حالة “اللايقين”: هل تدفع سياسات حكومة الاحتلال المقبلة نحو انهيار السلطة؟
الضفة المحتلة خاص قُدس الإخبارية: الصراع على “إعادة” تعريف القواعد الاستراتيجية في التعامل مع ملفات الصراع داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي، توسع إلى تحذيرات من قادة معسكر خصوم بنيامين نتنياهو من تأثير سياسة الحكومة المقبلة على مستقبل السلطة الفلسطينية والأوضاع الأمنية في الضفة المحتلة.
غادي آيزنكوت عضو “الكنيست” حالياً ورئيس أركان الجيش سابقاً، والذي يعتبر من أبرز المفكرين الاستراتيجيين الحاليين في دولة الاحتلال، حذر من أن مشاريع الحكومة المقبلة التي حظيت “الصهيونية الدينية” بمسؤوليات سيادية فيها، قد تعجل بانهيار السلطة الفلسطينية.
آيزنكوت الذي تولى مسؤولية قيادة الأركان في جيش الاحتلال خلال فترة تصاعد العمليات الفدائية، منذ عام 2015، حذر من أن سيناريو انهيار السلطة يهدد باندلاع انتفاضة كبيرة في الضفة المحتلة.
تحذيرات المستويات الأمنية الإسرائيلية من سيناريو “انهيار السلطة” لم يتوقف منذ شهور. في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي حذر رئيس جهاز “الشاباك” رونين بار رئيس الحكومة المقبلة في دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من مخاطر هذا السيناريو.
جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” شارك “الشاباك” مخاوفه من الأوضاع الأمنية في الضفة المحتلة واعتبر أن “ضعف السلطة” أحد الأسباب.
غياب “العقل الاستراتيجي”
الباحث والكاتب السياسي، ساري عرابي، أشار إلى أن أوساط أمنية وعسكرية وسياسية إسرائيلية متخوفة من الحكومة المقبلة، في ملفات مختلفة أهمها ما تسمى “الديمقراطية” وسيطرة التيار الديني على الحياة العامة في دولة الاحتلال، ومستقبل “إسرائيل” بسبب سيطرة قوى لا تفكر بــ”عقل استراتيجي”.
واعتبر عرابي في لقاء مع “شبكة قدس”، أن غياب “العقل الاستراتيجي” عن القوى الصاعدة في الحياة السياسية داخل دولة الاحتلال يهدد استقرارها وتعاطيها مع الملفات الكبرى، وقال: الأحزاب اليمنية الصهيونية تفكر بشكل “خلاصي” بمعنى أنها تستعجل المواجهة من أجل نزول المخلص.
وذكر أن أحزاب الصهيونية الدينية أسست خلال السنوات الماضية ميلشيات في الضفة والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، خاصة بعد معركة “سيف القدس” في أيار/ مايو 2021، وهذا يؤكد على أن دولة الاحتلال في الطريق إلى التحول من دولة جيش ومؤسسات وأمن إلى “ميلشيات” كما كانت في البدايات، قبل نكبة الشعب الفلسطيني.
السلطة: تفريغ مستمر
وعن مستقبل السلطة، يرى عرابي أن الاحتلال فرَغ السلطة من مضمونها السياسي منذ نهاية المرحلة الانتقالية في اتفاقية “أوسلو”، التي تنص على أن السلطة مرحلة مؤقتة وتتحول لاحقاً إلى دولة، وأضاف: كل حكومات الاحتلال المتعاقبة أنهت المبرر السياسي لوجود السلطة.
أمام السلطة خيارين، كما يوضح عرابي، وهي إما أن ترفض المشروع الإسرائيلي وتختار المواجهة وهذا “غير متحقق حالياً”، أو أن تقبل الشرط الإسرائيلي وهو سيقود في النهاية إلى “تفكيك السلطة”، حسب وصفه.
وربط بين الواقع المعقد أمام السلطة بــ”استحالة التسوية في الواقع الفلسطيني”، وذكر أن هذه الوقائع سابقة على صعود التيار الصهيوني الديني والحكومة المقبلة، وقال: نذكر تصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية الراحل صائب عريقات الذي قال إن حاكم الضفة هو وزير جيش الاحتلال و”المنسق”.
