هيريت ستو.. كاتبة أشعلت حربًا بقلمها

في عام 1852، صدرت رواية صغيرة من 300 صفحة، لامرأة أمريكية لم تكن تعرف خارج الأوساط الدينية والأدبية المحلية، لكنها لم تكن رواية عادية، ولا كانت امرأة عادية. إنها هيريت بيتشر ستو، الكاتبة التي أطلقت شرارة الغضب الأخلاقي في أمريكا ضد مؤسسة العبودية، بقلمها فقط.
الرواية كانت “كوخ العم توم”، والنتيجة كانت واحدة من أكثر الحركات الاجتماعية زخمًا في تاريخ الولايات المتحدة.
“هذه هي السيدة التي أشعلت حربًا كبيرة!”
بهذه الكلمات استقبلها الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن عندما التقاها في البيت الأبيض عام 1862، أثناء اشتعال الحرب الأهلية الأمريكية.
لم يكن هذا الإطراء مجازًا سياسيًا، بل اعترافًا حقيقيًا بقوة الأدب في التأثير على المجتمعات وتغيير المسارات التاريخية.
رواية زلزلت الضمير الأمريكي
نشرت ستو روايتها في وقت كانت فيه أمريكا منقسمة بشكل حاد بين الشمال المناهض للعبودية، والجنوب الذي يعتمد على استعباد السود اقتصادياً واجتماعياً.
جسدت الرواية معاناة العبيد السود من خلال شخصية “العم توم”، الرجل الطيب الذي تمزقه أهوال العبودية ويجبر على تضحيات إنسانية مؤلمة.
الرواية لم تكن فقط قصصية، بل كانت شهادة إنسانية موثقة، استخدمت فيها ستو مصادر حقيقية من شهادات العبيد والناجين، مما أعطاها بعدًا واقعيًا صادمًا في ذلك الوقت.
ردود فعل غاضبة… وانتشار غير مسبوق
حقق الكتاب مبيعات قياسية، إذ بيع منه أكثر من 300 ألف نسخة في عامه الأول فقط بالولايات المتحدة، ووصلت ترجماته إلى أوروبا والشرق الأوسط. في المقابل، أثارت الرواية سخط الجنوبيين الذين اتهموها بتشويه صورة مجتمعهم.
الصحف الموالية للعبودية شنت هجومًا حادًا عليها، لكنها لم تتراجع، بل أصدرت لاحقًا كتابًا بعنوان: “مفتاح إلى كوخ العم توم” لتوثيق المصادر التي استندت إليها في روايتها.
امرأة من قلب الوعظ إلى قلب المعركة
ولدت هيريت في عائلة دينية بروتستانتية صارمة في ولاية كونيتيكت عام 1811، ونشأت على قيم الإصلاح والعدالة.
عاشت مع زوجها في مدينة سينسيناتي، قرب الحدود بين الولايات الحرة والولايات العبودية، حيث شاهدت بنفسها قصص الفارين من الرق، ما جعلها تؤمن بأن السكوت خيانة.
عبر قلمها، لم تكن ستو مجرد كاتبة، بل مناضلة ضد الظلم الاجتماعي، سبقت عصرها في توظيف الأدب كوسيلة لتغيير الواقع.
إرث لا يزال حاضرًا
رغم مرور أكثر من 170 عامًا على صدور الرواية، لا تزال “كوخ العم توم” تدرس في الجامعات وتناقش في المحافل الأدبية كأحد أهم الأعمال التي غيرت الوعي الجمعي.
كما تم تحويل الرواية إلى مسرحيات وأفلام، وأصبحت شخصية “العم توم” رمزًا للتضحية، وإن كانت أحيانًا مثار جدل حول معنى الخنوع أو الصبر السلبي، ما يعكس تعقيد التلقي الأدبي عبر الأجيال