“الترانسفير” الجديد.. خطة “سموتريتش” لحسم الصراع الصهيوني مع الفلسطينيين
منذ إعلان نتائج انتخابات الكنيست الـ25 واتضاح أوزان الكتل الانتخابية داخل الكنيست، حازت قائمة “الصهيونية الدينية” كل الأضواء بعد حصولها على أربعة عشر مقعدًا حوَّلتها إلى الكتلة الثانية الأكبر في الائتلاف الحكومي الجديد الذي يقوده “بنيامين نتنياهو”.
“قائمة الصهيونية الدينية” تحالفٌ بين ثلاثة أحزاب يمينية متشددة: حزب “تكوما” (أو الاتحاد القومي) الذي يترأسه “سموتريتش” والذي حصل على سبعة مقاعد من ضمن أربعة عشر مقعدًا، وحزب “قوة يهودية” (“عوتسما يهوديت”) الذي يترأسه “بن غفير” والذي حصل على ستة مقاعد من ضمن أربعة عشر مقعدًا، وحزب “نوعم” برئاسة “آفي معوز” والذي حصل على مقعد واحد.
يُعَدُّ الاتحاد القومي “تكوما” التيارَ الأكثرَ تطرفًا داخل “الصهيونية الدينية”، وهو التيار “الحردلي”، و”الحردلية” تيارٌ يَجمع ما بين ثلاث هويات: سياسيًّا هو تيار صهيوني، ودينيًّا هو تيار متزمت جدًّا ويستند إلى التوراة كمصدر تشريع شبه وحيد، وثقافيًّا هو منغلق جدًّا معادٍ لقيم الحداثة والمساواة واحترام الآخر ويرفض الاختلاط بين الجنسين وفي العديد من تصرفاته يبدو سلفيًّا يحاكي أسلوب حياة اليهود القدماء.
ملامح مسيرة “سموتريتش”
يُعَدُّ “سموتريتش”، النجم الشاب الذي تقدَّم لقيادة حزب “تكوما” بعد ترأس (أوري أريئيل) له على مدى عقدين (19992019)، الذي تنحَّى وحلَّ مكانه “سموتريتش”، ويُعرَف الأخير كقائد استيطاني عمل في فترة سابقة رئيسًا للقوى البشرية في مجلس المستوطنات، وكان من مؤسسي جمعية “رغافيم” التي تُعنَى بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية، كما سبق أن اعتُقِل في العام 2005 وأُرسِل إلى سجن عسقلان لمدة ثلاثة أسابيع بتهمة التحريض وإغلاق الطرق في أثناء الانسحاب من قطاع غزة.
يتبنى “سموتريتش” أطروحاتٍ متطرفةً عدة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أبرز بنود رؤيته الرئيسة لشكل “خطة الحسم” التي يقدِّمها كرؤية لإنهاء “الصراع” بين الحركة الصهيونية والشعب الفلسطيني.
حسم الصراع
يقدِّم “سموتريتش” رؤيته على أنها خطة “واقعية وجيوسياسية واستراتيجية”، عادًّا إياها نتاج تحليل للواقع وجذوره، ويدَّعي أنها مدعَّمة بالافتراضات الواقعية والتاريخية والديمقراطية والأمنية والسياسية، ويرى أنها تمثِّل الحل الوحيد الذي يَحمِل “قيمةً حقيقيةً” بالمقارنة مع الحلول المقترحة جميعِها.
بحسب “سموتريتش”، إن أساس اقتراحِه يكم في تغييرٍ بمقدار مِائة وثمانين درجة عمَّا فكر فيه الساسة الصهاينة في العقود الأخيرة، ويرى أن الأمر يتطلب إعادة التفكير بشجاعة، معلِّلًا ذلك بأن معظم الخطط السياسية من اليسار واليمين التي اقتُرِحَت في السنوات الأخيرة تقدِّم “حلولًا” تُدِيم الصراع وتَدفع الجميع لمواصلة إدارته لقرن آخر.
