تآكل قوة الردع لإسرائيل وتنامي قدرات المقاومة الفلسطينية
عندما تقوم بحشد قوات مهولة جوية وبرية بعد فترة زمنية طويلة من الإعداد والتخطيط ضد خصم وهدف محدود القوة والقدرة ومحاصر في مكان ضيق، فهي إشارة إلى تآكل القوة وفقدان الردع، تلك هي خلاصة ما حدث في جنين وقبلها في نابلس ومن قبل في غزة وفي لبنان. وثمة قناعة باتت شائعة لدى الخبراء أن محاولة المستعمرة الاستيطانية اليهودية استعادة قوة الردع التي شكلت جوهر العقيدة الاستراتيجية العسكرية للاستعمار الاستيطاني اليهودي على أرض فلسطين، وللهيمنة على المنطقة والتي تمتعت بها المستعمرة لعقود، أصبحت من الماضي.
تلخص الحملة العسكرية الإسرائيلية على جنين ومخيمها فجر الثالث من تموز/ يوليو 2023، مفارقة القوة وتآكلها وفقدان الردع، فالهدف المعلن من عملية “المنزل والحديقة” هو توجيه ضربة لكبار مقاومي “كتائب جنين”، و”إنهاء دور جنين بوصفها ملاذا آمنا للإرهاب” على حد توصيف دولة الاحتلال و”تمهيد الطريق لعودة السلطة الفلسطينية إلى المخيم” الذي طالما وصفته إسرائيل بأنه “عش الدبابير” بسبب إيوائه للمقاومة والمقاومين. وبحسب جيش الاحتلال، فإنّ الخطّة لهذا الاجتياح وُضِعَت قبل حوالي عام، ولكن أُجل تطبيقها عدة مرات وأُجريت عليها عدة تعديلات، وتطلبت إبلاغ الراعي الرئيس للمستعمرة وهو الولايات المتحدة الأمريكية والحصول على تأييده.
ومفارقة القوة وسخرية الردع تبرز بجلاء في مخيم جنين، ووفقا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، فإن عدد سكان المخيم يبلغ 14000 نسمة في الوقت الحالي، يعيشون في تلك المساحة الصغيرة التي تقل عن نصف كيلومتر مربع.
عملية استعادة الردع المفقود من قوة مقاومة صغيرة في مساحة ضيقة؛ تطلبت تخطيطا وإعدادا طويلا سمح لجيش الاحتلال الإسرائيلي بتغطية واسعة لأجهزة التحكم على العملية العسكرية، التي وُصفت بأنها واحدة من العمليات العسكرية التكنولوجية الأكبر في الضفة، بتعاون وثيق مع الاستخبارات وسلاح الجو والقوات البرية. إذ تدخل سلاح الجو الإسرائيلي لتأمين حشد نحو ألف جندي إسرائيلي من كتائب ووحدات مختلفة ومنها: وحدة “إجوز” المختصة بقتال المجموعات غير النظاميّة في مناطق سكنية مكتظة، ووحدة “اليمام” الشهيرة بعمليات الاغتيال، ووحدة “ماجلان” المختصة بتدمير أهداف نوعيّة في قلب ساحة المعركة، ووحدة “سيفن” المختصة بجمع الوثائق والعينات والأغراض التي تساعد في الكشف عن شبكات المقاومين، وعناصر من جهاز “الشاباك”، وغيرها من الوحدات، فضلاً عن إقامة مركز لإدارة عمليات الجيش شمال حاجز الجلمة.
تشير عملية جنين إلى هيمنة مقاربة غياب الردع، وهي مقاربة مطابقة لرؤية رئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي، حسب الباحث في العلاقة بين الجيش والمجتمع في الجامعة المفتوحة الإسرائيلية، البروفيسور يغيل ليفي، في صحيفة “هآرتس”، الذي أشار إلى أقوال هليفي خلال مؤتمر هرتسيليا الشهر الماضي، بأن أحد أسباب تصاعد العمليات في الضفة الغربية هو “الجيل الشاب في يهودا والسامرة، الذي لم يشهد السور الواقي (أي اجتياح الضفة عام 2002)، ويخطئ بالاعتقاد أنه بقوة الإرهاب سيحقق إنجازا هاما”.
