برنامج الإِقامة الفنية «البلد» تعزيز لريادة الأعمال الفنية السعودية وتحفيز المبدعين
أطلقت وزارة الثقافة السعودية النسخة الثانية من برنامج الإقامة الفنية «البلد»، في جدة التاريخية بدعمٍ من برنامج «جودة الحياة»، أحد برامج «رؤية 2030». ويعدُّ من أبرز البرامج الفنية وأكثرها تميُّزاً في الوطن العربي، ويهدف إلى تعزيز ريادة الأعمال الفنية السعودية، وتحفيز المبدعين وتطوير شغفهم وممارساتهم الإبداعية داخل البلاد وخارجها، وشهد البرنامج في دورته الثالثة التي استمرَّت ستة أسابيع متواصلة على حزمةً من الأنشطة بمشاركة عدد من الفنانين والقيِّمين الفنيين والكُتَّاب والنقّاد ومؤرخي الفن من السعودية وخارجها. مجلة «سيدتي» واكبت الحدث، والتقت عدداً من الفنانين السعوديين والعالميين المشاركين في فعالية «الأستديو المفتوح» في دورته الحالية.
الرياض | محمود الديب Mahmoud Aldeep – عبير بوحمدان Abeer Bu Hamdan
تصوير | علي خمج Ali Khamaj
رؤى فنيةٌ
أشواق خجا: التجربة كان لها مردود هادف، خاصة أنها أقيمت في بيئة تحتوي على مخزون وافر من الرؤية البصرية
«تجربتي في الإقامة الفنية، في مدينة جدة، كانت فريدةً وممتعةً ومميزةً في كل التفاصيل التي عشناها طوال مدة الإقامة، وأثارت حماستي، وأتمنى أن أكرِّرها مرَّات عدة». هكذا بدأت أشواق خجا، فنانة تشكيلية سعودية ومدربة في فن الخزف، حديثها، مضيفةً «تعلُّمت، واكتسبت مهاراتٍ وأفكاراً ورؤى فنية جديدة مختلفة نوعاً ما عن تلك التي اعتدت على نهجها في أعمالي طوال سنوات عملي في فن الخزف»، موضحةً أن «تجربة الإقامة الفنية أسهمت في تطوير الفن لدى المشاركين عامةً، والفنانين السعوديين بشكلٍ خاص، فقد شكَّلت حاضنةً مثاليةً لتبادل الأفكار والتجارب والمفاهيم والرؤى الفنية في مختلف التخصُّصات المطروحة، بحكم مشاركة عديدٍ من الفنانين فيها من دولٍ مختلفة حول العالم، كما أتاحت للمشاركين الاستفادة من شتى أنواع الفنون، سواءً النحت، أو الفن التشكيلي، أو الفوتوغرافي، أو الرسم، أو الجرافيتي، وكل ما له علاقةٌ، أو يرتبط بصلةٍ بالفنون».
وحول تأثير هذه التجربة على الفنانين، قالت أشواق: «التجربة كان لها مردودٌ هادف، خاصةً أنها أقيمت في بيئةٍ تحتوي على مخزونٍ وافر من الرؤية البصرية، وهي منطقة البلد بجدة التاريخية، التي تضمُّ كثيراً من الآثار، وتزخر بالرؤى البصرية، والأفكار الفنية، والحضارة العريقة في هذه المنطقة الحجازية، ما كان له أثرٌ كبيرٌ، سيظهر على المدى القريب لتبني أفكارٍ جديدة، وتقديم إبداعاتٍ فنيةٍ مختلفة من قِبل المشاركين كلٌّ حسب مفهومه ورؤيته الفنية ونهجه الإبداعي».