يقدِّم برنامجَه على أنه يُعالِج جوهرَ “المشكلة”، متطرِّقًا إلى جذور الصراع وجذر فشل جميع “الحلول السياسية” في الماضي والمستقبل، ويقدِّمها “سموتريتش” قائلًا: “لا يهم ما الخريطة التي يرسمها مفكرو البرامج السياسية المختلفة، حتى على صعيد ما يُعرَف بـ”اليمين”، لأنه كانت لدى “شارون” خريطة، وكانت لدى “أولمرت” خريطة، وقد تكون أيضًا لدى “نتنياهو” خريطة. ما سيكون هو “اللا سلام” هنا ما دام مفهوم الأصل الذي يقصده هذا البلد وارد في جوارها ويُتَخلَّى عن مجموعتين متضاربتين في الطموحات الوطنية. إن كان هذا الحالَ فسيتعين على أحفادنا وأحفادهم أيضًا الاستمرار في العيش بحد السيف”.
يرى “سموتريتش” أن الأساس في الخلاف يكم في وجود طموحَين قوميَّين متعارضَين في “الأرض المتنازع عليها”، ويُظهِر هذا الواقع أنه لا يمكن الحفاظ عليهما معًا، مستكملًا أن التناقض أساسيٌّ ومتأصلٌ في تطور مفهوم “الشعب الفلسطيني”، عادًّا أن “الشعب الفلسطيني” ليس سوى حركة مضادة للحركة الصهيونية، وأن هذا جوهرَها.
ينكر “سموتريتش” وجود “فلسطين” أصلًا، إذ يرى أنها “أمة” “لم تكن موجودةً قبل المشروع الصهيوني”، وأن “فلسطين” كانت الاسم الجغرافي لهذه القطعة من الأرض ولا شيء آخر.
يضيف أن استمرار وجود “تطلعَين قوميَّين متعارضَين في قطعة أرض صغيرة” سيضمن سنواتٍ عديدةً أخرى من الدماء و”الحياة على السيف”، فقط عندما يتخلى أحد الطرفين، عن طيب خاطر أو بالضرورة، عن تحقيق طموحه القومي، سوف يتحقق السلام، وسيكون من الممكن هنا أن يعيش حياة من التعايش، متبعًا ذلك بأن “اليهود لن يتنازلوا عن طموحهم القومي في إقامة دولة مستقلة في هذه الأرض، الدولة اليهودية الوحيدة في العالم. لهذا السبب فإن من يجب أن يتخلى عن التطلع إلى تحقيق هويته القومية هنا هو الجانب العربي”.
يقدِّم الغرض من خطته بأنها لم تَعُدْ تدير صراعًا مستمرًا متفاوتَ الشِّدَّة، لكنها تحسمه دون مزيد من الارتباك والحلول التجميلية، معالِجةً جذور المشكلة حتى نهايتها، وهو يرى أن “إسرائيل” طوال سنوات وجودها هربت من لمس هذه الجذور وأنه لن يكون من السهل تغيير هذا النموذج، إذ يرى أن الاستمرار في إدارة الصراع يقوِّض موقف “إسرائيل” ومصالحها المهمة، ويسبِّب أضرارًا لا يمكن إصلاحها، ويرى أنه قد يكون من الصعب فهم خطة “الحسم” في البداية، لكن “ضرورتها وحتميتها، ستؤديان في النهاية إلى تبنِّي المجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي لها”.
يرى “سموتريتش” أنه لا فرق جوهريّ بين طرحه وبين الخطة السياسية لرئيس الوزراء الاحتلال المكلَّف “بنيامين نتنياهو”، فيُعرِّف “نتنياهو” الكيان العربي الذي يسعى الفلسطينيين إلى إقامته على أنه “دولة غير مكتملة”، مما يعكس حقيقة أنه لا ينوي السماح لهذا الكيان السياسي بامتلاك جيش ومراقبة الحدود والجو والبحر والفضاء الإلكتروني، أي أنه طالما أنه بلا حدود وسيادة فإن ذلك الكيان ليس دولة حقيقية.
