مقالات

المضادات الحيوية ليست حلاً دائماً: مخاطر الإفراط في استخدامها للأطفال

“حبوب صغيرة لكنها تحمل خطراً كبيراً”، كلمات تلخص ما نشاهده حالة مرض الطفل الصغير وسط الأسرة؛ حيث نجدهم يطلبون من الطبيب وصف مضاد حيوي للطفل فوراً، وأحياناً يتبرعون وحدهم بإعطاء دواء تبقَّى في المنزل دون استشارة! وهذا المشهد يتكرر حينما يصاب الطفل بالحمى أو التهاب الحلق، التصرف يبدو في ظاهره حرصاً على صحة الطفل ورغبة في تسريع شفائه، وفي الحقيقة هم يسببون مشاكل صحية خطيرة لطفلهم.
وتحليل الموقف يعرضه الدكتور محمود عبد الحليم أستاذ طب الأطفال؛ حيث يؤكد أن الإفراط في استخدام المضادات الحيوية عند الأطفال، لا يقوي المناعة ولا يسرّع الشفاء دائماً، بل قد يُضعف مقاومة الطفل للأمراض في المستقبل، ويخلق مشكلات يصعب علاجها لاحقاً.

تجربة “أم” تتكرر مع المضادات:

تروي إحدى الأمهات أنها كانت تعطي طفلها مضاداً حيوياً مع بوادر كل نزلة برد، وكانت تبحث عنه في خزانتها الطبية بالمنزل أولاً، وإن لم تجد الشريط المتبقَّى من استعمال سابق، كانت تنزل وتشتريه من الصيدلية، ومن دون استشارة الطبيب، بعد سنوات من تكرار هذا التصرف الخطأ، أصيب الطفل بعدوى بكتيرية قوية لم يستجب جسمه لأي مضاد حيوي تقليدي؛ سعت لجلبه وحدها أو بعد كشف الطبيب، مما اضطر الأطباء لاستخدام أدوية أقوى وبمضاعفات أكبر، وهنا اعترفت الأم بخطأ وجسامة ما كانت تفعله بجهل شديد وقالت: لو كنت أعلم مدى خطورة ما أفعل، ما أعطيت ابني أي دواء دون وصف الطبيب.

ما هي المضادات الحيوية وكيف تعمل؟

مجموعة من أقراص المضاد الحيوي

المضادات الحيوية أدوية تعمل على قتل البكتيريا أو إيقاف نموها، ولا تعالج الفيروسات مثل نزلات البرد أو الأنفلونزا، كثير من الأهالي لا يميزون بين العدوى البكتيرية والفيروسية، فيعطون أطفالهم المضادات دون حاجة حقيقية إليها، وهناك نوعان من العدوى:
العدوى البكتيرية: مثل التهاب الأذن الوسطى البكتيري أو التهاب الحلق العقدي.
العدوى الفيروسية: مثل البرد، الأنفلونزا، ومعظم التهابات الحلق، وفي هذه الحالة، لن يفيد المضاد الحيوي بل قد يضر.

علاج التهاب الحلق عند الأطفال تعرفي إلى أعراضه وطرق علاجه

متى تكون المضادات الحيوية ضرورية حقاً؟

استخدام المضاد يتوقف على استشارة الطبيب

حالة تشخيص الطبيب لعدوى بكتيرية مؤكدة، أو في حالات الحمى الشديدة، مع وجود علامات بكتيرية تثبتها (تحاليل الدم أو مسحة الحلق).
التهابات الجهاز البولي البكتيرية، بعض أنواع الالتهاب الرئوي الناتج عن البكتيريا، في كل هذه الحالات، الطبيب فقط هو من يحدد الدواء والجرعة المناسبة.

مخاطر الإفراط في المضادات الحيوية على الأطفال

ظهور البكتيريا المقاومة للمضادات

البكتيريا كائنات ذكية تتطور بسرعة، وعند استخدام المضادات بشكل عفوي عشوائي، قد تتعلم البكتيريا كيفية مقاومة الدواء، ما يجعل علاجات المستقبل أقل فعالية أو عديمة الجدوى، هذه المشكلة اليوم أصبحت أزمة عالمية.