تابعي المزيد: معرض “إعجاز” لفن الخط العربي:9 خطاطين و56 لوحة للاحتفاء بهويتنا العربية
اكتشافُ التّراث
كوثر سمارن: ما تعلمته في هذه التجربة سيؤثر إيجاباً في ملامح مسيرتي الفنية ومحاولاتي المقبلة
وصفت كوثر سمارن، الفنانة البصرية متعددة الوسائط، تجربتها في الإقامة الفنية بالمميَّزة، مؤكدةً أنها «بمنزلة إعادة النظر في الأشياء المعتادة بوعي مختلف»، وقالت: «بالنسبة إلي لطالما كانت منطقة البلد مجرد منطقةٍ تاريخيةٍ في جدة، تحتوي على رواشين جميلة، وآثارٍ قديمة، لكنَّ تلك النظرة تغيَّرت خلال فترة الإقامة الفنية، التي استمرَّت ستة أسابيع متواصلة، قضيتها في هذه المنطقة العريقة؛ إذ قادتني إلى اكتشاف خباياها وأسرارها من خلال الاستماع إلى حكاوي أهلها، والعيش مع نمط الحياة البسيط الخاص بها، والتنقُّل يومياً لاكتشاف مزيدٍ من الأزقة والبيوت القديمة»، مضيفةً «هذا الأمر ساعدني في إعادة فهم ما تعنيه منطقة البلد، وإيجاد الترابط السري بين انتمائي لها بوصفها جزءاً من مسقط رأسي، وبين عملي فنانة».
وتابعت كوثر: «ناقشت في عملي الخاص بالإقامة أهمية نقل وتوثيق هذه القصص، أو ما أحبُّ تسميته باللهجة العامية لسكان جدة الحكاوي، لا سيما صمود المشهد التاريخي للبلد إلى اليوم، فكل ما حولنا من أشخاصٍ ومنازل وعادات موروثة وأطعمة عبارةٌ عن حكاو، تتجسَّد بأشكالٍ ومفاهيم مختلفة، مسلطةً الضوء على ارتباطها بالبحث عن هوية المكان، وكيف يمكن للمفاهيم غير الملموسة، مثل الحنين والذاكرة الجمعية الخاصة بأهلها أن تساعد في بقاء جذور هذه الهوية متأصِّلةٍ في زوايا البلد، إلى جانب الممارسة الفنية».
وشددت على أن «هذه التجربة، كان لها النصيب الأكبر في وضع أساسيات المرحلة المقبلة من مسيرتي المهنية، فخلال مدة الإقامة وجدت نفسي أقوم بعمليات بحثٍ وقراءةٍ مستمرة، وأجري مقابلاتٍ مع سكان البلد، وأعيد صياغة المعلومات التي أحصل عليها؛ ما ساعدني في إثراء مهاراتي البحثية الفنية، التي استطعت من خلالها وبسهولة اختيار الخامة المناسبة الخاصة بتنفيذ العمل بشكلٍ دقيق وأكثر ملاءمة مع ما تشبَّعته من وعي ومشاعر وذكرياتٍ جديدة حتى تصل إلى الجمهور المطلوب. وعلى الجانب الآخر، كان لتبادل الحوارات والنقاشات اليومية مع بعضنا، واطلاعي على أساليبهم وممارساتهم المتنوعة، وكيف أسهمت في اختلاف طريقة إعادة صياغة كل فنانٍ حكاوي البلد التاريخية، ترك أثراً كبيراً في توسيع مداركي الفنية. إلى جنب الالتقاء بفنانين معروفين، مثل الرائد ضياء عزيز، والفنان والخطاط ناصر السالم، وساعدت هذه المقابلات في إثراء مخزوني الفني، وتبادل النصائح الفنية المثمرة والعميقة، لذا أستطيع التأكيد أن ما تعلَّمته في هذه التجربة، سيؤثر إيجاباً في ملامح مسيرتي الفنية ومحاولاتي المقبلة، وأعتقد أن تجربة الإقامة الفنية، كانت لها قيمةٌ ثقافيةٌ وفنيةٌ كبيرة، وعلى الرغم من أن مفهوم الإقامة الفنية لا يزال في بداية توهجه في السعودية، فإننا وجدنا تنوعاً كبيراً، ودقةً في اختيار الفنانين السعوديين والأجانب المشاركين في الحدث، لتبادل الأفكار بهدف تطوير الفن السعودي».
