اخبار الإمارات

هكذا يتحدى ترامب نخب أمريكا؟

بين محاولاته لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وخوض معاركه مع القضاة، وإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا الأسبوع بزيارة إلى مركز جون إف كينيدي للفنون المسرحية في واشنطن، وهي زيارته الأولى منذ أن نصّب نفسه رئيساً جديداً للمركز.

وقد تعهد ترامب بتطهير أحد أبرز المراكز الفنية في الولايات المتحدة من “الأجندات المستيقظة”، و”عروض السحب”، و”غيرها من الدعايات المناهضة لأمريكا”، متوعداً بإطلاق “عصر ذهبي جديد في الفنون والثقافة”.

وقال للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية “إير فورس وان” الأحد: “علينا أن نصحح المسار”.

هجوم واسع على النخبة

تمثل هذه الخطوة جزءاً من هجوم شامل على المؤسسات النخبوية في أمريكا، وهو هجوم صدم الأوساط الليبرالية في البلاد بشدته واتساع نطاقه، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز”.

من هوليوود إلى الأحياء الراقية في نيويورك، يعيش المثقفون الليبراليون حالة من الذهول بسبب عودة ترامب، الرجل القادم من كوينز، والذي يفضل رفقة مقاتلي اتحاد الفنون القتالية المختلطة (UFC) و”نجوم المانوسفير” (المنتمين إلى ثقافة الرجولة الرقمية) على مجالسة رموز الفكر الليبرالي.

في الأسابيع الأخيرة، استهدفت إدارة ترامب جامعة كولومبيا، وحلّت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية  (USAID)، وأغلقت إذاعة “صوت أمريكا”، في خطوة يراها كثيرون بمثابة هجوم ممنهج على معاقل الفكر الليبرالي في البلاد.

ويقول المؤرخ جون غانز، مؤلف كتاب “عندما تحطم الزمن: المحتالون والمتآمرون وكيف انقسمت أمريكا في أوائل التسعينيات”:
“ما أدركه أنصار ترامب هو أن السيطرة على الحكومة وحدها لا تكفي. عليهم أيضاً ممارسة الضغط على معاقل الليبرالية الأخرى، حيث تكمن قوتها الحقيقية في الإعلام والأوساط الأكاديمية”.

استهداف الجامعات والنخب الأكاديمية

وتقول الصحيفة إنه لطالما لجأ المرشحون الرئاسيون إلى مهاجمة النخب لكسب أصوات الناخبين، بدءاً من أندرو جاكسون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. لكنهم عادةً ما يخففون من حدة خطابهم بعد توليهم المنصب. أما ترامب، فهذه المرة لا يكتفي بالكلام، بل يحوّل شعاراته المناهضة للنخب إلى سياسات فعلية.

إجراءاته ضد الجامعات الخاصة المرموقة وغيرها من معاقل الامتياز الأكاديمي تلقى رواجاً بين قاعدته الشعبية، خصوصاً بين الرجال البيض من الطبقة العاملة الذين لا يثقون بالنخب الساحلية. فقد أظهرت استطلاعات الرأي في الانتخابات الأخيرة أن 56% من الناخبين الذين لم يحصلوا على شهادة جامعية صوّتوا لصالح ترامب.

يقول مايك ثاديوس، أستاذ الرياضيات بجامعة كولومبيا ونائب رئيس مجموعة للدفاع عن حقوق أعضاء هيئة التدريس للصحيفة: “هناك فئة من الناس، خاصة في المناطق الريفية، لا ترى أي قيمة في التعليم الجامعي وتريد هدمه تماماً. وهناك آخرون تلقّوا تعليماً نخبوياً، لكنهم يطمحون إلى إعادة تشكيل المؤسسات الأكاديمية وفق رؤية محافظة، عبر تعيين أساتذة ذوي توجهات يمينية في جامعات مثل كولومبيا”.

قطع التمويل الفيدرالي

وكانت جامعة كولومبيا الهدف الأبرز لحملة ترامب ضد “الصحوة”. ففي 7 مارس (آذار)، ألغت إدارته منحاً وعقوداً فيدرالية بقيمة 400 مليون دولار، متهمة الجامعة بعدم اتخاذ إجراءات لحماية الطلاب اليهود من التحرش.

يقول تايلر كاوارد، المستشار القانوني لمؤسسة حقوق الأفراد والتعبير: “هذه رسالة واضحة للمؤسسات: امتثلوا أو ستفقدون التمويل”.

لكن “كولومبيا” ليست الوحيدة، فقد حذرت وزارة التعليم هذا الشهر 60 جامعة وكلية من “إجراءات إنفاذ محتملة” إذا لم تمتثل لقوانين الحقوق المدنية الفيدرالية التي تحمي الطلاب من التمييز على أساس العرق أو الجنسية، بما في ذلك معاداة السامية.

كما أعلنت الإدارة أنها ستعلّق حوالي 175 مليون دولار من التمويل الفيدرالي لجامعة بنسلفانيا بسبب سياسات سمحت للنساء المتحولات جنسياً بالمنافسة في الرياضات النسائية.

الهجوم على وسائل الإعلام

لطالما كانت وسائل الإعلام الليبرالية هدفاً مفضلاً لترامب، حيث يستخدم فريقه الدعاوى القضائية والضغوط التنظيمية لاستهداف المؤسسات الإخبارية التي تنتقده.

ففي ديسمبر (كانون الأول)، دفعت شبكة ABC News مبلغ 16 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير رفعها ترامب ضدها. كما رفع دعوى قضائية ضد شبكة CBS بسبب مقابلة مع كامالا هاريس، زاعماً أنها تم التلاعب بها بشكل مضلل.

ويقول مات غيرتز، رئيس مؤسسة ميديا ماترز من أجل أمريكا: “يحاول فريق ترامب تقويض مصداقية الصحافة، بينما يمارس ضغوطاً على الشركات المالكة لوسائل الإعلام لإجبارها على الامتثال”.

وفي خطاب ألقاه بوزارة العدل الأسبوع الماضي، وصف ترامب قناتي CNN وMSNBC  بأنهما “الجناح السياسي للحزب الديمقراطي”، مضيفاً: “في رأيي، هما فاسدتان تماماً وغير قانونيتين”.

تغييرات جذرية

كما طالت التغييرات أيضاً مركز كينيدي للفنون. فقد ألغى عدد من الفنانين، مثل عيسى راي وفريق المسرحية الغنائية هاميلتون، عروضهم احتجاجاً على التغيير في الإدارة.

ريتشارد غرينيل، أحد الموالين لترامب والذي عيّنه مديراً تنفيذياً مؤقتاً للمركز بعد عودته إلى البيت الأبيض، انتقد المحتوى الفني “المجنون” في السنوات الأخيرة، وأعلن عن عرض جديد ضخم في ديسمبر (كانون الأول).

وقال غرينيل ساخراً خلال مؤتمر العمل السياسي المحافظ الشهر الماضي: “نحن ننظم احتفالاً ضخماً بميلاد المسيح. من الغريب أن نحتفل بالمسيح في عيد الميلاد، أليس كذلك؟”.