السلطة تخسر الرهان.. اللكمات متتالية داخليًا وخارجيًا
رام الله خاص قدس الإخبارية: شكل بيان عرين الأسود الأخير تحولاً واضحًا في صيغة الخطاب الموجه من مجموعات المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة خلال الشهور الماضية، على صعيد الجبهة الداخلية وتحديدًا الخاص بمسؤولي السلطة.
وحمل البيان إشارة شبه واضحة لوزير الشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ من خلال الاتهام الصريح له بالسعي لإبرام تفاهمات أمنية تعمل على تفكيك المنظومة المقاومة لمجموعات عرين الأسود والمقاومة بمختلف تشكيلاتها في جنين.
وشكل هذا الخطاب ضربة قوية للشيخ الذي تعرض خلال الفترة الأخيرة لهزة حقيقية في المشهد السياسي بعد التسريبات المنسوبة له والتي حملت إساءة للرئيس محمود عباس ووزير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، رغم نفيه المتكرر لها.
بالتوازي مع ذلك، فإن بيان العرين الآخر الذي دعا الفلسطينيين للنزول إلى الشوارع في مختلف مناطق تواجدهم داخل الأراضي الفلسطينية عام 1967، منتصف ليلة الخميس/ الجمعة، شكل صفعة جديدة للسلطة الفلسطينية بعد الصفعات الأخيرة التي تعرضت لها.
وتعتبر مجزرة نابلس التي جاءت بعد أقل من 24 ساعة من إيقاف مشروع قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي، أحد الصعفات التي تلقتها السلطة في الأيام الأخيرة من ناحية إحراجها على المستوى الرسمي والشعبي الفلسطيني.
ورغم إعلان السلطة المتكرر عبر وزير شؤونها المدنية حسين الشيخ اتخاذ سلسلة من القرارات على المستوى الرسمي تجاه الاحتلال، إلا أن هذه القرارات لم تحظِ بثقة الشارع الفلسطيني نظرًا لتكرارها في السنوات الماضية دون أي تطبيق عملي على أرض الواقع.
اللافت أن الفترة الماضية شهدت حديثًا عن وقف التنسيق الأمني تبعه زيارة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير جهاز المخابرات الأمريكي ومستشار الأمن القومي الأمريكي في المنطقة، تبعه تسريبات عن قبول السلطة تفاهمات أمنية أعدها مايك فنزل، منسّق الشؤون الأمنية في السفارة الأمريكية في تل أبيب.
ووفقًا لمصادر عبرية فإن الخطة تنصّ على مشاركة أمريكية في التنسيق الأمني، من خلال ممثلين كبار سيحضرون اجتماعات المستويات العليا بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين لعدة شهور، على أن يرسل الطرفان تقارير منتظمة للأمريكيين حول التقدُّم في القضايا الأمنية العالقة بين الطرفَين، إلى جانب تدريب قوات خاصة فلسطينية مكوّنة من 5 آلاف عنصر أمني، وهم يعملون حاليًّا في جهاز الأمن الوطني، وسيكون تدريبهم في قواعد تدريبية على الأراضي الأردنية، حيث سيخضعون لبرنامج تدريبي خاصّ بإشراف أمريكي.
بالتوازي مع ذلك فسيتم العمل على إدخال القوات الفلسطينية إلى المقرات الجديدة في جنين ونابلس بالتزامن مع تقليص كبير لنشاط الجيش الإسرائيلي، في إطار التنسيق الأمني تحت إشراف أمريكي، وهذا البند في الخطة الأمريكية هو أحد الشروط الفلسطينية لقبولها بكاملها، إلى جانب إشراف أمريكي على نقاط الاحتكاك، خاصة في شمال الضفة الغربية وربما جنوب الخليل، إضافة إلى مشاركة فرق غربية في عمليات المراقبة.
ومع مرور أيام على هذه التسريبات فإن السلطة لم تقوم بنفيها على المستوى الرسمي، في حين كشف حديث إذاعي لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي أن اتفاقاً كان سيجري التوقيع عليه خلال قمة العقبة برعاية أمريكية ومشاركة أردنية ومصرية وأمريكية، بين السلطة والاحتلال.
بالتوازي مع ذلك، فقد أكدت مصادر مطلعة من حركة فتح لـ “شبكة قدس” أن السلطة ما تزال حتى لحظة نشر هذه المادة مشاركة في القمة المزمع عقدها في ظل عدم انسحاب أي من مصر أو الأردن وعدم تعديل المواعيد الخاصة بها في ضوء المشهد الذي تلى مجزرة نابلس.
وتطرح مشاركة السلطة في اللقاء بالنسبة للمراقبين علامات استفهام في ظل تصاعد حدة الغضب الشعبي في الآونة الأخيرة لا سيما مع استشهاد 65 فلسطيني منذ بداية عام 2023 في أعلى إحصائية تسجلها وزارة الصحة الفلسطينية منذ انتفاضة الأقصى عام 2000
عرين الأسود.. الدلائل والرسائل
لا يمكن تمرير الاستجابة الحاشدة من قبل الفلسطينيين مع دعوة عرين الأسود للتظاهر في وقت متأخر مرور الكرام، حيث باتت هذه المجموعات على بساطة تشكيلها العسكري وتسليحها صاحبة صدى وقادرة على حشد الشارع الفلسطيني شعبيًا.
وبالتالي فإن ما يجري يؤكد أن الفلسطينيين يسيرون بخطى واثقة نحو انتفاضة جديدة من طراز يختلف تمامًا عما جرى سابقًا خلال الانتفاضتين الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، مع فشل المنظومة الأمنية والعسكرية في احتواء عرين الأسود أو التشكيلات العسكرية الموجودة في جنين أو حتى بعض المجموعات خارج مناطق شمال الضفة الغربية.
ومع الاستجابة الحاشدة فإن السلطة هي الأكثر تضررًا بعد الاحتلال الإسرائيلي من المشهد، إذ أن ما يجري حاليًا يضعها في الزاوية ويعزز من النقد اللاذع لها أمام طبقة النخبة من السياسيين وحتى الطبقة الشعبية بالإضافة لكوادر في القاعدة داخل حركة فتح نفسها.