تكنولوجيا

إدارة الطيران الأمريكية تخطط لفرض رسوم على شركات الفضاء مثل SpaceX

تتحرك إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) نحو تبني نهج جديد في تنظيم قطاع الفضاء التجاري، من خلال مقترح لفرض رسوم مالية على الشركات الفضائية مقابل استخدام المجال الجوي أثناء عمليات الإطلاق والعودة من الفضاء. يندرج هذا التوجه ضمن مشروع قانون شامل قدّمه السيناتور الأمريكي تيد كروز، ويهدف إلى توفير مصادر تمويل مستدامة لمكتب النقل الفضائي التجاري التابع للوكالة، الذي يعاني من محدودية الموارد رغم التوسع السريع في نشاط الفضاء الخاص.

تسارع وتيرة الإطلاقات الفضائية

شهد قطاع الإطلاقات الفضائية في الولايات المتحدة قفزة هائلة خلال السنوات القليلة الماضية. ففي عام 2015، رخصت إدارة الطيران الفيدرالية 11 عملية إطلاق وهبوط فقط. أما في عام 2024، فقد بلغ عدد العمليات المرخصة 164 عملية، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا العدد 200 عملية خلال عام 2025. تتصدر SpaceX المشهد من خلال صواريخ Falcon 9 التي تُستخدم بكثافة في إطلاق أقمار Starlink وغيرها من المهام التجارية.

فرض هذا النمو الكبير تحديات إضافية على قدرة FAA في مواكبة الطلب، لاسيما أن المكتب المكلّف بتنظيم عمليات الإطلاق لم يحصل على زيادة مالية كافية. فبينما تضاعف عدد الإطلاقات، ظل التمويل يتراوح حول 42 مليون دولار في الأعوام 2024 و2025، وهو رقم قريب من ميزانية عام 2021 بعد احتساب التضخم، ما يعني فعلياً انخفاضاً في القدرة التشغيلية.

تفاصيل الرسوم المقترحة

ينص مشروع القانون الجديد على فرض رسوم تدريجية تبدأ في عام 2026 بمعدل 25 سنتاً لكل رطل من الحمولة، وتزداد تدريجياً لتصل إلى 1.50 دولار للرطل بحلول عام 2033. وبموجب المقترح، سيتم وضع حد أقصى للرسوم يصل إلى 30 ألف دولار لكل عملية إطلاق أو عودة في عام 2026، ويرتفع هذا السقف إلى 200 ألف دولار بحلول 2033، مع مراعاة التغيرات في التضخم بعد ذلك.

سيتم جمع هذه الرسوم في صندوق خاص لدعم العمليات التنظيمية لمكتب النقل الفضائي التجاري، ما سيساعد على توسيع طاقمه وتحسين بنيته التحتية لمواكبة النمو الهائل في عدد الإطلاقات، وضمان سلامة المجال الجوي الوطني الذي يشهد ازدحاماً متزايداً.

من سيدفع الفاتورة؟

تُعد شركة SpaceX الأكثر تأثراً بهذه الرسوم المحتملة، نظراً لأنها تُنفذ الغالبية العظمى من عمليات الإطلاق في الولايات المتحدة. فمثلاً، تحمل مهام Starlink عادة ما يقارب 37,500 رطل من الحمولة القابلة للاستخدام. وبحسب الحسابات الأولية، ستدفع الشركة قرابة 9,400 دولار لكل إطلاق اعتباراً من عام 2026، وهو ما قد يتجاوز مليون دولار سنوياً إذا شملنا جميع عملياتها التجارية. أما بحلول عام 2033، فقد تقفز هذه الرسوم إلى نحو 56 ألف دولار للإطلاق الواحد، أو تصل للحد الأقصى البالغ 200 ألف دولار في حال استخدام صواريخ Starship الجديدة.

موقف إدارة ترامب والشركات الفضائية

في الوقت الذي لم تعلن فيه إدارة ترامب موقفاً رسمياً من المقترح، أبدى بريان بيدفورد، المرشح لرئاسة FAA، دعماً عاماً للفكرة خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ. وأوضح أن مستخدمي المجال الجوي، مثل شركات الطيران والمسافرين، يسهمون في تمويل البنية التحتية من خلال ضرائب ورسوم، بينما لا تدفع شركات الفضاء أي مقابل، رغم تأثيرها المتزايد على إدارة المجال الجوي.

من جهتها، لم تُصدر SpaceX أي تعليق رسمي بشأن الرسوم، في حين أبدت شركة United Launch Alliance، وهي ثاني أكبر مُشغّل لإطلاقات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، موقفاً أكثر اعتدالاً. وقالت إنها لا تمانع فرض رسوم بشرط أن تكون منصفة، ولا تضع الشركات الأمريكية في موقف تنافسي ضعيف أمام الشركات الأجنبية.

انقسام داخل القطاع الفضائي

يشهد القطاع الفضائي انقساماً في الرأي حيال الرسوم المقترحة. فبينما يدعم البعض، مثل مسؤولين سابقين في FAA، مبدأ فرض رسوم عادلة لتأمين تمويل ذاتي للوكالة، يرفض آخرون هذه الفكرة خشية أن تؤدي إلى تباطؤ في نمو القطاع. كما سبق أن صرّح اتحاد الطيران الفضائي التجاري، الذي يضم في عضويته شركات مثل SpaceX وBlue Origin، بأن فرض الرسوم في هذه المرحلة غير مناسب، لأن الشركات الفضائية لا تستخدم المجال الجوي بكثافة تضاهي قطاع الطيران.

الفضاء… لم يعد مجانياً
تؤكد التصريحات الصادرة من مجلس الشيوخ والإدارة الأمريكية أن عصر الإعفاء من الرسوم لشركات الفضاء ربما شارف على نهايته. فقد باتت الرسالة واضحة: من يستخدم المجال الجوي، عليه أن يسهم في تكاليف تنظيمه. وقد يعيد هذا التحول تشكيل العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والقطاع الفضائي التجاري، ويعيد توزيع الأعباء بما يتناسب مع النمو الذي يشهده هذا القطاع الحيوي.

ومع أن الشركات الرائدة مثل SpaceX تتمتع بهوامش ربحية عالية وقدرات تقنية متقدمة، إلا أن فرض رسوم إضافية قد يضيف أعباء مالية جديدة، خصوصاً في ظل المنافسة الدولية المتزايدة. وفي النهاية، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستدفع SpaceX وشركات الفضاء الأمريكية الثمن مقابل احتلالها للسماء؟ أم ستسعى لتعديل المعادلة قبل إقرارها رسمياً؟

?xml>