عدم الاحتفال بإقصاء المغربيات من “مونديال السيدات” يشد الانتباه إلى رونار

أثارت تصرفات المدرب الأسبق للمنتخب الوطني المغربي هيرفي رونار إعجاب الكثير من المغاربة، بحيث رصدته الكاميرات وهو “يمتنع عن الاحتفال” بعد كلّ هدف يسجّله المنتخب النسوي الفرنسي في شباك “لبؤات الأطلس”، خلال مباراة ثمن نهائي كأس العالم أستراليا ونيوزيلندا؛ وهذا رغم كونه المدرب الحالي للمنتخب الفرنسي الذي تمكن من العبور نحو ربع نهائي كأس العالم للسيدات، بعد تسجيله رباعية نظيفة في مرمى المغربيات.
وبعد المباراة، بادر رونار إلى إلقاء التحيّة على المغربيات، تعبيراً عن مشاعر التضامن والتقدير والمواساة. ونالت هذه التّصرفات الكثير من الثناء من طرف “الفيسبوكيين” المغاربة، الذين اعتبروا أنّ “رونار مازال يحمل في دواخله الكثير من الدفء نحو القيم المغربية التي قدمت له الكثير من الدعم والاحتضان في مسيرته كمدرب، حتى صار الآن اسما مرجعيا في عالم التدريب؛ الأمر الذي خول له التعاقد سابقا مع المنتخب السعودي، قبل الانفصال عنه عقب فعاليات كأس العالم بقطر 2022”.
تقدير ثابت
أفاد عزيز بلبودالي، الخبير في الشّأن الرّياضي، بأنّ “عدم الاحتفال هو من طبيعة المدرّب هيرفي رونار، بحيث لا يحتفل عادةً، أي لا يُظهر مشاعر الفرح إلاّ نادراً، بينما تبدو عليه الانفعالات والغضب كلّما كان منزعجا”؛ مضيفا أنّ “هذه المرة كان الأمر من نوع خاص، لكون الفريق الذي في المواجهة هو المنتخب المغربي، وبالتالي حتى لو أراد الاحتفال فسيعدل عن ذلك، نظراً للتقدير الذي يحمله للمغرب، وليست مرة واحدة التي عبر فيها عن ذلك، بل مرارا وتكرارا، ونحن جميعا نعرف حجم حبّه لبلدنا”.
وبحسب ما فسره بلبودالي لجريدة هسبريس فإنّه “حين كان المغرب أمام فرنسا في نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر عبّر رونار صراحة عن أنه سيشجع المنتخب المغربي عوض منتخب بلاده؛ ولم ينكر نهائيا أن المغرب ترك فيه أثرا بالغا، بحيث غمره المغاربة بالحب والكرم والثناء على كل الجهود التي قدمها حين كان مديرا فنيا للمنتخب الوطني المغربي”، ذاكراً أنّ “رونار ارتبط بالمغرب عاطفيا أكثر من الارتباط المهني؛ وكل الخرجات الإعلامية والتصريحات تصبّ في اتجاه الإشادة بالمغرب وبأهله وبأنه كوّن علاقات إنسانية داخله”.
وقال المتحدث ذاته إنّ “رونار الذي درب المنتخب المغربي في الفترة ما بين 2016 و2019 أثبت أنه مدرب كبير، وليس غريبا أن يبقى المغرب حاضرا فيه، فكلّ الأجانب الذين يزورون هذا البلد يبقى لديهم انطباع جميل عنه؛ ومبدئيا لا أحد يستطيع أن يشكّ في ما يكنّه المدرب للمملكة المغربية”، مشيراً إلى أنه “كان إطارا تقنيا كفؤا وأخلاقه حميدة وجيدة، وحتى انفصاله لم يترك جدلا ولم يخرج إلى الصحافة لاختلاق ادعاءات كما حدث مع البوسني وحيد خاليلوزيتش”.
وأجمل المصرّح بأنّ “مدرب المنتخب النسوي حاليا بدوره قبل مباراة اليوم كان يردد مع اللاعبات النشيد الوطني، بمعنى أن قيم المغاربة لا تكفّ عن خطف قلوب الزّوار الأجانب”، خاتماً: “نزوله إلى أرض الملعب وسلامه على اللاّعبات وعلامات تقديره للمنتخب الوطني، وكذلك قوله أمس إن منتخبنا يشبه منتخب البرازيل، كلّها إشارات تدفعنا لنحترم هذا الرّجل لكونه نبيلاً ويحمل من الجمال الإنساني ما يجعله دائماً جديراً بأن يمرّ في تاريخ المنتخب المغربي”.
رفض الانزلاقات
قال عبد الحقّ الشّراط إنّ “احتفال رونار حتى لو تمّ فسيكون مقبولاً وعاديا، نظراً لكونه مدرّب المنتخب النسوي الفرنسي الذي سجّل تلك الأهداف؛ لكنّه انتصر للإنسان فيه، للنبل الذي هو منغرس في شخصيته وشعوره بالانتماء الوجداني إلى المغرب بعد ما قدمه له على المستوى الشّخصي والمهني”، موضحاً أنّ “المغرب ساهم في أن يصنع رونار اسمه في عالم الجلد المدور، وفي أن يكون مدربا بقيمة سوقية كبيرة وحائزاً على مكانة اعتبارية بالنسبة للمغاربة”.
وذكر الشراط، وهو يبسطُ توضيحاته لجريدة هسبريس، أنّ “الفترة التي جاء فيها رونار للمغرب كانت ستشهد ملاحم كروية لو لم يتمّ إيقافها بسبب الظلم التحكيمي سنة 2018 في مونديال روسيا”، مضيفاً أنّه “رغم فك العقدة فإنّ رونار ظلّ على علاقات جيدة بالمغرب وبالمسؤولين المغاربة، وهذا يوضح أن الحرب النفسية التي انطلقت في فرنسا قبل المباراة بأيام دحضها بتصرفاته، التي تبين أنّه شخص عملي، بمعنى أنه ركز على الكرة فقط دون الانزلاق وراء أي شيء آخر”.
ومضى المتحدث شارحا: “لا شكّ أنه في داخله مسرور بالنّتيجة، لكنّه احتراما لمشاعر المغاربة عدل عن إظهار ذلك، ليترك صورة نظيفة وجميلة في أفقنا من الصّعب جدا تهشيمها”، مسجلاً أنّ “المدربين من هذه الطينة النادرة يذكرهم التاريخ، ورونار لم يعد اسما عاديا في عالم كرة القدم، فقد درّب المنتخب السعودي الرجاليّ أيضا قبل أن ينتهي في تدريب المنتخب الفرنسي للسيدات، وهو ما يعني أنه يسير في اتجاه أن يختمر أكثر في عالم الكرة”.
وتمكن المنتخب المغربي النسوي من التأهل إلى دور ثمن نهائي “مونديال السيدات” بعد الفوز على كولومبيا واحتلاله المركز الثاني في المجموعة الثامنة برصيد 6 نقاط، حصدها من انتصارين وهزيمة؛ وذلك قبل أن تنتهي رحلة “لبؤات الأطلس” عقب الخسارة أمام فرنسا بنتيجة 0-4، اليوم الثلاثاء، في المباراة التي جمعت المنتخبين على أرضية ملعب “هيندمارش” بمدينة أديلايد الأسترالية. ورغم ذلك فإنّ أداء المغربيات وبلوغهنّ هذه المرحلة عده العديد من الخبراء تكريسا للنهضة الكروية المغربية الناشئة.