وأشار ليفي أيضا إلى أقوال قائد منطقة القدس والضفة الغربية السابق في الشاباك، أريك باربينغ، أن “انتفاضة الأفراد” في العامين 2015 2016 في الضفة نجمت عن واقع الاحتلال الذي أنشأه “السور الواقي” في أوساط الجيل الشاب الفلسطيني. وأضاف أن “رئيس هيئة الأركان العامة يقترح تحليلا معاكسا، وهو غياب الردع”، فالتحليل الحساس لمسؤول الشاباك السابق استبدله هليفي بالمفهوم العسكري التقليدي من مدرسة موشيه يعالون، حول “كي الوعي” بواسطة القوة”، فقد قال هليفي أيضا إنه “يوجد الكثير من علم النفس في ميدان القتال. ويجب أن يشعر العدو بأن ما تفعله به يصعب تحمله، ويجب أن يتم التعبير عن القوة الشديدة”.
إذا كان هدف الاحتلال المعلن من عملية “المنزل والحديقة” هو استعادة الردع بتوجيه ضربة للمقاومة وفي مقدمتها “كتائب جنين”، و”تمهيد الطريق لعودة السلطة الفلسطينية إلى المخيم”، فإن ما تحقق هو نجاح تكتيكي محدود وهو أقرب إلى الفشل الاستراتيجي، حيث كان أول ما قام به أهالي المخيم هو طرد رموز السلطة، أمثال محمود العالول وعزام الأحمد وصبري صيدم، وظهرت المقاومة وفي مقدمتها كتائب جنين موحدة وصامدة وأكثر قوة وتلاحماً وتصميماً على الصمود والتصدي ومواجهة الاحتلال ووكلائه.
تحاول المستعمرة الاستيطانية اليهودية الترويج لأسطورة الردع التي تآكلت من خلال بث دعاية الانتصار في حروبها في إطار معركة سياسات الوعي، وتحظر أي حديث عن الهزيمة، وهي دعاية عارية عن الصحة. وقد اعترف وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبيرمان، قبل عامين أمام لجنة أمنيّة عسكريّة عُليا في الكنيست، وسُرّب حديثه إلى صحيفة “هآرتس”، أن إسرائيل لم تنتصر في أي من حروبها التي خاضتها منذ احتلال كامل فلسطين حتى الآن، وأضاف أن عدوها الأول واللدود يتمثل في حركتي حماس والجهاد وكل مِن إيران وحزب الله.
إن حديث ليبرمان أن إسرائيل لم تنتصر في أي من حروبها التي خاضتها منذ احتلال كامل فلسطين حتى الآن، يشي بأنها انتصرت في حروبها مع العرب، لكن الحقيقة أن الدول العربية لم تخض أي حرب فعلية مع المستعمرة، والحرب الوحيدة إذا جاز القول هي حرب 1973، ولا تعدو عن كونها حرب تحريك لفتح مفاوضات ما سمي بالسلام والذي قاد لاحقا إلى تطبيع دون حرب أصلاً.
فالدول العربية لا تقع ضمن مهددات الأمن الإسرائيلي، التي تحولت جيوشها إلى قوات مكافحة إرهاب داخلي مزعوم للقبض على السلطة. وهي حقيقة أشارت لها وثيقة “استراتيجية الجيش الإسرائيلي” التي ظهرت لأول مرة عام 2015، والتي وُضعت إبان فترة شغل الفريق غادي آيزنكوت منصب رئيس الأركان العامة لـ”جيش الدفاع الإسرائيلي”، في الفترة 20142019، والذي كتب بالتعاون مع العقيد احتياط غابي سيبوني، وهو زميل أبحاث أقدم في “معهد دراسات الأمن القومي”، ورقة سياسات “توجيهات لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي”، حيث يؤكدان على حقيقة خروج الدول العربية من معادلة الأمن، فقد جاء في الورقة: “اليوم تجد إسرائيل نفسها تبحر في مشهد من التهديدات المتغيرة. فالتحوّل المميّز البارز هو أن خصمها الرئيس لم يعد تحالفاً من الدول العربية مصمماً على تدمير إسرائيل من خلال مناورات برية واسعة النطاق، بل يشمل خصومها اليوم منظمات غير حكومية تنتهج استراتيجية قائمة على هجمات وتوغلات محدودة في الأراضي الإسرائيلية”.
