مصمم الديكور غيث معتوق: أستوحي بعض تصاميمي من لوحات فنية تعجبني
خطوط أتقن اختيار ألوانها منذ الصغر، عندما كان الرسم والتلوين من هواياته المدلّلة القليلة، على الرغم من أن عائلته لم تكن ترحب بتوجهه نحو العمارة والتصميم، لكنهم سرعان ما بدؤوا بدعمه، عندما تحوّل هذا الطفل إلى فتى مغرم بالتفاصيل، التي كلما غاصت في الدقّة، قَبِلَ التحدي بروح أكثر جرأة لتغيير كيانها إلى حالة خارجة عن المألوف. «سيدتي» التقت المهندس المعماري والمصمم الداخلي غيث معتوق، الكندي من أصول سورية، بنظرة واقعية على عالم التصميم.
عكس ما يعتقد الجميع، فإن المشاريع الصغيرة تحتاج إلى دراسة أعمق وأكثر إتقاناً لكي تكون عملية وجميلة في آن واحد، فيها يقدم المصمم حلولاً تحوّل كل فراغ إلى مكان يمكن استغلاله، يتابع غيث: «المشروع الذكي، هو ما يسهل حياة الزبون، ويجعله أكثر تنظيماً وراحة نفسية، من حيث الفراغ المدروس والمواد والألوان المستخدمة، وأنا لا يغريني في المشاريع اتساع حجمها وضخامتها، بل ما يجعلني أتمسك به هو التحدي وإيمان الزبون بي بأنني المهندس المناسب الذي سيعطيه النتيجة الذي يحلم بها».
أستوعب مفهوم الرفاهية
بدت لوحة تمثل شجرة العائلة، بكل ما فيها من تفاصيل تراثية، تحكي شرقية المكان، إبداعاً لافتاً من أفكار غيث، على جدار لفيلا عائلية، يستدرك قائلاً: «تشغلني رؤى الحضارات والأزمان المختلفة، أختار منها ما يتلاءم مع مكان المشروع وشخصية الزبون معاً، وقبل أن أضع تفاصيل الفراغ في مخيلتي، أزور صاحب التصميم.. أمضي معه وقتاً يجمع العائلة، أستوعب مفهوم الرفاهية لديه، وعلاقته بشخصيته، ومدى تبنيه لرأي الآخر، كالزوجة التي تشاركه المكان، ثم أبدأ بطرح اقتراحاتي من موديلات وأفكار جديدة تلبي ثقافته، وطريقة حياته، لكن بطريقة عصرية وعملية».
تابعي المزيد: الفنان التشكيلي الأمير سلطان بن فهد آل سعود أعشق تكريم الأشياء المتروكة وتحويلها إلى قطع فنية
رؤيةٌ فنيّةٌ مفاجئةٌ
فقدان بعض المواد الأولية، جعلني أفكر ببدائل تخرج التصميم عن المألوف
شخصية مولعة بالفن ومقتنياته الثمينة حتى بعيداً عن التصميم، فكيف إذا تواجدا في مكان واحد، ليعطيا بعداً غير متناهٍ للمكان، ويحولان بساطته إلى رؤية فنية مفاجئة، هنا توقف غيث ونظر إلى اللوحة الكبيرة، التي تستهلك مساحة الحائط وقال: «هذه حياتي وهذه شخصيتي، تعوّدت اقتناء الكثير من الأعمال الفنية لرسامين عرب وأجانب، وقد يستهلكني الوقت في انتقاء ألوان للوحة تتماوج مع سحر المكان، مهما كان صغيراً، والتصميم من دون أعمال فنية قيّمة كالجسد بلا روح! ثم إنني قد استوحي تصميم فراغ كامل من لوحة أو عمل فني أعجبني، سواء كان من مقتنيات الزبون أو عمل رأيته في الـ Gallery».
التلاعب بالمنظور
يُشبّه غيث خلافات الناس على المساحات الصغيرة والرغبة في التفرد في اختيار تصميمها، بالمسلسلات الصغيرة، التي برأيه لم تعد مشكلة في هذه الأيام مع التصاميم الذكية التي تستغل أصغر الفراغات للاستفادة منها بطريقة عملية ومتعددة الاستخدامات، يستدرك قائلاً: «هناك أيضاً طرق التلاعب بالمنظور لقياس الأشياء. أما الخلاف معي فغير وارد؛ لأن أفكاري المقترحة عادة ما تتلاءم مع احتياجات الذي سيستغل مساحة التصميم.. هذا لا يلغي سوء التفاهم في بعض مراحل العمل، عندما تكون الرؤية غير مكتملة بعد، فيكون الحكم متسرعاً».
تابعي المزيد: مصممة الديكور دارا عماد خضر: خيالُ المرأة فيه شيءٌ من الجنون الجميل
تسهيلُ طرق الصيانة
يجب أن تملأ الفراغ طاقة إيجابية تنتقل إلى المستخدم، لذلك أعيش يوم العميل
يمثل الجمال والتفاصيل نقطتَيْ ضعف لدى المصمم غيث، كما يقول، فأي شيء جميل يسرق انتباهه.. وأي شيء فيه تفاصيل مدروسة يسرق قلبه وعقله. يعلّق قائلاً: «أحياناً أبالغ في التدقيق في أمور قد لا تكون الأهم»!.
