سفير بيرو لـ «الجريدة•»: التنوع الدبلوماسي بالكويت انعكاس لمكانتها
أكد سفير بيرو لدى البلاد، كارلوس فيلاسكو، أن الكويت تشتهر بموقفها الحيادي والوسيط الذي يعزز السلام والأمن دائماً، لافتاً إلى أنها «حريصة على أمنها، وتحافظ على تدابير دفاعية قوية في الوقت الذي تعمل فيه على ضمان عدم تصاعد التوترات الإقليمية إلى تهديدات مباشرة لاستقرارها». وفي حوار وداعي مع «الجريدة»، عشية انتهاء فترة عمله ومغادرته البلاد، كشف فيلاسكو أن «الكويت بلد مليء بالتحديات لأي دبلوماسي»، مشيراً إلى أن احتضانها لأكثر من 100 بعثة دبلوماسية ومنظمة دولية «يجعل الكويت مركزاً فريداً من نوعه». وإذ أكد أن «شعب الكويت يعيش بانتظام وراحة ورفاهية بفضل ما تقوم به القيادة والحكومة»، ذكر أنه يفكّر في البقاء بالكويت مع عائلته بعض الوقت بعد انتهاء فترة العمل… وفيما يلي نص الحوار:
• لقد مضى على وجودك في الكويت أقل من عامين، ما تفاصيل هذه الرحلة؟
– لقد بدأت مهامي بالكويت في يناير 2023، بعد أكثر من عامين من غياب رئيس بعثة على مستوى سفير لسفارة بيرو. ولهذا السبب اعتبرت تعييني أولاً شرفاً عظيماً لخدمة بلدي، وثانياً يعد تحدياً لتطبيع العلاقات الثنائية مع بلد صديق مثل الكويت، البلد الذي رحّب بي وبعائلتي بأفضل طريقة ممكنة، والآن، في نهاية فترة خدمتي بالكويت، تنتابني مشاعر مختلطة في قلبي.
فمن ناحية، أشعر بالارتياح لإنجاز مهمة تطبيع العلاقات بين بلدينا وإعادتها إلى مستوى التمثيل المتكافئ، كما أشعر بالرضا، لأننا حققنا خلال فترة عملي إنجازات مهمة، مثل تعميق العلاقات الثنائية، والتقدم في مفاوضات الاتفاقيات ذات الاهتمام المشترك، وتوقيع اتفاقية التعاون الثقافي بيننا، وكذلك عقد الاجتماع الأول لآلية التشاور السياسي، في نوفمبر الماضي.
الكويت بلد آمن جداً في ظل القيادة الحكيمة لسمو الأمير ويعيش شعبها براحة ورفاهية
في المقابل، لا بد لي أن أقول إنني أشعر بشيء من الأسف لأنه لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به لتوسيع وتعميق وازدهار كل الإمكانات الموجودة بلا شك في علاقات بلدينا العريقة التي ستحتفل العام المقبل بالذكرى الخمسين لإقامتها.
وأود في هذا المقام أن أتوجه بالشكر الخاص للسلطات الكويتية، وفي مقدمتهم سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، الذي تشرفت بتقديم أوراق الاعتماد الخاصة بي إليه، والذي رحّب بي في هذا البلد الرائع.
لطالما كانت السلطات الكويتية متعاونة وداعمة جداً لتسهيل أداء مهامي. لا بد لي أن أذكر على وجه الخصوص مسؤولي وزارة الخارجية الذين كانوا على استعداد لإجراء أي مشاورات ضرورية لتعزيز العلاقة البيروفية – الكويتية.
واسمح لي أن أشير عبر «الجريدة» إلى أنني أقمت علاقة مثمرة مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الذي يرأسه وزير الخارجية عبدالله اليحيا، والذي قدم لبلدي تعاوناً إنمائياً مهماً قابلاً للسداد، ويجري حالياً تقييمه من قبل السلطات البيروفية.
• أعلن بعض السفراء أن الكويت أفضل بلد لأي دبلوماسي. هل تتفق مع هذه المقولة؟ وماذا أضافت لك هذه التجربة؟
– أتفق تماماً مع هذه المقولة، فالكويت بالفعل بلد جيد، ولكنه أيضاً بلد مليء بالتحديات لأي دبلوماسي، فالمجتمع الدبلوماسي كبير، ويضم أكثر من 100 بعثة دبلوماسية ومنظمة دولية إقليمية تابعة لمنظومة الأمم المتحدة، إضافة إلى بعثات أخرى، يقودها رؤساء بعثات على درجة عالية من الكفاءة والخبرة، وهؤلاء في تبادل نشط مع السلطات الكويتية لتعزيز علاقاتهم الثنائية ووجودهم في هذا البلد. إن تنوع هذا السلك الدبلوماسي، الذي يمثل جميع الدول على مستوى العالم، يجعل الكويت مركزاً فريداً من نوعه.