وفي ختام حديثها، أكدت كوثر، أن «ما وصل إليه الفن التشكيلي من أوجه تقدمٍ ومعاصرة، وتغلغل الأعمال الفنية في بيئة وثقافة المجتمع، سيمكِّنان الفنان السعودي من إعادة سرد الحكاوي لمجتمعه والعالم بعمقٍ وقيمةٍ أكبر، تؤثر في المشهد الفني الحقيقي، وتجعل الملتقى في محاولةٍ مستمرةٍ للبحث عن كل جديدٍ من خلال الأعمال الفنية».
تابعي المزيد: إطلاق «نور الرياض» بمشاركة 130 فنانا سعوديا وعالميا وأكثر من 500 فعالية
اختصارُ الزمن
خالد العنقري: وزارة الثقافة السعودية تعمل بجدّ وسرعة لإبراز الجانب الثقافي للبلاد عبر بوابة الفنون التشكيلية
عدّ خالد العنقري، نحات وتشكيلي سعودي، نفسه من الفنانين المحظوظين، ملخِّصاً تجربته بالقول: «على مدى ستة أسابيع أتيحت لي الفرصة للتعرُّف إلى فنانين من إنجلترا والمكسيك والأرجنتين والمغرب، إضافةً إلى مجموعةٍ متميِّزةٍ من التشكيليين السعوديين»، مشيراً إلى أن «وزارة الثقافة السعودية تعمل بجدٍّ وسرعة لإبراز الجانب الثقافي للبلاد عبر بوابة الفنون التشكيلية، مضيفاً: «أسهمت الإقامة الفنية في معايشتنا مجموعةً من الفنانين من دولٍ عدة، والعمل خارج إطار البيئة الاعتيادية، مع توفير التمويل والإمكانات اللازمة للفنانين للاستثمار الأمثل لقدراتهم ومهاراتهم، وخوض تجارب جديدة في بيئةٍ ذات طابعٍ ثقافي وحضاري، والتعامل مع خاماتٍ فنيةٍ جديدة». وأشار إلى أن هذه التجربة «لاقت هوى كبيراً في نفسي بوصفي نحاتاً سعودياً متخصِّصاً في النحت على الرخام والصخور؛ إذ وجدت فيها فرصةً لاختصار الزمن، والعمل على تطوير مشروعاتٍ بحثيةٍ وإبداعيةٍ متعلقةٍ بالفن، واستثمار فرص عملٍ، جنباً إلى جنب مع المهنيين والخبراء والفنانين المحليين والدوليين، من خلال خلق بيئةٍ ديناميكيةٍ للنمو النقدي والتقني والمهني ضمن نموذج التبادل التعاوني، والوجود المستمر مع مستشارٍ فني وقيِّم ثقافي، أثرت تجربتي وأسلوبي الفني في زمنٍ قياسي».
تابعي المزيد: مهرجان شفت 22 للجداريات..إبداعات بصرية معبرة وملهمة
الفنُّ السعوديُّ
أسماء حسن الفقيه: للإقامة الفنية دور مهمّ في تطوير الفن بشكل عام، والفنون التشكيلية خاصة
أثنت أسماء حسن الفقيه، أكاديمية وناقدة سعودية، على تجربتها مع فنانين من مدارس فنية متنوعة بشكل مباشرٍ، «فأنا بوصفي باحثةً اعتدت على العمل على دراسة الأعمال الفنية من أدبٍ وأفلامٍ بمعزل عن الفنان ذاته، لذا أعدُّ التعامل مع الفنانين بشكلٍ مباشرٍ وشخصي تجربةً جديدةً وفريدةً من نوعها، جعلتني أكتسب منظوراً جديداً وفهماً مختلفاً في دراسة الأعمال الفنية، إضافةً إلى توفير الوقت والمساحة والموارد التي أحتاج إليها في العمل على مشروعي البحثي»، كاشفةً عن أن «جميع تفاصيل الإقامة دفعتني للتطور على المستويين المهني والشخصي، من خلال مساعدتي في توسيع مجالات اهتماماتي البحثية، وتسهيل جمع المعلومات، والتواصل مع ذوي الخبرة والمهتمين بالمجالات الفنية من فنانين وغيرهم».
