في ذكرى النّكبة

“ولدت وفي يدي بطاقة للتموين، وعلى دفتري شعار الأمم المتحدة، وفي درج النّملية العتيقة في بيت المخيم ما زال مفتاح بيتنا القديم؛ نمنّي النفس بآمال العودة .. مات أبي وماتت أمي، ورث شقيقي الأكبر الذي كبر في خيمة اللجوء النّملية والمفتاح، مات شقيقي وما زال المفتاح في النّملية العتيقة…”
هذا ما كنت أردده طوال الأمس في الذّكرى الرابعة والستين لنكبة فلسطين.
ومضى نهار أخر على نكبتنا…فمتى سيأتي فجر عودتنا؟ ذاك سؤال آخر كنت أردده مع بعض الأصدقاء، وخلف السؤال أحلام اللاجئين التي كبر كثير منها وأصبحت مشاريع للخلاص الفرديّ، حين تفرق أهلها في أصقاع الأرض، وكثير منها امتزج بالطين في زقاق المخيم، وطار أدراج الرياح، أعني رياح الانتظار عند اولئك الذين احترفوه مع الحزن.
كعادتنا دوماً نتبادل الأغاني والأناشيد والشعارات في المسيرات والمظاهرات عن أكذوبة
” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” لن يصدأ المفتاح فهو الحق الذي يرثه الأبناء عن الآباء، هذا ما هتفت به بيني وبين نفسي حين رأيت أطفالاً في المسيرات لم يتجاوز أحدهم الخامسة من عمره، منظر الأطفال كان يؤكّد أن هؤلاء الغرباء هم الدّخلاء على شعب صنع حضارة وأسطورة صمود، مشهد يترجم عكس ما أراد قادة العدو: نعم الكبار يموتون لكنّ الصغار لا ينسون.
قبل بضعة أعوام وقفت في ذكرى النكبة على قلعة أم قيس في مدينة إربد شمال الأردن، لا أدري ما الشعور الذي داهمني حين نظرت إلى الأفق البعيد ولمحت رذاذاً، وغلالة من الضوء تغلف الأفق البعيد، قيل لي إن ما ترينه هو بحيرة طبريا، خلت لأول وهلة أنها صورة من العالم الآخر .. كان الذي داهمني ساعتئذٍ شعورعاشقة شفّها الوجد وتحرّقت للقاء، كنت كمن وقف على الأطلال حين كانت أسراب اليمام كحرّاس من الملائكة تطير صوب الفردوس المشتهى… من قال إن للمدى حداً…
“طعم ذكرى النّكبة هذه المرة مختلف، ربما لأن الرّبيع العربي بات أحمر” هكذا علق بعض الأصدقاء حين سألت: ما الذي تغير سوى أننا أضفنا رقماً جديداً لعدد السنين؟ ربما أيضاً لأن قضية الأسرى الفلسطينييين لم تحسم بعد؛ فطعامهم ماء بطعم الحياة، وملح بطعم العذاب، كأنهم يقدمون قصيدة للإصرار والعزم: عاجزون نحن أمام إرادتكم، وكم نحن أقزام أمام قاماتكم!.
وتظل مقولة درويش أنشودة حب وترنيمة مجد:
“على هذه الأرض ما يستحقُ الحياة:
على هذه الأرض سيدةُ الأرض،
أم البدايات أم النهايات،
كانت تسمى فلسطين،
صارت تسمى فلسطين”
معاً على فرح الفاء، وألق النون في فلسطين نحيي ذكرى النّكبة لعل اللقاء يكون قريباً قريباً ….صباحاتكم ومساءاتكم أوطان جميلة مزنرة بالحرية والعدالة.