لقد اكتسبت دولة الكويت، بفضل سياستها الخارجية النشطة، احترام المجتمع الدولي بأسره. بل إن المبادرات الدبلوماسية العديدة التي قامت بها وضعتها في مكانة مرموقة في مجال علاقاتها الدولية، وتعزيز الشراكات والآليات الإقليمية والأمنية والمشاريع التنموية والتجارية والاستثمارية.
تعلّمت الكثير من الكويت وثقافتها وسأكون ممتناً دائماً لأهلها وأفكر بالبقاء فيها بعد انتهاء فترة عملي
ومن ناحية أخرى، فهي بلد آمن جداً في ظل القيادة الحكيمة لسمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، الذي أتمنى له عمراً مديداً وصحة قوية.
وبفضل ما تقوم به القيادة والحكومة، يعيش شعب دولة الكويت في انتظام وراحة ورفاهية في ظل ما يتمتع به من خدمات تعليمية وصحية وعامة ممتازة. كل هذا، بطبيعة الحال، يجعل حياة الدبلوماسي الأجنبي، كما هو حالي، ممتعة ومريحة. وعلاوة على ذلك، وبصفتي رب أسرة، يسعدني أن أحبائي سعداء ويستمتعون تماماً بالعيش في الكويت مع جميع أصدقائنا الكويتيين الطيبين. في الواقع نحن نفكر في البقاء بالكويت بعض الوقت بعد انتهاء فترة عملي.
وكما ذكرت، لقد كان شرفاً كبيراً لي أن أكون سفيراً لبيرو في الكويت، كما أنه كان امتيازاً كبيراً. وبصفتي متدربًا أبديًا وأحب أن أتعلّم دائماً، رغم كوني دبلوماسيًا منذ فترة طويلة، فقد تعلمت الكثير من الكويت وثقافتها، وسأكون ممتنًا دائمًا لأهلها.
بلد رائع
• ما هي أكثر الأشياء التي ستفتقدها في الكويت؟
– هناك العديد من الجوانب التي سأفتقدها في هذا البلد الرائع. أكثر ما سأفتقده هو دفء الشعب الكويتي وكرم ضيافته، اضافة إلى الطيبة الصادقة والمرح والانفتاح الذي يتحلون به، فالعديد من الأصدقاء الذين سعدت بالتفاعل معهم جعلوا حياتنا اليومية لا تنسى حقاً.
سنستمر أنا وزوجتي وجزء من عائلتي في الاستمتاع بالتجارب الثقافية الفريدة التي تقدمها الكويت، كالتقاليد الغنية، والمهرجانات النابضة بالحياة والمواقع التاريخية الآسرة مثل أبراج الكويت والمسجد الكبير، فالتراث الثقافي في الكويت مذهل، والمزج بين الحداثة والتقاليد يخلق بيئة ديناميكية ومتجذّرة بعمق في تاريخها.
ويُعد مشهد الطهي في الكويت من أبرز معالمها أيضاً، فالمجموعة المتنوعة من الأطباق المحلية اللذيذة، من المأكولات التقليدية إلى مجموعة واسعة من المأكولات العالمية، متعة حقيقية. سأفتقد بشكل خاص زيارة الديوانيات واللقاءات الاجتماعية حول وجبات الطعام، والتي تصاحبها دائماً محادثات جذابة وإحساس بالانتماء للمجتمع.
أكثر ما سأفتقده هو دفء الشعب الكويتي وكرم ضيافته إضافة إلى طيبته والانفتاح الذي يتحلّى به
إضافة إلى ذلك، وفّرت المناظر الطبيعية الخلابة في الكويت، بما في ذلك ساحلها الجميل ومحيطها الصحراوي الهادئ، تبايناً منعشاً مع صخب الحياة اليومية. ستظل الأمسيات الهادئة على الخليج العربي، حيث كنا نعيش، ذكرى عزيزة على قلوبنا.
• ماذا قدمت للكويت خلال فترة عملكم؟
– بصفتي سفيرا متمرّساً، قدمت أفضل ما لدي من إمكانات ومعارف لمصلحة العلاقة الثنائية بين بيرو والكويت ولمصلحة تعزيزها في جميع المجالات.