إن المرتكزات الأساسية للأمن الإسرائيلي كقوة استعمارية تقوم على مفهوم الردع، وهو يعني القدرة على ثني عدو/ خصم عن القيام بأعمال عدائية ضد الدولة، وذلك عن طريق توجيه رسالة مؤداها أن مثل هذه الأعمال لن تكون مجدية بالنسبة إليه. ومن ناحية عملية فإن الردع يهدف الى منع الحرب والعنف، وهو مرتبط عضوياً بالقدرة على الحسم والانتصار في الحرب، فنظرية الردع الإسرائيلية تعتمد على الافتراض بأن نصراً إسرائيلياً حاسماً في كل مجابهة عسكرية مع العرب يؤدي ليس فقط لإنهاء الحرب، بل يساهم أيضا في إقناع العرب بعقم الخيار العسكري، وهو ما نجح وظهر من خلال التطبيع العربي المجاني، لكنه فشل مع المقاومة الفلسطينية وحركات المقاومة الوطنية.
فقد أثبتت الحروب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل في كل من لبنان وغزة، أن ثمة تراجعا ملحوظا في قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة وفق الأسلوب القديم القاضي بتدمير قوات الخصم واحتلال أرضه. وفوجئت إسرائيل وحلفاؤها في العالم في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012م بقدرة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على دك كل المفاهيم والمرتكزات الأمنية الإسرائيلية.
إذا كان مفهوم الردع قد حقق نجاحاً على صعيد الدول، فإنه يشهد فشلاً ذريعاً على صعيد الفاعلين من غير الدول من خلال فصائل المقاومة، وقد عمد الاستعمار الاستيطاني اليهودي على تطوير مبدأ الردع من خلال مقاربة تقوم على عقيدة مكافحة التمرد، كما هو شأن القوى الكولونيالية التقليدية. فمنذ الاستعمار البريطاني، شكلت فلسطين مختبراً لتقنيات قمع الثورات وحركات المقاومة ضد الاستعمار، في إطار عقيدة “مكافحة التمرد”، إذ تستند جذور الممارسات الصهيونية الحالية إلى سياسات القمع البريطانية ضد الثورة الفلسطينية.
ويقوم خطاب عقيدة مكافحة التمرد على نسق تفكيكي (فرق تسد)، عن طريق عزل وتفكيك المجتمعات وبث الخلافات ودعم الانشقاقات، باستهداف الحاضنة الشعبية وعزلها عن “المقاومة، باعتبارها تمرداً على سلطة شرعية، واستهداف المقاومة وعزلها شعبياً ودولياً من خلال شيطنة وتجريم أفعال المقاومة، ووصفها بمصطلحات سلبية قدحية كـ”الإرهاب” أو “التخريب” أو “العبث”. وفي المقابل يقوم الاستعمار بخلق سلطة موالية، يضفي عليها صفات المدح وينعتها بـقوى “السلام” و”الحوار” و”الاعتدال”، وينشئ لها ما يسمى “المناطق الخضراء” كمساحات آمنة خالية من المقاومة ومقاوِمة لأي بذور للمقاوَمة، كما هو حال سلطة أوسلو في رام الله.
