اخبار فلسطين

الاحتلال والمناورة البرية: “الطوفان الأكبر” ينتظر في غزة

فلسطين المحتلة قُدس الإخبارية: لا يمر يوم منذ انطلاق معركة “طوفان الأقصى” دون تصريحات من قادة المنظومة الأمنية والسياسية، في دولة الاحتلال، حول نوايا شن هجوم بري في قطاع غزة تحت شعار كبير رفعوه وهو “تدمير التنظيم السياسي والعسكري للمقاومة وإنهاء حكم حركة حماس فيها”.

ولكن يبدو أن الواقع لا يخدم الشعارات الكبيرة دائماً، خلال الأيام الماضية قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو “غير متشجع” حالياً لخيار الدخول البري إلى قطاع غزة، وأن الأخير استمع إلى نصيحة الجنرال (احتياط) اسحاق بريك الذي لا يتوقف عن التحذير من سيناريو كارثي على الجيش والمستوطنين إذا نفذت “إسرائيل” عملية برية، في غزة.

بريك الذي التقى مع نتنياهو عدة مرات، خلال الأيام الماضية، حذره من أن حماس تستعد لجر الجيش إلى غزة من أجل تنفيذ ضربة استراتيجية نوعية بقواته، تزامناً مع احتمالية دخول حزب الله وقوى أخرى في المعركة، وهو ما قدر يعرض الجبهة الداخلية لإطلاق آلاف الصواريخ يومياً.

هذه المعلومات تعززها تقارير أمريكية كشفت عن خشية لدى إدارة الرئيس، جو بايدن، من أن دولة الاحتلال لا تملك الخطط الكافية المحمولة على أهداف واضحة من العملية العسكرية، في قطاع غزة، وهو ما دفع رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هليفي، إلى أن يزعم أن “قواته مستعدة لتنفيذ العملية البرية وبانتظار موافقة المستوى السياسي”.

إلقاء هليفي بالقرار في ملعب القيادة السياسية لا يعني أن وجود مخطط أمر فعلي، أو أن هذه الخطط تعني أن جيش الاحتلال مستعد فعلاً لخيار تنفيذ عملية برية، في قطاع غزة، وهو ما يعزز حالة “اللايقين” التي بدأت مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى”.

تصريحات هليفي جاءت في وقت طالب ضباط سابقون بإقالة قادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال، وجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، وضباط آخرين حملوهم المسؤولية عن الفشل الذي وقع في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بعد نجاح كتائب القسام في تنظيم هجوم استراتيجي كاسح على مستوطنات “غلاف غزة” وقيادة “فرقة غزة”.

سقوط فرقة غزة في الهجوم الذي نظمته كتائب القسام قد يكون أحد الأسباب التي دفعت قيادة الاحتلال، نحو تأخير العملية البرية، نظراً للمهمات التي كانت تقوم بها الفرقة من حيث الجمع الاستخباراتي وتنظيم القوات في المنطقة وتحضير خطط الحرب، وغيرها من الفعاليات العسكرية والميدانية التي تتعلق بالقطاع.

كما أن سيطرة المقاومين على مقرات استخباراتية يعزز بقوة فكرة أن المقاومة حصلت على معلومات سرية في مجالات مختلفة، وهو ما قد يخدمها خلال مواجهة العمليات البرية في حال وقوعها.

في الوقت ذاته فإن سيناريو ترصد الاحتلال لضرب “هدف نوعي” للمقاومة، في غزة، يعتقد أنه قد يحدث “صدمة لها”، قبل الحرب البرية، حاضر على الطاولة، ومن المتوقع أنه لم يغب عن السيناريوهات التي وضعتها المقاومة في التعامل مع المعركة.

الإدارة الأمريكية التي اندفعت منذ اللحظات الأولى لعملية “طوفان الأقصى” لتبني المعركة ضد الفلسطينيين، بحيث ظهرت إدارة بايدن وكأنها هي من تدير القتال والحصار والتدمير ضد قطاع غزة، قالت وسائل إعلامية إنها بعثت خبراء من الجيش الأمريكي متخصصين بالقتال في حرب المدن.