كما أن العثرات التي واجهته في عمله، هي دخول سوق هذا المجال في عمر لم يكن يمتلك فيه الخبرة الكافية بعد، يتابع قائلاً: «تأسيس Ghayth Maatouk Design Studio واختيار كادر العمل الذي تكمل أفكاره بعضها الآخر، هي مشاكل أزالها الوقت».
يتذكر غيث ذلك التصميم الذي أنجزه وحده، بميزانية متواضعة ووقت قصير… كل شيء مر بتوتر بالغ إلى حين تسليم الشقة، في الوقت والميزانية المرجوين، قائلاً: «إعجاب من حولي ملأني بالتحدي لإنجاز الأفضل».
على الرغم من أن المواد الأولية هي أساس التصميم، لكن عدم توافرها لا يعني فشله، يستدرك غيث: «قد يكون فقدان بعض المواد الأولية، هو السبب للتفكير ببدائل تجعل التصميم أكثر تميزاً لخروجه عن المألوف. أهم عاملين في التصميم والإبداع هو الخروج عن المألوف والتفكير خارج الصندوق… والعمارة الخضراء هي ما نفكر فيه في كل مشاريعنا. نعمل جاهدين لاستخدام مواد صديقة للبيئة، لا تستهلك طاقة كبيرة عند الاستعمال، وغالباً ما تكون اختياراتنا موجهة نحو أجهزة توفير الطاقة والأنظمة التي تعمل على الطاقة الشمسية. والاستدامة هي أيضاً أساسيات لا تقل أهمية عن العمارة الخضراء، فلتصاميمها قيمة مضافة، وعادة ما أفكر بابتكار تصميم جميل طويل الأمد، بأسهل طرق الصيانة الممكنة».
كل ما هو مبعثر
صحةُ الإنسان النفسية عاملٌ أساسيٌ في التصميم الداخلي، فيرى غيث أن مهندس العمارة الداخلية ليس مصمماً فحسب، بل محلل نفسي ومرشد اجتماعي للزبون، يتابع قائلاً: «يجب أن تملأ الفراغ طاقة إيجابية تنتقل إلى المستخدم، لذلك أزور الزبون وأعيش يومه، لأكوّن فكرة عن نمط حياته؛ لأتمكن من مساعدته على تنظيمها».
يضرب غيث مثالاً عن أشخاص لا يجيدون ترتيب غرفهم، التي تغمرها الفوضى؛ حيث لا مكان للتنظيم، يعلّق قائلاً: «أبتكر أماكن تخزين محددة يمكن أن تكون غير مرئية بسهولة، يمكن وضع كل ما هو مبعثر فيها، كما أن انتقاء ألوان السرير المناسبة مهم جداً لصحة الإنسان النفسية».
تابعي المزيد: المصمّمتان تيسا وتارا ساخي: أعمالنا هادفة إلى خلق تفاعلات اجتماعية وحسية
الخياراتُ الأكثرُ جرأةً
هناك فرقٌ كبيرٌ بين أولويّات الزوجات والأزواج في التصميم، كما يجد غيث، ويتابع: «في معظم الأوقات يميل الزوج إلى الخيار الأسهل الذي يكون فيه نوعٌ من التوفير، أما الزوجات فيملن إلى الخيارات الأكثر جرأة، التي غالباً ما تكون أكثر تعقيداً وبذخاً، وربما كان أغرب طلبٍ وردني هو تصميم غرفة لحيوان أليف لزوجة أحد الزبائن».
لا تقتصر أعمال غيث على المساحات الصغيرة، فهو لا يعدّ مساحة المشروع أساسية بالنسبة إليه وإلى فريقه؛ لأنهم صمموا لمشاريع مختلفة (سكنية وتجارية) بأحجام مختلفة، يعلّق قائلاً: «نحن الآن نعمل على فيلا في جزيرة يأس بأبوظبي، مساحتها الداخلية حوالي 1500 متر مربع، لكن لي بعض النصائح التي يُفترض أن تُراعى عند تصميم المساحات الصغيرة:
- اهتموا بالأولويات، مع مراعاة حاجتكم إليها.
- انتقوا التصميم المناسب للمساحة، وكونوا واقعيين في المتطلبات.
- لا تخطئوا في اختيار أثاث أكبر من المساحة.
- أكثروا من استعمال المرايا والألوان الفاتحة؛ لأنها تعطي إحساساً باتساع المكان.
قواعدُ العشقِ الأربعون
يرى غيث الجمال في كل شيء حوله، وهو غير مرتبط بالسفر أو الإجازة، كما أنه اعتاد قراءة أكثر من كتاب في وقت واحد، لكنه يركز في مجال التصميم على كتاب: Steal Like an Artist لـ Austin Kleon. أما في الأدب، فبدا معجباً برواية Forty Rules of Love للكاتبة التركية Elif Shafak، يستدرك قائلاً: «دائماً ما تدور في بالي فكرة إنشاء وتصميم مركز ثقافي فني لتدريس ودعم المواهب الفنية والمعمارية لأولاد اللاجئين الموهوبين الذين لم يكن الحظ حليفهم، على مستوى عالمي».
تابعي المزيد: المصممة أمل الفقيه: الاحتياجات أهم من الرغبات في عالم الديكور
*ملاحظة: الصور من مصمم الديكور غيث معتوق