مقالات

بعد رحيل حسن إبراهيم الفردان… جولة في مسيرة لا مثيل لها لـ”الطواش”

رحل عن عالمنا، رجل الأعمال الإماراتي حسن إبراهيم الفردان، عن عمر يناهز 94 عاماً، لنودع أبرز تجار اللؤلؤ في الوطن العربي، الذي تعمق في هذا المجال منذ صغره، ليصبح آخر الأسماء البارزة في مهنة الطواشة، وهي مهنة شراء وبيع اللؤلؤ الطبيعي.
ورغم التحديات التي عاشها حسن إبراهيم الفردان في مسيرته المهنية نتيجة ظهور اللؤلؤ الصناعي، لكنه حافظ على إرث العائلة، فقد تفتحت عيناه عليه عندما كان صغيراً في منزل العائلة القديم في بر دبي وهو يتلألأ بين يدي والده إبراهيم الفردان -رحمه الله- الذي كان من كبار الخبراء في تجارة اللؤلؤ .

إرث عائلي لا مثيل له منذ أواخر القرن التاسع عشر

كان اللؤلؤ منذ القدم تجارة شائعة في منطقة الخليج العربي لمئات السنين، وبحلول أوائل القرن التاسع عشر، أصبح الخليج المورد العالمي الرئيسي للؤلؤ الطبيعي، لذلك كان الرجال الذين موّلوا رحلات الغوص في الخليج العربي بحثاً عن اللؤلؤ يبيعون غنائمهم لتجار مثل جد السيد حسن الفردان، الذي بدأ العمل بهذه التجارة في أواخر القرن التاسع عشر.
ولأن استخراج اللؤلؤ كان يتطلب مهارةً ونظرةً ثاقبة، ويُقال إن جد السيد حسن الفردان كان يتمتع بهما بشكل ميزه للغاية، فالناس كانوا “يأتون إليه باللؤلؤ ويطلبون مساعدته، فقد كانت لديه عينٌ ثاقبةٌ على اللؤلؤ”.
والآن، تمتلك عائلة السيد الفردان ما تعتقد أنها إحدى أكبر مجموعات اللآلئ الطبيعية في العالم.

رحلته من التجارة للتوثيق

ما ميّز حسن إبراهيم الفردان عن غيره هو مزجه بين التجارة والتوثيق، عبر كتابه “لآلئ العمر”؛ إذ يُعد من أواخر الطواويش “تجار اللؤلؤ” الذين كتبوا مذكراتهم بأنفسهم، مما جعله حلقة وصل ثمينة بين الماضي والحاضر.
يقول حسن إبراهيم الفردان في كتابه: “إنني استطعت أن أكمل عدداً كبيراً جداً من عقود اللؤلؤ وأن أتعامل مع الكثير من الأشخاص، ومن بلدان شتى، وأستطيع القول من دون مواربة إن من أكثر الأشخاص لياقة ومعرفة وحكمة وكرماً بين كل هؤلاء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- فقد كنت أرى تقييمه للجمال، بادياً في عينيه الكريمتين، وسعة معرفته في حُكمه على حبات العقود ونوعيتها وتدرجها وطريقة صفها، ولم يبخس الناس أشياءهم قط، وكان رحمه الله يُقبل على جلسائه بوجه باسم ويعاملهم بود ومحبة وأخوة، وتتخلل أحاديثه أبيات جميلة من الشعر النبطي الجميل”.
وتحدث الفردان في كتابه عن مراحل استخراج اللؤلؤ، التي تمر بها مجموعة النواخذة والممولين والغواصين وغيرهم للحصول على اللآلئ الجميلة، متذكراً تلك الأيام التي لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة، عندما كان الناس يتأهبون ويُحضّرون لموسم غوص جديد، والذي يبدأ عادة حينما تميل مياه البحر إلى الدفء أواخر مايو، ويبدأ الناس بالحركة والنشاط قبل أكثر من شهر، فيشترون مايحتاجونه من المؤن لرحلتهم المقبلة، ويشترون مستلزمات الغوص من حبال ومجاديف وأدوات متنوعة استعداداً إلى الساعة التي سينطلقون بها إلى أعماق البحر.
وهم يعلمون أن هذه الرحلة ستستمر إلى نهاية سبتمبر، أي ستستغرق حوالي أربعة أشهر، عدا السنوات التي يصادف بها شهر رمضان الكريم في فصل الصيف، عندما يتم تأخير السفر إلى ما بعد العيد.
وأشار الفردان إلى “النوخذة”، وهو قائد السفينة المسؤول الأول فيها الذي يعلن ساعة الرحيل، وكذلك “الكلاف” الذي يصنع السفينة حسب المواصفات التي يريدها المالك، مستعرضاً الأسماء المعروفة في هذا المجال بالدولة.
وأضاف: “بالرغم من أن الغواص كان يقوم بالعمل الرئيسي والأهم والأخطر، إلا أنه كان يعاني من الفقر والدَّيْن المستمر والخوف من المجهول، فقد كان العُرف السائد في ذلك الوقت والذي يتم بموجبه تقسيم الحاصل من اللؤلؤ نهاية الموسم، بين العاملين على السفينة، يحمل الغبن لهؤلاء الرجال الشجعان، أما المأساة الحقيقية فهي حينما يكون الموسم سيئاً، عندما يعجز الغواص المتعب عن تسديد الدّين الذي في رقبته لجهات عديدة، إلا أن روح التراحم المغروسة في المجتمع الإماراتي ووجود بعض التجار أو الممولين أو النواخذة المحسنين، كانت تساعد بعض هؤلاء العاملين على تجاوز محنهم.
وتابع: “بعد انتهاء موسم الغوص الرئيسي تعود السفن إلى موانئها في رحلة جماعية تسمى “القفال”، وهو يوم مشهود وكبير بالنسبة للجميع، وتنطلق السفن وكأنها في سباق لكي تصل إلى هدفها، ويصادف أواخر الشهر التاسع أو بدايات الشهر العاشر من السنة، فالأم والأب والزوجة والأولاد والأخوة والأقرباء والجيران والأصدقاء يستعدون لهذا اليوم، يوم اللقاء بالأحبة العائدين من سفر طويل تكتنفه الأخطار والمصاعب، لافتاً إلى أن اللؤلؤ بأنواعه وألوانه وأشكاله وتسعيره أمر معقد، مستعرضاً أشهر أسمائه، ومنها : الجيون واليكة والكولواه والخوخة والبدلة والنيمرو والشيرين والناعمة والبوكة والخشرة.