المعركة على “الأمل”
يرى “سموتريتش” أن المعركة على “الأمل” أساسٌ لمسألة حسم الصراع، إذ يرى أن القول إن “اللجوء للعنف من الفلسطينيين ينبع من اليأس” كذبة، فالمقاومة تنبع من “الأمل”، الأمل في إضعاف الكيان، وأن المقاومة تأمل في تحقيق إنجازات يمكن من خلالها إضعاف المجتمع “الإسرائيلي” وإجباره على الموافقة على إقامة دولة فلسطينية عربية، مضيفًا أنه حتى الاستشهاديين الذين يفجِّرون أنفسهم لا يعملون من فراغ، لكن من أجل “قضية نبيلة” على طريقتهم الخاصة، قائلًا إنه يجب أن لا يوجَد هدف، أو تتشكل قناعة بأنه غير مُجدٍ، ما يعني أن الدوافع ستنخفض وتنهي المقاومة تدريجيًّا، وبناءً عليه فإن أي حل يجب أن يقوم على أساس تدمير الطموح لتحقيق الأمل القومي العربي بين الأردن والبحر، إذ يرى “سموتريتش” أن أي كينونة سياسية فلسطينية ستساهم في تنمية “الأمل القومي الفلسطيني” وهو ما سيعني تصعيد المقاومة وزيادة فعلها، قائلًا إن “القضم الزاحف في قرار تخصيص أراضٍ للفلسطينيين لم ينبع من اعتبارات العدالة، بل من الخضوع للعنف العربي”.
فيما يرى أن الخطوة الأولى في محاربة “الأمل” تكمن في صدور تصريح “إسرائيلي” لا لبس فيه للعرب والعالَم أجمع بأن دولة فلسطينية لن تقوم، وأن يجري ذلك بالأفعال وأساسيًّا بتطبيق “السيادة الإسرائيلية” الكاملة على أراضي الضفة الغربية، وقرار استيطاني يتضمن إقامة مدن ومستوطنات جديدة في عمق المنطقة وجلب مئات الآلاف من المستوطنين الإضافيين للعيش فيها، وهو ما سيوضح للعرب والعالم أجمع أن الواقع لا رجوع فيه، وأن الحلم العربي بإقامة دولة قد تحطَّم مرة واحدة وإلى الأبد، على أساس أن القرار بالوجود الاستيطاني يهدف إلى حرق وعي العرب والعالم أجمع بعدم وجود فرصة لإقامة دولة عربية.
تقسيم الفلسطينيين والقضاء على أي تمثيل سياسي
يحدِّد “سموتريتش” للفلسطينيين خياراتٍ محدودةً في رؤيته، أولها لمن يقبل التخلي عن تحقيق تطلعاته القومية، إذ سيسمح لهم بالبقاء والعيش كأفراد في “الدولة اليهودية”، لكن وفق نموذج إقامة يتضمن الإدارة الذاتية للحياة المجتمعية، إلى جانب الحقوق والواجبات الخاصة.
يخصص للفلسطينيين شكلًا لإدارة حياتهم اليومية بأنفسهم، أولًا من خلال إدارات بلدية إقليمية (خالية من الخصائص الوطنية) والتي سيكونون قادرين أيضًا على التصويت لها، وستكون لهذه الإدارات علاقاتٌ اقتصاديةٌ وغيرها من العلاقات المتبادلة فيما بينهم.
وارتباطًا بسلوك هذه “البلديات” ستنظم علاقتها فيما بعد مع السلطات المختلفة في “دولة إسرائيل”، ولاحقًا، مع تقدم العملية واستيعابها، وبناءً على معايير الولاء والخدمة العسكرية أو الوطنية، سيكون من الممكن دمج نماذج الإقامة، حتى المواطنة.
يقترح “سموتريتش” تقسيم الحكم الذاتي لفلسطينيي الضفة الغربية إلى ست حكومات بلدية إقليمية ستُنتَخَب في الخليل وبيت لحم ورام الله وأريحا ونابلس وجنين، دافعًا بأن هذه التقسيمة “تتلاءم مع التركيبة الثقافية والقبلية للمجتمع العربي، مما يضمن السلام الداخلي والازدهار الاقتصادي”.
يدَّعي “سمويترتش” في رؤيته أن “عرب الخليل ليسوا مثل عرب رام الله، هؤلاء ليسوا مثل عرب نابلس، والآخرون ليسوا مثل عرب أريحا، حتى لهجة اللغة العربية تختلف من منطقة إلى أخرى”، فيما يرى أن الانقسام إلى حكومات بلدية إقليمية سيؤدي إلى “تفتيت” المجتمع الوطني الفلسطيني والتطلعات إلى تحقيقه، لكنه في الوقت ذاته سيحافظ أيضًا على الانقسام العشائريالعشائري، وبالتالي يسمح بنظام مستقر لإدارة الحياة اليومية.