تشدد عقيدة مكافحة التمرد الاستعمارية على خلق كيان تصبغ عليه صفة الشرعية، فوجود حكومة محليّة صورية يساعد على تسفيه أعمال المقاومة، ويشرعن عمليات القتل والاعتقال، وتجفيف مصادر التمويل، ويحول دون تحويلهم إلى رموز وأبطال. وتهيمن على خطاب مكافحة التمرد مسألة “كسب قلوب وعقول الناس”، ولا يقتصر خطاب مكافحة التمرد على نزع شرعية المقاومة ونعتها بالإرهاب، بل يعمل على التبشير بعبثيتها وعدم جدواها.
وقد أكد على أهداف عقيدة “مكافحة التمرد”، غادي آيزنكوت وغابي سيبوني، في ورقة السياسات بالقول: “تقوم استراتيجية الأمن القومي (الإسرائيلي) على مفهوم “الجدار الحديدي” لزئيف جابوتينسكي. وبعبارة أخرى، لا يمكن تحقيق السلام إلا بعد أن يدرك أعداء إسرائيل أنّ مساعيهم غير فعالة وتؤدي إلى زيادة معاناتهم الخاصة. ويجب أن يكونوا مقتنعين بأن بإمكانهم تحقيق الكثير من خلال الحوار وليس العنف”.
برهنت الحروب الأخيرة التي خاضتها المستعمرة الإسرائيلية في كل من لبنان وغزة، والعمليات العسكرية في الضفة الغربية أن ثمة تراجعا واضحا في قدرة الجيش الإسرائيلي على حسم من خلال مقاربة الردع الكلاسيكية، وذلك بتدمير قوات الخصم واحتلال أرضه. وقد تبنّت “إسرائيل” في الألفية الجديدة عقيدة عسكرية جديدة مستوحاة من العقيدة الأمريكية في حربها على العراق عام 2003م، وهي تعتمد على الصدمة والرعب وترتكز على الحسم والردع، باستخدام قوة نارية هائلة إلى جانب عنصري المفاجأة والسرعة لحسم المعركة. وهو ما ظهر في الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان وعلى غزة، وذلك لتحقيق هدف رئيس تمثل بمحاولة ترميم قدرة الردع الإسرائيلي وإعادة هيبة الجيش الإسرائيلي، لكن ذلك لم يتحقق، بل أدى إلى تنامي قوة وقدرة المقاومة، ولم تعد المستعمرة قادرة على تحقيق الردع.
عقب سلسلة من الحروب والعمليات العسكرية تكشف الأمن الإسرائيلي عن تآكل قوة الردع، فقد أصبح أمن إسرائيل وأمن مواطنيها أكثر عرضه للتآكل على المدى المتوسط والبعيد بفعل المهددات الداخلية التي تقودها المقاومة الفلسطينية، والمهددات الخارجية التي تقودها إيران وحزب الله. وكشفت السنوات الأخيرة عن هشاشة الدولة والمجتمع الاستيطاني اليهودي، وتنامت القدرة على اختراقه، وأصبحت المستعمرة بحاجة أكبر إلى رعاية قوى عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية، إذ لم يعد العمق الاستراتيجي الذي حققته المستعمرة الإسرائيلية باحتلال أراض عربية في القرن الماضي والتطبيع المحاني في القرن الحالي؛ كافياً لمنع التهديدات الداخلية والخارجية من المس بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
إن تآكل قوة الردع الإسرائيلية باتت واضحة للعيان، فعندما شنت إسرائيل حربًا على قطاع غزة في آب/ أغسطس 2022، أعلنت أن هدفها هو حركة “الجهاد الإسلامي” فقط، وأنها لا تستهدف حركة حماس وبقية الفصائل، ورغم أن ذلك يبدو استراتيجية خبيثة لسياسة فرق تسد، لعزل فصائل المقاومة وبث الشك بين أفرادها، والانفراد ولاستكمال عمليات العزل والقضم، لكن ذلك كشف عن اختلال في رؤية الاحتلال الذي يضع كافة فصائل المقاومة في قائمة الإرهاب ويصنف أي شكل للمقاومة كإرهاب، وهو ما يعبر عن خوف وخشية من مواجهة جميع الفصائل الفلسطينية في غزة في نفس الوقت.