وحول أهمية التجربة قالت أسماء: «بالتأكيد، للإقامة الفنية دورٌ مهمٌّ في تطوير الفن بشكلٍ عام، والفنون التشكيلية خاصةً، فهي لا تستهدف الفنانين فقط، بل تشمل بمظلتها المؤرخين والنقاد والباحثين مثلي، وهذا يعكس إدراك القائمين على الإقامة بأهمية الدور العلمي والأكاديمي الذي يؤديه الباحثون في تطوير الفن، من خلال رصد الأعمال، وتحليلها، وتوثيقها، والاحتفاء بها، إضافةً إلى نقدها وتسليط الضوء عليها، بالتالي تطوير عملية ممارسة الفنون، وفهم أبعادها، وأهميتها، وتأثيرها في الجمهور المتلقي، وبالمجمل استيعاب السياق الثقافي الفني السعودي، وتعزيز جودة مخرجات الفن في البلاد».
تابعي المزيد: بأكثر من 190 عمل فني و500 فعالية.. نور الرياض يثري المشهد الثقافي والفني في السعودية
ظاهرةٌ إيجابيةٌ
محمود مانينغ: آمل أن يكون لمساهمتنا الصغيرة تأثير في تطوير الفنون داخل السعودية
أكد محمود مانينغ، الفنان التشكيلي البصري والعمراني البريطاني، الذي أكمل أخيراً تصميم وبناء مسجدٍ في السعودية، كما صمَّم «قريةً بيئية» في الموقع نفسه، أن «الإقامة الفنية مكَّنته من إجراء تبادلٍ ثقافي كبير»، وقال: «أراها ظاهرةً إيجابيةً ومهمة، فالشعوب العربية ودودةٌ ومطلعةٌ ومرحِّبةٌ ومضيافة، ومبادراتٌ مثل هذه تساعد في التغلب على الصور النمطية الدنيوية، والمفاهيم الخاطئة من خلال المشاركة والتعاون»، مضيفاً «البرنامج مكَّن الجميع من اكتساب وجهات نظرٍ أفضل، ومراقبة طرقٍ أخرى للممارسات الفنية»، مؤكداً أن «الطبقات الثقافية، والفلسفة، وطرق صنع واستخدام المواد، كلها تؤدي إلى بيئةٍ غنية»، مشدداً على أن «هذا كان طريقاً منصفاً ذا اتجاهين، وكان الجميع فيه على قدم المساواة، وقد قدَّم الفنانون السعوديون أيضاً طرقاً جديدة للتفكير والعمل والمشاركة، وهكذا أثبتت الإقامة أنها بيئةٌ مشاركة ورعاية تعود بالفائدة على الجميع». وحول أجواء الإقامة الفنية، ذكر مانينغ: «بالنسبة إلى إقامتنا فقد ضمَّت شخصين من أميركا الوسطى والجنوبية، وكانت فرصةً رائعةً حقاً؛ حيث استفدنا من التواصل العالمي الواسع، وآمل أن يكون لمساهمتنا الصغيرة تأثيرٌ في تطوير الفنون داخل السعودية، وهذا يشمل إعادة تأهيل منطقة البلد بمدينة جدة، وأكد الفنان البريطاني أنه «يمكن لمنطقة البلد أن تصبح مثالاً حياً ورائعاً لعرضه وتبنّيه من قِبل عديدٍ من المدن الأخرى، كونها مدينة صغيرة ودائرية وعضوية، تُقدَّم فيها أفضل طرق الحياة التي يمكن اعتمادها في أماكن أخرى من العالم».
تابعي المزيد: في اليوم العالمي للجودة 2022 .. فعل الشيء الصحيح