البيت الأبيض يدخل عالم تيك توك رغم التهديد بالحظر

فتح البيت الأبيض نافذة جديدة في تاريخه الإعلامي بانضمامه إلى منصة تيك توك، رغم الجدل الذي يحيط بمصير التطبيق في الولايات المتحدة. لم تنتظر إدارة الرئيس دونالد ترامب حسم الخلافات القانونية مع الشركة المالكة ByteDance، بل سارعت إلى تدشين حساب رسمي باسم WhiteHouse ونشرت أول فيديو لها احتفت فيه بإنجازات ترامب.
يظهر هذا التحرك رغبة واضحة في استثمار المنصة الأكثر شعبية بين الشباب الأمريكي حتى وإن كانت مهددة بالحظر في أي لحظة.
جذور أزمة الحظر
تعود الأزمة إلى عهد الرئيس السابق جو بايدن الذي وقع قانونا يجبر الشركة الصينية ByteDance على بيع حصتها في تيك توك أو مواجهة حظر شامل داخل الولايات المتحدة. إذ اعتبرت الإدارة الديمقراطية أن التطبيق يشكل تهديدا للأمن القومي الأمريكي بسبب سيطرة الصين عليه.
وعندما تسلم ترامب السلطة في يناير 2025، وجد نفسه أمام ملف مفتوح ومعقد. فاختار تأجيل التنفيذ عبر أمر تنفيذي أوقف الحظر لمدة خمسة وسبعين يوما، ثم عاد ليؤجله في أبريل بعد انهيار مفاوضات بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها على بكين، وأخيرا جاء تأجيل ثالث في يونيو عندما لمح إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد يقبل بصفقة إذا ظهر مشتر أمريكي أو أجنبي للتطبيق.
الاستغلال السياسي للمنصة
لم تمنع هذه التوترات إدارة ترامب من استخدام تيك توك أداة رئيسية في تواصلها مع الجمهور. فالبيت الأبيض يؤكد أن المنصة تمنح فرصة ذهبية للوصول إلى ملايين الأمريكيين بطريقة مباشرة وسريعة.
وقد استند ترامب في موقفه إلى التجربة الناجحة التي خاضها خلال حملته الانتخابية الأخيرة، حيث وفر له تيك توك مليارات المشاهدات لمحتواه. وفي منشور على منصته Truth Social تساءل ترامب بلهجة ساخرة: لماذا أتخلى عن منصة تحقق لي كل هذه الأرقام الهائلة؟
تجربة الحملة الانتخابية
يعرف فريق ترامب جيدا قيمة تيك توك. ففي انتخابات 2024 أنشأ حساب TeamTrump الذي سرعان ما تحول إلى ظاهرة سياسية رقمية، إذ حقق أكثر من 2.8 مليار مشاهدة. في المقابل، لم تتجاوز مشاهدات حملة كامالا هاريس 2.2 مليار، لتخسر المنافسة الرقمية قبل أن تخسر في صناديق الاقتراع.
ويعود تفوق ترامب إلى شخصيته الإعلامية القادمة من التلفزيون الواقعي، فهو يجيد إنتاج اللحظة المثيرة التي تنتشر بسرعة بين المستخدمين. ويرى محللون أن فريقه الإعلامي استغل الطابع الترفيهي للتطبيق بطريقة تفوقت على أداء الديمقراطيين.
موقف الإدارة الحالية
أوضحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن إنشاء الحساب الرسمي ليس سوى امتداد لنجاحات الحملة السابقة. وقالت إن الرئيس ترامب أثبت أنه قادر على السيطرة على المشهد الرقمي والتواصل مع فئات واسعة من الشعب، وأن الإدارة الجديدة تسعى إلى البناء على هذه التجربة الفريدة لتتواصل مع الأمريكيين بلغة العصر الرقمي.
يضع هذا السلوك الإدارة الأمريكية في موقف ملتبس، فهي من جهة تحذر من خطر أمني مصدره التطبيق، ومن جهة أخرى تدشن حسابا رسميا عليه.
ويتساءل مراقبون: كيف يمكن لحكومة تهدد بالحظر أن تستخدم المنصة للتواصل مع الشعب؟ يبدو أن المصلحة السياسية تتفوق على المخاوف الأمنية، وأن الإدارة الحالية ترى في تيك توك سلاحا إعلاميا لا يمكن التخلي عنه.
هذه الازدواجية تطرح تساؤلات حول مدى جدية الخطاب الأمريكي بشأن الأمن القومي عندما يتعارض مع الحسابات الانتخابية.
مستقبل التطبيق في أمريكا
تتجه الأنظار إلى السابع عشر من سبتمبر، وهو الموعد النهائي لحسم الصفقة مع ByteDance. وحتى يحين ذلك، يظل البيت الأبيض متمسكًا باستخدام المنصة كمنبر رسمي. ويتوقع خبراء أن يتم التوصل إلى حل وسط يسمح ببقاء تيك توك مقابل تنازلات في إدارة البيانات أو مشاركة الملكية مع شركات أمريكية.
ويشير آخرون إلى أن ترامب نفسه لا يرغب في حظر التطبيق، بل يريد إعادة صياغة العلاقة معه بما يخدم مصالحه السياسية والتجارية. يعكس دخول البيت الأبيض إلى تيك توك في هذا التوقيت مشهدا متناقضًا يجمع السياسة والأمن والإعلام في ساحة واحدة. فالإدارة التي تلوح بالحظر هي ذاتها التي تحتفي بمنصة صينية وتسعى لاستغلالها لتعزيز حضورها.
ويكشف ذلك عن تعقيدات العلاقة بين الولايات المتحدة والصين في مجال التكنولوجيا، حيث تختلط الحسابات الانتخابية بالمخاوف الاستراتيجية. وبينما يترقب العالم ما ستسفر عنه المفاوضات المقبلة، يبقى تيك توك مثالًا حيا على كيف يمكن لأداة ترفيهية أن تتحول إلى ساحة صراع سياسي دولي، وإلى أداة انتخابية يستخدمها رئيس أمريكي ليعزز موقعه في المشهد الرقمي.
?xml>