أم كلثوم

هل كان ذلك المؤذن الطيب في ذلك المركز النائي من محافظة الدقهلية يعلم أن ابنته التي تغني القصائد والتواشيح الدينية ستغدو بعد عقود كوكباً للشرق؟ لقاء واحد مع الشيخين (زكريا احمد) و ( ابو العلا محمد) عام 1916 كان بداية انتقالها إلى القاهرة، وبداية صعودها الدرجة الأولى من سلم المجد؛ ليعبر رياض السنباطي حياتها بعد ذلك بسنوات وتصبح تلك البداية تاريخاً يسستمر أربعين عاماً، ويتوالى الملحنون من بعده، ليصنعوا معها أسطورة الحب والمجد.
ذوقها الرفيع في اختيار كلمات أغانيها وتبديل بعضها يشهد لها انها لم تكن مطربة أصيلة فحسب؛ بل أديبة ذواقة من طراز رفيع؛ يذكر مثلاً أنها استبدلت قولها (نعم انا مشتاق) بقول أبي فراس (بلى أنا مشتاق) كرهت الإيحاء الذي تحمله كلمة (بلى)، وحين غنت (أنت عمري) استبدلت (رجعوني عينيك) بقول أحمد شفيق كامل
( شوقوني عينيك) لأنها كرهت (وعورة) حرف الشين على مسامع جمهورها، لا بل كانت صاحبة موقف؛ إذ رفضت حذف كلمة (الاشتراكيون) قي قول شوقي :
(الاشتراكيون أنت أمامهم) …. كانت تلك رغبة القصر الملكي حين علا نجم اليساريين، بعد سنوات غنت أم كلثوم من شعر إبراهيم ناجي قصيدة (الأطلال) حذرها بعض النقاد من صعوبة القصيدة الغنائية، فلربما استعصت على ذوق العامة، ولكنها راهنت على نجاحها، فكانت الأطلال واحداً من مئة عمل هي الأفضل في القرن العشرين… توالت نجاحات أغاني أم كلثوم بعد (الأطلال) كما تتالت قبلها.
في نهاية ينايرمن عام 1975 رقدت أم كلثوم تصارع مرض الكلى لتسلم الروح إلى بارئها
في القاهرة ظهرالروائي يوسف السّباعي ليلقى النبأ وينعيها ولكن لم ينع تاريخاً من المجد خلفته وراءها، هو الخالد في فوضى صناعة النجوم الذين يريدون في أشهر ما صنعته أم كلثوم في عقود، أما الأمير عبد الله الفيصل الذي غنت أجمل قصائده: (من أجل عينيك عشقت الهوى) و(ثورة الشك) فقد أرسل بعضاً من ماء زمزم من الأراضي المقدسة واجباً أخيراً يليق بالمناسبة والفقيدة.
صحيفة التايمزقالت: إنها من رموز الوجدان العربي الخالدة ، صحيفة ألمانية كتبت: إن مشاعر العرب اهتزت من المحيط إلى الخليج، أما الصحف العربية فقد رددت النبأ في الصفحات الأولى، بينما سيطر الوجوم على العرب؛ كانوا يعرفون أنهم فقدوا رابطاً حقيقياً بينهم, وفقد العالم العربي نجمة في سمائه؛ ولا أحب لقب (كوكب الشرق) الذي أطلق عليها؛ ذاك ان الكوكب معتم في ذاته، وتضيؤه نجمة، هكذا كانت أم كلثوم التي تهاوى بوفاتها هرم رابع.
تذكرت كل هذا في الذكرى السابعة والثلاثين لوفاة السيدة ام كلثوم التي تصادف هذا الأسبوع.