرى فريق آخر، يضم سيبوني ووينر، أن النصر الحاسم ممكن، وأن القضاء على سلطة حماس ليس فقط هدفًا مشروعًا، بل ضروريًا لتغيير الواقع الأمني بشكل دائم.
ويخلص التحليل إلى أن “إسرائيل” أمام مفترق طرق: إما اتخاذ قرار حاسم بشن عملية برية واسعة، وإما الانزلاق إلى حالة من التآكل الاستراتيجي، حيث تستمر العمليات العسكرية بلا هدف واضح، وتستنزف “إسرائيل” في مواجهة مفتوحة تُضعف مكانتها داخليًا وخارجيًا. ويحذر الكاتبان من أن الوقت ليس في صالح “إسرائيل”، وأن استمرار التعثر والتردد سيقود إلى فقدان القدرة على المبادرة، وربما أيضًا إلى تغيير موقف الدول الداعمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.