75 عاماً على النكبة والفلسطيني لم يلق السلاح
فلسطين المحتلة قُدس الإخبارية: لم يكن تاريخ 15 أيار/ مايو 1948 إلا تكثيفاً تذكيرياً لسلسلة ممتدة من الأحداث التي قادت إلى الحدث الأكثر مأساوية في تاريخ الشعب الفلسطيني، فقبل وبعد شهور من هذا اليوم واصل آلاف المقاتلين العرب والفلسطينيين القتال حتى آخر نفس في وجه العصابات الصهيونية التي لم يكن طريقها في احتلال البلاد سهلاً دائماً، بل واجهت في بعض المواقع مقاومة كادت أن تكسرها إلى الأبد.
تشريد مئات آلاف الفلسطينيين وتدمير مدنهم وقراهم وحواضرهم التاريخية بعد المجازر الوحشية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحقهم، لم تمنع الفلسطيني من أخذ قرار العودة بيده في اللحظات الأولى من الهزيمة، متجاوزاً الكارثة النفسية التي لحقت به، وسجل التاريخ أن مئات اللاجئين واصلوا العودة في أثناء الحرب وبعدها في شمال البلاد وجنوبها.
وطوال سنوات ما بعد النكبة، واصل عشرات الفدائيين التسلل من الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة، وخلال سنوات الخمسينات برزت رمزية الفدائي “مصطفى عبيد الصمويلي” من قرى القدس، الذي يشكل هاجساً للعصابات الصهيونية بعد سلسلة العمليات التي نفذها ضدها قبل أن يجري اغتياله.
وفي كل التجمعات التي تفرق عليها الشعب الفلسطيني بقي سؤال “ما العمل” حاضراً، وطاف الفلسطينيون على مختلف الأيدلوجيات باحثين عن إجابة حول “كيف نعود إلى فلسطين”، وظهرت في تلك السنوات حركات قومية ويسارية وأخرى موزعة على مختلف الاتجاهات الفكرية، كان للفلسطينيين سهم رئيس في تأسيسها، وتواصلت مع هذه المشاريع الفكرية والتنظيمية عمليات الفدائيين من غزة والضفة، وأصبح رواد هذه العمليات لاحقاً من قيادات الحركة الفدائية الفلسطينية.
ورغم التضيييقات على الفلسطينيين في الضفة وغزة ومختلف الدول التي هجروا إليها، بقيت السعي إلى إحياء عمل سياسي يعيدهم إلى فلسطين لم يتوقف، وجاءت الهزيمة القاسية في عام 1967 لتعيد زمام المبادرة بيد الحركة الفدائية التي اشتد عودها وامتد عملها إلى داخل فلسطين التي أصبحت كاملة تحت الاحتلال.
وبعد عام سجلت المقاومة مع الجيش الأردني انتصاراً معنوياً هائلاً على جيش الاحتلال، في معركة الكرامة، وبعد مرحلة الأردن التي شهدت نهايتها تصفية لقوة المقاومة من أطول جبهة، واصل الفلسطيني رفع سلاحه نافضاً عن نفسه آثار الحرب نفسياً ومعنوياً، وشن سلسلة عمليات في العالم وعمق الأرض المحتلة، بعد ارتكاز قوات الثورة في لبنان.
وفي لبنان، بقي اللاجئ تحت تهديد المجزرة تلو المجزرة من أجل قتل سعيه من أجل العودة، وفي حروب متلاحقة واجه جيش الاحتلال والمتحالفين معه، ورغم الظرف المأساوي الذي دخلت فيه القضية بعد فترة اجتياح لبنان عام 1982، كانت الأرض المحتلة تستعد لفصل جديد من المقاومة عبر الانتفاضة الأولى التي هزت دولة الاحتلال، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الضوء في العالم.
اتفاقيات التسوية لم تمنع الفلسطينيين من الاستمرار بالتمسك بخيار السلاح، لمنع المنطقة من الدخول في العهد الإسرائيلي، وبعد سنوات من أوهام التوصل إلى حل مع دولة الاحتلال، اندلعت انتفاضة الأقصى وهي المعركة الأكبر في الأرض المحتلة منذ النكبة، وكبَدت مجتمع المستوطنين خسائر فادحة بشرياً ومادياً، وتركت آثاراً عميقة في التفكير الإسرائيلي حول الضفة وغزة، ودفعت أرئيل شارون أحد أشرس المدافعين عن الاستيطان إلى الانسحاب من القطاع والتفكير بخطة للانفصال عن الفلسطينيين.
مرحلة ما بعد 2007، بما حملته من تغييرات سياسية وأمنية في الضفة المحتلة لصالح منع اندلاع انتفاضة جديدة، لم تمنع الفلسطيني من مواصلة السعي لتجديد المقاومة، وسجلت هذه المراحل عشرات العمليات الفدائية، تزامناً مع حملة أمنية شرسة أسفرت عن اعتقال مئات الخلايا التنظيمية التي سعت لتجديد العمل العسكري ضد الاحتلال، وصولاً إلى مرحلة انتفاضة القدس ثم العهد الجديد الذي أقامته مجموعات المقاومة خاصة في شمال الضفة المحتلة.
وفي قطاع غزة، دخلت المقاومة مرحلة جديدة راكمت فيها النضج في المستويات التنظيمية والعسكرية والإدارية، واستطاعت عبر الحروب المتلاحقة تحقيق إنجازات تكتيكية واستراتيجية في المعركة مع الاحتلال، رغم قسوة عمليات الحصار المفروضة على المجتمع الفلسطيني في القطاع، وفي السنوات الأخيرة سعت المقاومة للربط بين مختلف القضايا الفلسطينية ومنع الاحتلال من الاستفراد بها دون الأخرى.
وفي القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، واجه الفلسطيني سياسات التهويد وبقي في قلب الحركة الوطنية، ومنذ السنوات الأولى للحرب على الهوية ثم يوم الأرض والهبات المتلاحقة دفاعاً عن الأرض والقدس والأقصى، وصولاً إلى “معركة سيف القدس” والمفاجأة الاستراتيجية أمام الاحتلال بدخول مواقع كان يحسبها هادئة، بقيت سياسات الفصل عن الهوية تعيش على قلق عودة الفلسطيني إلى ذاته.