اخبار السعودية

رسوم ترمب الجمركية تدفع أمريكا لمواجهة تناقضاتها العميقة..! – أخبار السعودية

تفرض الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترمب، حرباً اقتصادية شرسة تتمثل بفرض رسوم جمركية قاسية شملت غالبية دول العالم. هذه السياسة التي يتبعها الرئيس بأسلوبه الاستعراضي المألوف تفتح الباب أمام تساؤل عريض: هل هي مغامرة غير محسوبة بعقلية رجل الأعمال المندفع، أم أن هناك عوامل وأزمات موضوعية تدفع نحو اتخاذ مثل هذه القرارات الصادمة؟ من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه تحديات كبيرة تهدد بنيتها الاقتصادية والسياسية من الداخل، ولعل أبرز هذه التحديات أزمة الدَّين العام التي بلغت مستوى تاريخياً مقلقاً، حيث وصل الدين إلى 36.2 تريليون دولار في فبراير 2025؛ ما يمثل 123.3% من الناتج المحلي وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. هذا التراكم الهائل للدين أصبح يشكل تهديداً حقيقياً، خاصة مع ازدياد كلفة خدمته التي تبلغ حوالى 1.2 تريليون دولار سنوياً؛ أي ما نسبته 18% من ميزانية الحكومة الفيدرالية لعام 2024، ما يجعل الإنفاق على الدين ثاني أكبر بند بعد الضمان الاجتماعي. العامل الثاني يتمثل في ارتفاع تكلفة الحفاظ على الدور العالمي للولايات المتحدة، الذي ترجمته السياسات العسكرية المتوسعة في مناطق عدة مثل العراق وأفغانستان، الأمر الذي جعل ترمب من أقل الرؤساء الأمريكيين ميلاً للتدخل العسكري. لقد رفع ترمب شعار «أمريكا أولاً»، ليس ترفاً سياسياً، وإنما لإدراكه عدم قدرة الاقتصاد الأمريكي على تحمل المزيد من التدخلات المكلفة في الخارج. أما عن العولمة التي طالما اعتبرتها النخب السياسية مكسباً، فيراها ترمب كارثة على الاقتصاد الأمريكي، بعد أن تسببت بنقل الصناعات إلى الخارج وتسريح العمال الأمريكيين وتعزيز البطالة، وهؤلاء في معظمهم كانوا من الطبقة الوسطى ومعظمهم من البيض الذين لطالما ساندوا دونالد ترمب وهم يتشاطرون معه كرههم للعولمة وثقافتها. لقد حولت العولمة الشركات إلى كيانات تبحث عن العمالة الرخيصة في دول أخرى، الأمر الذي يراه ترمب خطأ استراتيجياً، ما دفعه للمناداة بإعادة المصانع إلى الداخل، وإن بقيت فكرة إحياء نموذج صناعي قديم موضع جدل كبير بين الاقتصاديين، خصوصاً أن هذا سوف يفقد المنتجات الامريكية تنافسيتها؛ لأن الأيدي العاملة مرتفعة التكلفة، كما أن هذه الرؤية الترامبية تحتاج إلى وقت طويل وهذا سيفسح المجال للصناعة الصينية أن تكتسح العالم، بل إن هذا حادث فعليّاً في بعض القطاعات كالسيارات الكهربائية وغيرها. أمريكا أيضاً تعاني من نمط استهلاكي مبالغ فيه، فقد تحولت إلى مجتمع يستهلك أكثر مما ينتج، مستنداً بذلك على القروض الشخصية والدين الحكومي، ما يجعل الولايات المتحدة في خطر اقتصادي واجتماعي عميق. من هنا تأتي خطوة ترمب في فرض الرسوم الجمركية كعملية جراحية مؤلمة لإحداث تغيير قسري في الثقافة الاقتصادية الاستهلاكية التي اعتادها الأمريكيون. تعكس إجراءات ترمب توجهاً واضحاً نحو إدارة البلاد وكأنها شركة تعاني خسائر ضخمة، فهو إما ينجح بإعادة أمريكا «عظيمة» كما يدعي، أو يسرّع من انهيارها بفعل التناقضات الداخلية، ويقودها إلى مصير مجهول.

أخبار ذات صلة