واعتبر أن مجموعة عوامل هي أن ما تسمى “الإدارة المدنية” التابعة لجيش الاحتلال ستصبح تابعة لوزير من “الصهيونية الدينية”، التي تخطط أساساً لتفكيك هذه الإدارة، والتسريع في ضم المحتلة من خلال تشريع قوانين للاستيطان وغيره، قد تعجل في تفكيك السلطة أو إنهائها كمشروع “وطني” كما تقول عن نفسها، يريد إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
وتابع: هذا التفريغ مستمر منذ سنوات مع كل حكومات الاحتلال، نتيجة استحالة “شرطة التسوية”، لكن سيزيد مع وصول الصهيونية الدينية سواء نتيجة إدارتها للضفة المحتلة أو استعجالها للمواجهة واستفحال اعتداءات المستوطنين، وهذا يضع السلطة في الزاوية إما أن تدافع عن شعبها أو تلتزم بالشرط الإسرائيلي.
وأكد عرابي أن المرحلة المقبلة ستشهد “تفريغ السلطة بشكل نهائي من مضمونها السياسي”.
المخاطر التي تهدد وجود السلطة تحمل هي الأخرى مخاطر على الأمن الإسرائيلي قادمة من الضفة المحتلة المنطقة الأكثر حساسية.
يرى عرابي أن النظرة إلى هذه المخاطر داخل أجهزة الاحتلال يأتي في سياق “الصراع الداخلي” بعد أن نجحت “الصهيونية الدينية” في اختراق “الدولة العميقة” أي في الجيش والأمن.
وقال: الصراع السياسي وتراجع العقل الاستراتيجي داخل الجوهر الأمني الإسرائيلي قد يقوض السلطة الفلسطينية.
وذكر أن من بين خلاصات الاحتلال الأمنية بعد انتفاضة الأقصى هي أن لا يعتمد على السلطة الفلسطينية، وأشار إلى أن جهاز “الشاباك” يرفض باستمرار مطالب وقف اقتحامات الجيش لمناطق “أ”، ويصر على استمرار العمل الأمني ضد نشطاء المقاومة وعدم الاعتماد على الأجهزة الأمنية في هذه العملية لوحدها.
“مناكفات داخلية”
من جانبه، اعتبر المختص في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب أن تصريحات آيزنكوت تأتي في سياق “المناكفات” الداخلية الإسرائيلية، بعد صعود تيار الصهيونية الدينية في الانتخابات الأخيرة.
ويرى أبو عرقوب في لقاء مع “شبكة قدس” أن نتنياهو سيراعي الاعتبارات الأمريكية والأوروبية الثابتة منذ سنوات، رغم أن التيار “الكاهاني” و”الديني” سيتولى مناصب السيادية في الحكومة.
وأضاف أن احتمالية أن تقدم دولة الاحتلال على “تفكيك السلطة”، في هذه المرحلة، أمر مستبعد وأشار إلى هذه التهديدات صادرة عن قيادة السلطة ومنظمة التحرير، في سياق رفضها لمسار الاستيطان والضم المتصاعد.
ورغم هذه الاعتبارات لكن المحللين والصحفيين في دولة الاحتلال يتهمون نتنياهو بـ”الضعف” أمام أحزاب الصهيونية الدينية، يضيف أبو عرقوب.
“حرب مستمرة على الفلسطينيين”
تبدلات الحالة السياسية في دولة الاحتلال لن توقف الحرب على الفلسطينيين، في الضفة والقدس وغيرها، بل ستزيد من عمليات الاستيطان وهدم البيوت ومصادرة الأراضي، في سياق خطوات التيار الصهيوني الديني لتسريع عمليات ضم الضفة، يؤكد أبو عرقوب.
وأشار إلى أن وزراء “الصهيونية الدينية” سيعملون على تسهيل عمليات إطلاق النار مما قد يزيد من أعداد الشهداء.
واعتبر أن مجمل هذه القضايا قد تساهم في تفجير الوضع بالضفة المحتلة.
من يقرر السياسة في الضفة المحتلة؟
أبو عرقوب ذكر أن وزير جيش الاحتلال المقبل هو الجنرال يوآف غالانت، الذي يعتبر من الشخصيات “المتطرفة” ضد الفلسطينيين، داخل حزب “الليكود”.
وأردف أن الاتفاقيات بين نتنياهو وقادة الصهيونية الدينية نزعت صلاحيات واسعة من غالانت فيما يخص ما يمسى “الإدارة المدنية”.
وأكد أن الصهيونية الدينية ستعمل على تطبيق مشاريع استيطانية تعجل في ضم الضفة وسيشعر فيها الفلسطيني في حياته اليومية.