يُذكِّر “سموتريتش” بأن البدائل أسوأ بكثير: إنشاء دولة فلسطينية من شأنه أن يعرِّض وجود “دولة إسرائيل” للخطر، ومنح حقوق التصويت الكاملة والفورية للفلسطينيين سيخلق عجزًا يهوديًّا كبيرًا من مكونات “دولة إسرائيل”.
“الترانسفير” الجديد
يقدِّم “سموتريتش” بديلًا للفلسطينيين الذين سيجدون صعوبة في التخلي عن تحقيق تطلعاتهم القومية، بدفعهم للخروج من الأراضي المحتلة إلى واحدة من الدول العربية المحيطة، أو السعي لمستقبل في أوروبا وأمريكا الجنوبية أو دول أخرى، مقترِحًا تقديم تسهيلات كبيرة لكل من يرغب بالهجرة، بل حتى تقديم تحفيزات مادية واتفاقيات دولية مع دول تستقبل اللاجئين الفلسطينيين بأكبر التسهيلات الممكنة، بحيث نكون أمام نماذج هجرة جديدة تجهِّزها “إسرائيل” بديلًا عن الهجرة بالقوارب المتهالكة، بل بالظاهرة الحديثة الشائعة المتمثلة في ركوب طائرة، “الانتقال” إلى البلدان والاستيعاب في بيئة يوجد فيها في الغالب “مجتمع من المهاجرين”.
مُذكِّرًا بأن نشأة الصهيونية كانت عبر التبادل السكاني: الهجرة الجماعية لليهود من الدول العربية وأوروبا إلى الأراضي المحتلة، “طوعا أو قسرا”، فيما المطلوب استكمال الخطوة ورحيل جماهير من العرب الذين عاشوا هنا طوعًا أو قسرًا إلى الفضاء العربي المحيط، وهو ما يَعُدُّه استكمالًا لخطوة تاريخية لم تكتمل (إحياء مخطط “الترانسفير” الصهيوني).
أما من لا يقبل بأي خيار من الخيارات التي وضعها “سموتريتش”، فهو يرى بوضوح أن التعامل معهم يجب أن يكون بحسم من قِبل جيش الاحتلال، واستخدام أقصى درجات القوة والإجرام في فرض هذه الرؤية.
خلاصة:
تمثِّل رؤية “سموتريتش” إحياءً لمشروع “الترانسفير” الصهيوني متكاملًا مع خطط ترحيل الفلسطينيين التي نفَّذتها الميليشيات الصهيونية، ومن بعدها حكومة “إسرائيل”، من أجل ترحيل أكبر عدد ممكن من السكان غير اليهود بهدف الحفاظ على يهودية “الدولة الإسرائيلية”.
هذه الخطة، التي يبدو أن رئيس وزراء الاحتلال المكلَّف “بنيامين نتنياهو” سيمررها ولو جزئيًّا ولن يعمل جديًّا على الحد منها أو مواجهتها سعيًا لاستقرار ائتلافه الحكومي، تتطلب مواجهةً فلسطينيةً حقيقيةً بمقدار الخطر الذي تشكِّله هذه الأطروحات الصهيونية التصفوية.
فالأساس أن تكون المواجَهة بذات شكل مواجهة مشروع “الترانسفير” الصهيوني التاريخي، حيث سقطت رصاصات مقاومين فلسطينيين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على أحد أبرز رواد الصهيونية “رحبعام زئيفي”، الذي شكَّل حزبُه جزءًا رئيسيًّا من حزب “تكوما” الذي ينتمي إليه “سموتريتش”.
إن تصعيد المقاومة واستعادة المؤسسات الوطنية الفلسطينية التمثيلية، وفي مقدمتها منظمة التحرير على أساس أنها أداة التحرير، لا كممرّ للحلول الاستسلامية والهبوط بالسقف السياسي الفلسطيني، وسط تصاعد في التطرف الصهيوني الساعي للقضاء على أي حضور فلسطيني.
بالتأكيد إن صمود الشعب الفلسطيني في أرضه يمثِّل الاستثمار الوطني الأمثل، ما يتطلب دعم هذا الصمود في خطة وطنية عاجلة تتضمن مواجهةً حقيقيةً وفاعلةً للتمدد الاستيطاني، وتحويل المعركة على الأرض إلى استنزافٍ للاحتلال عبر تصعيد المواجهة مع التجمعات الاستيطانية كلها، ورفع تكلفتها، مما يجعل مخطط الضم وابتلاع الأراضي مخططًا مكلفًا.