ضعف جهاز المناعة

وإعطاء الطفل المضادات بشكل متكرر يقتل البكتيريا الضارة والنافعة في الجسم معاً، وهذا الخلل في التوازن البكتيري، ويجعل الطفل أكثر عرضة للأمراض مستقبلاً.

الآثار الجانبية المباشرة

الإسهال واضطرابات المعدة، الطفح الجلدي والحساسية، في بعض الحالات، تحدث ردود فعل تحسسية خطيرة، قد تهدد الحياة.

التأثير على نمو الطفل

دراسات حديثة أشارت إلى أن الإفراط في المضادات الحيوية في السنوات الأولى، قد يرتبط بزيادة خطر السمنة أو اضطرابات المناعة مثل الربو والحساسية.

أخطاء شائعة يقع فيها الأهل

  • استخدام مضاد حيوي متبقٍ من مرض سابق، رغم عدم صحة إيقاف الدواء بمجرد تحسن الطفل.
  • عدم استكمال الجرعة التي حددها الطبيب حتى النهاية.
  • مشاركة الدواء بين الإخوة.
  • لكل طفل حالة ووزن مختلف.
  • الضغط على الطبيب لوصف مضاد، لا يغادرون العيادة إلا بعد الحصول على وصفة مضاد حيوي.

هل يعالج المضاد الحيوي البرد والأنفلونزا؟

طبيبة تكشف على حلق الطفلة المريضة

الإجابة… لا؛ فهذه الأمراض فيروسية بطبيعتها، والمضادات الحيوية لا تقتل الفيروسات، في هذه الحالات يحتاج الطفل إلى: الراحة، السوائل الدافئة، وخافض الحرارة عند اللزوم فقط.
ضرورة التشخيص الدقيق، الطبيب يجب أن يطلب تحاليل عند الشك في العدوى البكتيرية قبل وصف الدواء، مع التثقيف المستمر للأهل؛ بفهم متى يكون المضاد ضرورياً ومتى لا يفيد، والتزام الجرعة والمدة حتى لو اختفت الأعراض.
لا مانع من سؤال الطبيب عن سبب وصف المضاد الحيوي، وهل العدوى البكتيرية مؤكدة؟، مع التأكد من الجرعة المناسبة لعمر ووزن الطفل، والتزمي بالمدة كاملة حتى لا تعود العدوى بشكل أقوى.
أعطي الجرعات في أوقاتها بدقة، وراقبي أي أعراض جانبية مثل: الإسهال أو الطفح الجلدي، وأخبري الطبيب فوراً عند حدوثها.

البدائل الطبيعية لدعم مناعة الطفل

  • التغذية المتوازنة، الخضروات، الفواكه، الحبوب الكاملة، والبروتينات.
  • النوم الكافي، من 10 إلى 12 ساعة يومياً للأطفال الصغار.
  • النشاط البدني، اللعب في الهواء الطلق يحفز المناعة.
  • الرضاعة الطبيعية، في السنوات الأولى هي أقوى درع مناعي ضد الأمراض.

توصيات طبية للأمهات

الأطفال دون سن الثانية: يجب الحذر الشديد وعدم استخدام المضادات إلا بعد تأكيد التشخيص.
حفظ الأدوية في مكان آمن: وعدم الاحتفاظ بالمضادات المتبقية للاستخدام لاحقاً.
التطعيمات الدورية: تقي من كثير من الأمراض البكتيرية مثل التهاب السحايا والالتهاب الرئوي.
المضاد الحيوي سلاح ذو حدين: المضادات الحيوية من أعظم الاكتشافات الطبية في تاريخ البشرية، لكنها قد تتحول إلى كارثة إذا استخدمت بلا وعي.
سيدتي الأم:

  • لا تطلبي المضاد لمجرد الحمى أو الرشح، ولا تعطي أطفالك أي دواء دون استشارة الطبيب.
  • المناعة القوية تُبنَى بالحب، الغذاء السليم، النوم الكافي، والنشاط البدني، وليس بكثرة الأدوية.
  • حمايتك لطفلك تبدأ بالوعي، فاجعليه شعارك في كل مرة تفكرين في استخدام المضاد الحيوي.

ملاحظة من “سيدتي”: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.