اخبار فلسطين

صور الحياة اليومية لجنود الاحتلال خلال اقتحام الضفة.. لماذا ينشرها الاحتلال؟

رام الله قدس الإخبارية: خلال اقتحام مدينة الخليل الأسبوع الماضي، وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة بعد عملية إطلاق نار أسفرت عن مقتل مستوطنة وإصابة آخر في المدينة، تعمد الاحتلال نشرَ صورٍ ومقاطع مصورة لجنوده خلال عملية الاقتحام، وكيف يمضي جنوده وقتهم بين الأزقة الفلسطينية. 

في الوقت ذاته، أعلن الشاباك عن اعتقال منفذي عملية الخليل، وسط تضخيم استخباراتي وعسكري، قبل أن ينشر الإعلام الفلسطيني مقطعًا مصورًا يظهر الدقائق الأخير لمنفذ العملية محمد الشنتير وهو يرسل رسائل الصمود لعائلته، قبل اعتقاله من منزله في “خلة مناع” جنوبي الخليل. 

يرى محللون أن نشر الصور اليومية لحياة الجنود، مقابل المبالغة في إنجاز عسكري واستخباراتي وهمي ما هي إلا إحدى مسارات الدعاية الإسرائيلية، والحرب النفسية التي يخضوها الاحتلال ضد الفلسطينيين، ومحاولةَ كيّ للوعي.  

كيف تعمل الدعاية الإسرائيلية؟ 

يقول الباحث في مجال الإعلام السياسي والدعاية حيدر المصدر إن الدعاية الإسرائيلية تدور حول ثلاث أطروحات: أطروحة الترويج الأخلاقي للجيش الإسرائيلي، وأطروحة الترويج للجبروت والقوة الإسرائيلية، وأطروحة التعايش والسلام كما تصفها مؤسسة الاحتلال.

ويضيف المصدر في حديثه لـ “شبكة قدس”: نشر مقاطع للحياة اليومية للجنود بين الفلسطينيين والمحلات والمطاعم الفلسطينية خلال الاقتحامات، يندرج تحت إطار التعايش، حيث يعتمد الاحتلال على مبدأ إظهار ما لا يبطن. 

ويتابع: يحاول الترويج للصورة بين الاحتلال والفلسطينيين ونشرها على الإعلام لإظهار التعايش، بين جيش الاحتلال والمدنيين، وأن مشكلة الاحتلال مع “الحركات الإرهابية”، كما يسميها، مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي وإلى حد ما السلطة الفلسطينية. 

ويشير المصدر إلى محاولة الاحتلال فتح قنواتٍ مع الفلسطينيين لتسهيل عملية التعايش على الأقل، للتعامل مع الضفة المحتلة. 

ويلفت الباحث في مجال الإعلام السياسي والدعاية إلى أن الاحتلال يروج لصورٍ ومقاطع مصورة تتواءم مع ما يحاول الاحتلال ترويجه لـ “محاربة الإرهاب” على الصعيد الدولي والإقليمي، من خلال استدعاء كل المدلولات من “الأنشطة التخريبية والمخربين وجميع المصطلحات التي تعكس مدلولات الإرهاب وبالتالي هذه الصورة تخدم خطابها لمحاربة الارهاب.”

“السياسة الناعمة”

بدوره، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد أن “نشر صور الجنود في محالات ومطاعم، وأحيانًا في بيوت بعض الفلسطينيين يراد نشر صورة تمثل ما يسمى بالسياسة الناعمة الإسرائيلية للمجتمع الفلسطيني.” 

ويوضح شديد لـ “شبكة قدس”: “يريد أن يوصل صورة وكأن العلاقة بين الفلسطينيين والاحتلال علاقة طبيعية وفي احترام وتبادل وزيارات ولا يوجد كراهية وأن هذه الأقلية، كما يصفها الاحتلال، من منفذي العمليات لن تنجح في ضرب العلاقة والرؤية الحسنة عند الناس تجاه الاحتلال” 

ويضيف: منذ أكثر من عام والاحتلال ينظر لعمليات المقاومة في سياق المحاكاة وأنها عملية ناجحة من حيث التنفيذ والأداء والنتيجة، والتقليد قد تشكل بمثابة إلهاء للآخرين الأمر الذي سيؤدي لتقليدها وتنفيذ عمليات مشابهة. 

ويتابع المختص في الشأن الإسرائيلي: “لذلك، يسارع الاحتلال في اتجاه اعتقال أو اغتيال أولئك الذين نفذوا العمليات ونشر الصور والأخبار بشكل سريع كرسالة إحباط للشباب الفلسطينيين الذين ألهمتهم العملية لكي لا يقلدوها، ويتراجع من ينوي تنفيذ عملية” 

محاولة “إثبات الوجود” 

لا تقتصر صور الاحتلال على محاولات الترويج لتعايشٍ وهمي، بل أيضًا ينشر جيش الاحتلال مقاطع مصورة لكيفية تنفيذه العملية العسكرية واعتقاله منفذي العمليات أو قتلهم، وهو ما يراه المحاضر في جامعة بيرزيت عبد الجوار عمر حاجة مؤسسة الاحتلال للتفاخر بإنجازاتها وتقديم رؤيتها الخاصة للعالم بما فيه فعاليتها من خلال وسائط مرئية.

ويستدرك عمر في حديثه لـ “شبكة قدس”: رغم أن هناك أيضًا نوعًا من السرية التي عليها أن تحافظ عليها، تشكل هذه الوسائط المرئية بالبداية إعلان وجود علني، ونمط من التوثيق لتدخلات جيش الاحتلال.

ويوضح عمر: “عادة ما تكون نظيفة دون جثث وعادة ما تظهر إما صورة جوية تلتقط الأرض الفلسطينية والمعركة من بعد، أو تأتي في سياق كاميرات ال GoPro ومن وجهة نظر الجندي نفسه، ولا تكشف لنا سوى عن حركة الجنود، وإطلاقهم للنار من بعد، وقدرتهم على محاصرة الهدف واستخدام الحركة في الأزقة الفلسطينية بفعالية.” 

ويشير عمر إلى ما تحاول هذه المقاطع إيصاله على الصعيد النفسي من أن “جنود الاحتلال يدخلون معارك، بل يعدون الكمائن، وأنهم دوماً دقيقين، محافظين على هدوئهم، بل يظهرون كآلة قتل نظيفة تستطيع التمييز بين الهدف وبين البيئة التي يوجد الهدف فيها” 

“برأيي، تمثل تطلعات الجيش على أن يُرى كآلة قتل شرعية وفعالة، أخلاقية وجادة، بل هي نوع من الصورة المثالية تشبه كيف يقدم فرد ما نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، يقدم نفسه ب تظهر صورة أدائية ومتخيلة ومثالية”، يقول المحاضر في جامعة بيرزيت. 

وينوّه إلى استخدام الاحتلال هذه المقاطع المصورة لعملياته العسكرية ليطمئن المستوطن بأنه ما زال يملك مخزون كبير من “البطولة”، أو ليقدم لذلك المستوطن نبذة ترويجية لما يحصل عندما تمس أمن “دولة إسرائيل”، كما تساهم هذه الصور في حشد الدعم، وبناء بيئة أفضل للعلامة التجارية للاحتلال ككيانٍ يمتلك تقنيات وأدوات سيطرة وتحكم يمكن شراءها في سوق الأسلحة العالمي.