ربنا ترغبين أيضاً باكتشاف تاريخ استخدام اللؤلؤ في صناعة المجوهرات منذ قبل الميلاد ولماذا أصدر يوليوس قيصر قانونًا يمنع الشعب من ارتدائه! 

مسيرة ثرية امتدت لعقود زمنية طويلة

أتاحت الفترة التي دخل فيها الفردان معترك تجارة اللؤلؤ التعرف إلى أكثر التجار في الدولة ودول الخليج والدول الأخرى بحسب ماذكره في كتابه، مشيراً إلى أنه كوّن معهم علاقات متينة امتدت إلى عقود زمنية طويلة، كان يسودها الحب والاحترام والود، مؤرخاً لتجار اللؤلؤ على فترتين، الأولى فترة القرن الثاني والثالث والرابع الهجري، وثانيها فترة نهاية القرن التاسع عشر وفترة القرن العشرين.

التوسع من تجارة اللؤلؤ إلى مجالات عديدة

تحت قيادته الحكيمة، تحولت مجموعة الفردان من بداياتها في تجارة اللؤلؤ إلى مجموعة أعمال متنوعة، فقد أسس حسن إبراهيم الفردان برؤيته وبصيرته ركيزة قوية لمجتمع الأعمال في دولة الإمارات، وألهم أجيالاً من رواد الأعمال الإماراتيين.
وكانت أبرز أنشطة مجموعة الفردان التي تأسست عام 1954، هو اتجاهها إلى مجال الصرافة، بعد أن كانت في البداية تجارة بحرية تقليدية تعتمد على تجارة اللؤلؤة ثم تطورت عبر عشرات السنين حتى أصبحت أحد العلامات التجارية البارزة ومع تنوع استثمارات المجموعة ودخولها العديد من مجالات المال والأعمال، كالعقارات، والمجوهرات الفاخرة، والخدمات المالية، ليتم إطلاق الفردان للصرافة عام 1971، وهي الشركة التي لعبت دوراً هاماً في دعم الجاليات التي أسهمت في بناء دولة الإمارات، وذلك من خلال مساعدتهم في تحقيق أحلامهم على أرض الواقع داخل دولة الإمارات وفي بلدانهم الأصلية، لتصبح الشركة اليوم من أبرز شركات الصرافة التي تضم أكثر من 85 فرعاً تتوزع في كل أنحاء الإمارات العربية المتحدة، أما على الصعيد الدولي، فترتبط الفردان للصرافة بعلاقات شراكة متينة بأكثر من 150 بنكاً مراسلاً بالإضافة إلى العديد من المؤسسات المالية ومزودي الخدمات المالية، الأمر الذي يجعلها الخيار الأمثل للتعاملات المالية الآمنة، فهي تضع نصب عينيها المصداقية والثقة كأساس لعملها.
من جانبها، أعلنت مجموعة الفردان الحداد لمدة ثلاثة أيام، تكريماً لذكراه العطرة، في المنشور الذي نعته خلاله اليوم.