على مدى سنوات طورت فصائل المقاومة في غزة من قدراتها القتالية، وبرهنت على قدر كبير من النضج والصير الاستراتيجي، وأصبحت الحروب التي تشنها المستعمرة الإسرائيلية في غزة أكثر صعوبة وتعقيداً، فعملية “الجرف الصامد” في عام 2014 كانت مكلفة على قوات الاحتلال من حيث الخسائر في الأرواح، فضلاً عن الخسائر المادية. وفي أيار/ مايو 2021، حصدت عملية “بزوغ الفجر” فشلاً ذريعاً، حيث أدت إلى وحدة الفلسطينيين في كافة الساحات، وشكلت ضربة استراتيجية للاحتلال الإسرائيلي ولم تحقق أي نجاح. وبعد مرور نحو عام توحدت المقاومة عقب الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى في 14 من شهر رمضان المبارك. وتوحدت جماعات المقاومة في غزة، وفي لبنان وسوريا، وكانت المقاومة من بدأت وبادرت بإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
المستعمرة الاستيطانية اليهودية بدأت تفقد قوة الردع التي تمتعت بها لعقود، وباتت بحاجة إلى حشد قوة نارية هائلة من أجل هدف صغير، فقد طورت المقاومة من قدراتها القتالية وبرهنت عن نضج وصير استراتيجي، وفشلت المستعمرة في تفكيك الساحات
ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي رد بضرب أهداف مختلفة، لكنه كان حريصاً على عدم خوض حرب متعددة الجبهات مع الفلسطينيين، وهو ما يؤكد على تآكل قوة الردع الإسرائيلية، وهو ما عبّر عنه بوضوح زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد في 9 نيسان/ أبريل الماضي، عقب مؤتمر صحفي مع نتنياهو، حيث قال: “وصلتُ إلى المؤتمر الصحفي مع نتنياهو وأنا أشعر بالقلق، وغادرت وأنا أكثر قلقا”. وأضاف: “ما يراه أعداؤنا أمامهم، في كل الساحات، هو حكومة غير كفؤة.. نحن نفقد قوة ردعنا”.
خلاصة القول أن المستعمرة الاستيطانية اليهودية بدأت تفقد قوة الردع التي تمتعت بها لعقود، وباتت بحاجة إلى حشد قوة نارية هائلة من أجل هدف صغير، فقد طورت المقاومة من قدراتها القتالية وبرهنت عن نضج وصبر استراتيجي، وفشلت المستعمرة في تفكيك الساحات.
ورغم التطبيع العربي المجاني بضغوط أمريكية، تكشف للجميع أن المستعمرة الاستيطانية اليهودية دخلت مرحلة الشك وتآكلت قوة الردع، فالانقسامات الداخلية الإسرائيلية في تصاعد، وتآكل القوة جلب حكومة فاشية يمينية متطرفة أكثر عدوانية وعنصرية، باتت تغطي ضعفها باستعراض القوة والمطالبة بحسم الصراع مع الفلسطينيين وليس إدارته، وهو ما بات محرجاً لكافة المطبعين العرب، وحتى لرعاة المستعمرة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وقد كشفت السنوات القليلة الماضية عن حقيقة باتت واضحة وهي تآكل قوة الردع الإسرائيلية، إذ لم تعد عقيدة مكافحة التمرد الاستعمارية فعالة، وفشلت في جوانبها المادية والرمزية، فقد حققت المقاومة في معاركها الأخيرة نصراً استراتيجياً، وقلبت تكتيكات كسب العقول والقلوب، وأصبحت المقاومة تتمتع بشعبية جارفة، وحاضنة كبيرة، ومؤازرة عالمية، وباتت المؤسسة العسكرية الاستعمارية الإسرائيلية تدرك تآكل قوة الردع، بتنامي قدرة المقاومة بخلق توازن ردع.