المفاجأة التي كشف عنها مستشار سابق في وزارة الدفاع الأمريكية في لقاء إعلامي، يوم أمس، كانت أن قوات خاصة أمريكية حاولت مع أخرى من جيش الاحتلال التوغل إلى قطاع غزة لكنها عادت أشلاء، وهو ما قد يعزز فكرة أن الدخول البري إلى غزة سيحدث ضرراً شديد الضخامة في قدرات جيش الاحتلال، خاصة مع الخسارة في الأفراد والضباط والمعدات التي بدأ فيها الحرب، بعد الهجوم الاستراتيجي والمركز الذي نفذته كتائب القسام وفصائل المقاومة.

المحلل في صحيفة “هآرتس” العبرية، عوفر شيلح، طالب حكومة الاحتلال بأن لا يكون الاجتياح البري “الأداة الوحيدة” في مخطط الحرب على المقاومة الفلسطينية، في غزة، وقال إن على المستوطنين عدم تعليق “آمال غير واقعية”، حول قدرة العمليات البرية على القضاء نهائياً على حماس، وأضاف: “تعليق الآمال غير الواقعية على خطوة واحدة، من شأنه التسبب ببثّ الشعور بالفشل، وهذا الشعور، في ظل الوضع الحالي، خطِر جداً”.

واعتبر أن على الجيش عدم البقاء طويلاً في غزة كما حصل في الضفة بعد عملية “السور الواقي”، في 2002، لأن ذلك سيعرضها لعمليات التفجير وإطلاق النار من القناصة وغيرها من عمليات القتل اليومي التي ستنفذها المقاومة، وقال إن على الجيش “التدمير والانسحاب” ثم استخدام أدوات مختلفة في الحرب على حماس والمقاومة.

خلال سنوات ما بعد حرب 2006، لم يتوقف الضجيج بين ضباط سابقين وقادة في جيش الاحتلال حول الإخفاق المركزي في القوات البرية، وهو ما ظهر جليَا في القتال في جنوب لبنان، إذ ظهرت القوات المدرعة والمشاة صيداً سهلاً أمام مقاتلين حزب الله، وفي عدوان 2008 2009 على قطاع غزة رغم افتقار المقاومة الفلسطينية حينها لقدرات كالتي تملكها اليوم، إلا أن جيش الاحتلال واجه صعوبات بالغة في القتال، وهو ما تعزز في الدمار الذي لحق بقواته في عدوان صيف 2014.

هذا الفشل المزمن في القوات البرية دفع قادة أركان جيش الاحتلال في السنوات الماضية إلى وضع خطط مختلفة، في محاولة لتطوير سلاح البر، وذهب بعضهم إلى استراتيجية مختلفة تقوم على تطوير القوات الخاصة وتزويدها بأحدث الوسائل التكنولوجية، لكن التجارب تقول إن الاعتماد المبالغ فيه على تكتيكات القوات الخاصة لن يكون ذا قيمة استراتيجية في القتال مع مجموعات المقاومة، التي تبذل ليلها ونهارها في التدريب على الالتحام المباشر، وعلى أرضها، ومن موقعها جهزتها بكل ما يلزم من عتاد.

في العملية العسكرية التي شنها جيش الاحتلال على جنين، في شهر تموز/ يوليو 2021، اعتمد رئيس الأركان على اللواء الذي يضم وحدات النخبة حصراً وأقيم قبل سنوات من أجل قتال حركات المقاومة على طريقتها أي “حرب العصابات”، لكن النتائج “المتواضعة” للعملية، ونجاح مجموعات المقاومة في حماية نفسها والقتال لساعات طويلة، وحرمان الاحتلال من تدميرها، أثار شكوكاً حول قدرات هذا اللواء على خوض قتال مع مجموعات أكثر قدرات وتدريباً وتملك أجهزة استخبارات وأسلحة نوعية، في غزة ولبنان.

المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها كتائب القسام عملت منذ تحرير قطاع غزة، على بناء شبكة دفاعية، واستراتيجية للقتال في كل مناطق القطاع، تجعل من العمليات البرية شديدة الكلفة على جيش الاحتلال، ومتابعة التاريخ العسكري للمقاومة في غزة منذ حرب 2008 2009 إلى 2014 يؤكد بوضوح على التطور على المستويات الدفاعية والتكتيكية والقتالية في الميدان.

فصائل المقاومة، في قطاع غزة، التي اتجهت منذ بداية انتفاضة الأقصى نحو تبديل تنظيمها العسكري من نظام الخلايا إلى تشكيلات أكبر، طورت بعد حرب 2008 استراتيجية دفاعية وعملت بكل ما تملك من جهود أقل ما يقال عنها بأنها جبارة على بناء شبكة من الأنفاق وتزويدها بنظام دفاعي، بالإضافة إلى تدريب قوات نخبة ومشاة قادرة على تكبيد قوات الاحتلال خسائر فادحة، في قتال شوارع ومدن.

القدرات المتقدمة للمقاومة في القتال البري ظهرت، في حرب 2014، التي نفذت خلالها قوات الاحتلال مناورة برية تركزت في المناطق الشرقية من غزة، وأعلنت أن الهدف منها تدمير شبكة الأنفاق التابعة للمقاومة، لكنها خرجت بخسائر فادحة وجنديين مخطوفين، وهو ما عزز لدى القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية فكرة الابتعاد عن العمليات البرية وتعزيز الاعتماد على القصف من الجو والوسائل التكنولوجية.

يطرح المحللون والخبراء عدة سيناريوهات للدخول البري إلى قطاع غزة، بينها احتلال شريط معين بهدف تحويله إلى منطقة عازلة أمنيا، أو الدخول إلى كل مناطق قطاع غزة، وكل خيار يحمل معه سيناريوهات مخيفة لجيش الاحتلال، وهي أن احتلال مساحة معينة يجعل قواته هدفاً مستمراً لقوات المقاومة، والدخول الكامل يزيد من التكلفة، في ظل وجود مجموعات للمقاومة مدربة على القتال لشهور.

كما أن المجتمع الغزيَ يملك خبرة في السلاح راكمها خلال سنوات، والمجازر التي نفذها الاحتلال بحقه خلال الحروب والحملات العسكرية التي كانت هذه الحرب أكثرها قسوة وبشاعة، تجعل المجتمع مندفعاً نحو القتال مع قوات الاحتلال.

قبل أيام في أوج تهديدات الاحتلال بشن حرب برية على قطاع غزة نشرت كتائب القسام مقطعاً مصوراً لمقاتلين منها يتدربون على تدمير دبابات، ووجهت رسالة تحذيرية لجيش الاحتلال من أن العملية البرية ستحمل عليهم “الجحيم”، وهو ما يعزز توجهاً لدى الكتائب لإلحاق أضرار جسيمة بسلاح المدرعات.

يملك جيش الاحتلال تقنيات عالية ودعماً أمريكياً لكن السيناريوهات القتالية، في الميدان، ليست سهلة أمامه خاصة أن المقاومة عودته على قتال مختلف في كل مرة، وهو يعلم أنها مقاومة تتعلم وتحسن وتبني الفرص الاستراتيجية وتزيد من كفاءة المقاتلين، التي ظهرت في عملية الاقتحام السريع والحاسم لمستوطنات “غلاف غزة” والمواقع العسكرية فيه.

وفي قلب العملية البرية التي لا يعلم أحد نتائجها يفكر جيش الاحتلال بالخيارات السياسية، هل شعار القضاء على حماس متحقق؟ في ظل أن التنظيمات من هذا النوع لا تقضي عليها العمليات العسكرية لأنها تملك دفعات اجتماعية ومعنوية، وتعيش بين شعب يتعرض للحروب منذ 100 عام ولم يتنازل عن فكرة التحرير، ثم من هي الجهة التي ستقبل باستلام قطاع غزة بعد تدميره من قبل جيش الاحتلال كما يصرح قادته؟ ويبرز في خلفية كل هذا النقاش شبح دخول القوى الإقليمية في الحرب.