الزائر الأبيض

ما زالت رؤوس الجبال في بعض مناطق العالم العربيّ يزينها بقايا الزائر الأبيض الذي شدّ رحاله قبل أيام، لكن لماذا كان للثلج كلّ هذا السحر، لماذا حفلت به القصائد والأغنيات وحكايا الصغار؟ أهو طقس حميم على الرغم من برودته؟ يكفي أن ننظر إلى مجموعة الصور التي التقطت للثلج في يوم واحد لنعلم أنّ ثمة شعوراً مختلفاً: رجل الثلج، وامرأة الثلج، وآخر يعتمر كوفية، ورابع من صوف أبيض يحاكي فيه صانعه رجل الثلج، وقد تغنى هؤلاء أيضاً بالإجازة التي ترافق الثلج، وتغنوا بالشاي على الحطب الذي وصفوه بأنه (دفا وعفا ومزاج رايق)، ولعلهم جميعاً في غمرة هذا (الكرنفال) نسوا ما يصاحب الثلج من وفيات وكوارث يسببها سوء التنظيم وعدم القدرة على مواجهة الأزمات فضلاً عن إدارتها في بلادنا.
لكن ماذا عن المناطق التي لم يكن لها نصيب من الثلج؟ صديقتي التي تسكن غور الأردن اخفض منطقة في العالم صنعت تمثالا من تراب. وقالت كل واحد حر برجله ال…. ي. وكأنها تركت لنا أن نكمل: الثلجي، الترابي، وربما الحديدي؟
صديقتي خفيفة الظل التي تقيم مثلي في منطقة الخليج أغاظتها صور الثلج على صفحات الأصدقاء في (الفيس بوك)؛ فلم يكن منها إلا أن أرسلت لهم صورة كرة برتقالية بلون الفرح تمد لهم لسانها، لتغيظهم كما أغاظوها.
ولكن ثمة من ذهب في العمق وتساءل عن الرسالة التي يأتي بها الثلج: (حيّ على البياض) التي تدعو إلى أن نلون قلوبنا وسرائرنا بلون النقاء، ونعطرها بالمغفرة والتسامح؛ لتغدو حياتنا أبهى، نفيض من بهائها على الآخرين نقاسمهم الحب والبياض، ولعل ثمة رسالة اخرى يقولها الثلج الذي هطل بالأمس وذاب اليوم: لا تكن وعودكم مثلي تذيبها حرارة الشمس، ولا تكن همتكم مثلي يشحذها الليل ويبطلها النهار؛ بل كونوا كرة من فولاذ لا يزيدها الزمن إلا صلابة، أو من ذهب تزداد مع الزمن قيمة وعراقة؛ فمع الثلج تذوب حكايات، وتسفح على أعتاب الشمع دموع، وتبقى الآهة مكتومة كلؤلؤة في محارة…هو مهرجان فرح يهدي للنفوس النقية جمالا آخر لأنه يشبهها.
أما أنا التي لم أر الثلج منذ سنين فكم تمنيت أن أكون تلك الغيمة الطيبة أعيش الشوق والانتظار، لا أمل البحث عن تلك الصبية التي تمنح الحياة أسبابها، وربما تمنيت أن أكون تلك القطرة التي تحلم بيوم تصعد فيه إلى السماء…. هي متوالية الحياة التي تصنع الحب بألوان قوس قزح … بألوان الفرح …