منوعات

عن نيسان والكذب

تختلف الروايات التي تفسر ارتباط الأول من نيسان بالكذب، ولا يعرف التاريخ الحقيقي لكذبة نيسان، وكل هذه الروايات غير مؤكد ولا مثبت بحقائق؛ إذ يرى بعض الدارسين أنها قادمة من فرنسا، حين أعاد الملك شارل التاسع بداية التقويم الميلادي من الأول من نيسان إلى الأول من يناير، فأخذ الذين أيّدوا التّغيير يرسلون الهدايا الكاذبة، كأن يرسلوا في علب جميلة قطعاً من الحلوى الممزوجة بالملح والخل لأولئك المعارضين للتّغيير، أو يرسلوا إليهم رسائل من أشخاص وهميين، وكان الهدف هو إغاظة المتّمسكين بالتقويم القديم، ومن هنا ولدت كذبة أول نيسان وغزت العالم، وقد أطلق عليها الفرنسيون اسم (سمكة نيسان) ولعل في ذلك إشارة بحسب اعتقادهم إلى أن الشمس في أول نيسان تخرج من برج الحوت (الذي يرمز إليه بالسمكتين)… وثمة روايات أخرى معظمها يتفق على أن للأمر علاقة بتحويل التقويم الذي أشارت إليه الرواية السابقة من نيسان إلى يناير.

لسنا معنيين بالتّأريخ للكذب؛ فما يعنينا أن للصدق ألواناً زاهية هي ألوان الزّهر في ربيع نيسان، أو ألوان قوس قزح في ذات أصبوحة خيّرة جادت بديم الغيث، فأنبتت شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ أما الكذب فهو كذب وحسب بلون قاتم كالقطران، ومرّ كالحنظل، وخشن كالشّوك يدمي اليد والقدم والقلب، وإن تنوّعت صوره ومصادره، وتعدّدت أنواعه وأسبابه.

حين تذكر المروءة لا مكان للكذب؛ فلا يكون المرء كاذباً وإن حمل كلّ النقائص، وحين يذكر الحب فإن الكذب قرين الخيانة، ورفيق الظلام وخفافيش الليل، وعدو الجمال، فليس الكذب ملحاً للرجال ولا للنساء؛ وليس بعد الكذب فضيلة؛ ذاك أن الكذب أبو الرذائل وأمها.

ولنتذكر أن كذبة نيسان للدعابة والمرح فحسب؛ وليس الكذب مناسبة للاحتفال، أو تبادل الهدايا، أو تعطيل الدّوام الرّسميّ، والرّكون إلى الدّعة والكسل؛ الأمر الذي برعنا فيه نحن العرب كلما لاح طيف مناسبة من بعيد.. إنه مناسبة لليقظة، وليس كما قال مارك توين: “الأول من نيسان هو اليوم الذي نتذكر فيه من نحن خلال 364 يوماً من السنة”

سنجعل من نيسان عنواناً للربيع والدحنون والزعتر، ولن نزعج السنونو ولا النّوارس التي هاجرت من ظلم الأوطان فتجشّمت المسافات؛ لتحظى بشواطئ ترك المحبّون على رملها قطعاً من أحلامهم، وبعضاً من عهودهم، ولتكن ليالي نيسان ليالي للحلم والفرح وبصيص أمل يلوح في الأفق مع إشراقة شمس الصّباح…… صباحكم الشّذا من زهر نيسان لا من كذبه… مساؤكم الصّدق أيّها الطّيبون.