وبما أن جمهورية بيرو ودولة الكويت تربطهما علاقات صداقة متجذّرة منذ زمن بعيد، ومع الأخذ بعين الاعتبار المكانة المرموقة التي يحتلها البلدان على الساحة الدولية، فقد كان هدفي دائماً خلال فترة عملي تعزيز العلاقات بين البلدين في كل المجالات، لاسيما في مجالات التعاون الثنائي والمتعدد الطرف، والتنسيق السياسي، والتبادل الثقافي، والاستثمار، والتبادل التجاري، والترويج السياحي.
وإنني على يقين تام بأن بلدينا سيتقاسمان مستقبلاً مشرقاً، ولا ينبغي أن نعمل معاً من أجل ذلك فحسب، بل يجب أن نفعل ذلك واضعين هذا الهدف نصب أعيننا.
السفير الجديد… قريباً
• من سيكون السفير الجديد؟ وما نصيحتكم له؟
– ستقوم بلادي بتعيين سفير جديد قريباً جداً. نصيحتي الوحيدة كدبلوماسي بيروفي محترف هي بذل كل الجهود والعمل الجاد لتعزيز العلاقات الثنائية بين بيرو والكويت وتوطيدها دائماً. نتمنى أن نستمر في العمل المشترك لتحقيق العديد من الإنجازات معاً، فبيرو والكويت دولتان صديقتان تجمعهما العديد من المصالح المشتركة.
• كيف تصف تعامل السياسة الكويتية مع الملفات الإقليمية بشكل عام والدولية بشكل خاص؟
– تتميز السياسة الكويتية بتعاملها الدقيق والاستراتيجي مع الملفات الإقليمية والدولية على حد سواء، فعلى الصعيد الإقليمي، تشتهر بموقفها الحيادي والوسيط الذي يعزز السلام والأمن دائماً، وغالباً ما تتدخل الكويت كوسيط في النزاعات، وتسعى جاهدة لحلها من خلال الحوار والتفاوض.
فعلى سبيل المثال، أدت الكويت دورًا مهمًا في محاولة التوسط في أزمة الخليج عام 2017 بين قطر وجيرانها من دول مجلس التعاون. ويعكس دور الوساطة هذا استراتيجية الكويت الأوسع نطاقًا المتمثلة في تعزيز الاستقرار والحفاظ على علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية.
كما أن تعامل الكويت مع الأمن الإقليمي استراتيجي بالقدر نفسه، فكونها تقع جغرافياً بالقرب من مناطق النزاع ودول مثل العراق وإيران، فإن الكويت حريصة على أمنها، ولكنها تسعى إلى تحقيق التوازن بين احتياجاتها الدفاعية والمشاركة الدبلوماسية. وهي تحافظ على تدابير دفاعية قوية في الوقت الذي تعمل فيه على ضمان عدم تصاعد التوترات الإقليمية إلى تهديدات مباشرة لاستقرارها.
الكويت حريصة على أمنها وتدابيرها الدفاعية القوية وتعمل على ضمان عدم تصاعد التوترات الإقليمية
أما على الساحة الدولية، فكما هو معروف، أقامت الكويت تحالفات استراتيجية، لاسيما مع القوى الغربية مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي، مما يعزز أمنها ومكانتها الدولية. كما أن الكويت مشارك نشط في المؤسسات العالمية، لاسيما الأمم المتحدة، حيث تشارك في الجهود الإنسانية، وتدعم مبادرات التنمية الدولية. وتدل هذه المشاركة على التزام الكويت بالتعددية ورغبتها في المساهمة الإيجابية في الحوكمة العالمية.
تأشيرة دخول
كشف سفير البيرو، أنه خلال الفترة 2023 – 2024، تلقّت سفارته العديد من طلبات التأشيرة من الكويتيين.
وقال إن الحصول على تأشيرة للسفر إلى بيرو إجراء بسيط، ويستغرق نحو 3 أيام عمل فقط.
وأشار إلى أن بلاده اقترحت على الكويت اتفاقية إعفاء من تأشيرة دخول السياح، وهي حالياً قيد الدراسة من قبل السلطات الكويتية.
وذكر «أننا نعمل ما في وسعنا لنقدم للكويتيين كل التسهيلات اللازمة لزيارة بلدنا، فالكويتيون مرحب بهم جميعاً، ونود أن يستمتعوا بأفضل ما في بيرو».
رسالة أخيرة
قال السفير فيلاسكو «أشكر كل من قابلتهم هنا على لطفهم، وعلى فتح بيوتهم لنا، وعلى كرم ضيافتهم الرائع، وعلى كل النصائح الممتازة التي قدموها لنا أثناء إقامتنا».
وأضاف: «أود أن أضم صوتي إلى نشيدكم الوطني، وأقول بكل فخر واعتزاز الكويت يا بلادي الكويت يا بلادي دمتِ آمنة ومجداً وعزاً، وعساك دوماً في خير».