القتال على حافة الحرب: المقامرة الإسرائيلية تصل ذروتها شمال فلسطين
تأخذ الأحداث على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة المنحى التصاعدي الأكثر حدة منذ أكثر من أحد عشر شهرًا من الاشتباك الذي دشنه “حزب الله” اللبناني ضمن جهد إسنادي للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ونصرة ودعمًا للشعب الفلسطيني القابع تحت نيران حرب الإبادة الإسرائيلية المستعرة.
منذ اغتيال القيادي البارز في “حزب الله”، فؤاد شكر، بدأ الاحتلال مرحلة جديدة من الضغط الأقصى على المقاومة اللبنانية بهدف الوصول إلى تحييد الجبهة الشمالية من معادلة الإسناد والاشتباك والتخلص من الضغط الاستنزافي الذي تخلقه حالة الاشتباك، وهو استنزاف للجيش الإسرائيلي على مستوى القدرات البشرية والتسليحية، واستنزاف للجبهة الداخلية الإسرائيلية ارتباطًا بتهجير أكثر من ستين ألف مستوطن من مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة طوال شهور الحرب إلى هذه اللحظة.
اتخذ الاحتلال استراتيجية تهدف إلى رفع الكلفة إلى المستوى الأعظم التي سيجبيها من “حزب الله” طالما استمر الحزب اللبناني في تبني استراتيجية الترابط ما بين اشتباكه الحالي والوضع في قطاع غزة، في الوقت الذي يحاول فيه الحزب جاهدًا أن يخلق معادلات تحدِّد نطاق الاشتباك والمواجهة من حيث الجغرافيا، ومن حيث الأهداف، بما يخلق نوعًا من قواعد الاشتباك التي تحد من وصول نيران المواجهة إلى العمق اللبناني.
يشير نمط الاشتباك الحالي وحجم النيران بوضوح إلى أن الطرفين يخوضان نوعًا معقَّدًا من “القتال على حافة الحرب”، إذ تتزايد المخاطر دون الانزلاق الكامل إلى هاوية الصراع. يبرز هذا الوضع معادلة دقيقة من الردع المتبادل، يقوم كل طرف فيها بإرسال رسائل قوة وتهديدات مبطنة، مع الحرص على تجنب الانفجار العسكري الكامل.
قواعد الاشتباك تترنح
طورت قواعد الاشتباك بين “حزب الله” و”إسرائيل” عبر عدة مراحل تاريخية، إذ انتقلت من الاشتباكات المفتوحة إلى تفاهمات غير رسمية تعتمد على توازن الردع. بدأت هذه الديناميكية بالتشكل في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، عندما بدأت المقاومة اللبنانية، وخاصة “حزب الله”، بتنظيم عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي للشريط الحدودي. في هذه الفترة، لم تكن ثمة قواعد واضحة للاشتباك، وكانت المواجهات بين الطرفين شبه دائمة.
جاء التغيير الجذري الأول في قواعد الاشتباك مع تفاهم نيسان عام 1996، الذي جرى التوصل إليه بعد “عملية عناقيد الغضب” الإسرائيلية. وقد نص التفاهم على الامتناع عن استهداف “المدنيين” من الطرفين، إذ تعهد “حزب الله ” بالامتناع عن إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية ما لم تُستهدَف القرى اللبنانية. أسس هذا التفاهم لفكرة التصعيد المحسوب، إذ باتت الضربات العسكرية محصورة في مناطق محدَّدة، وجرى تجنب استهداف المدنيين استهدافًا مباشرًا، ما مهد الطريق لما يعرف اليوم بسياسة “القتال على حافة الحرب”.
مع الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، أُعيد رسم معالم الاشتباك. تحول “حزب الله” إلى قوة شبه نظامية تسيطر على الحدود الجنوبية للبنان، واعتمد استراتيجية ضرب القوات الإسرائيلية في مزارع شبعا المتنازع عليها دون استدراج “إسرائيل” إلى حرب واسعة النطاق. تركز الرد الإسرائيلي، في المقابل، على عمليات قصف محدودة مع تجنب التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب جديدة.
كانت حرب 2006 نقطة مفصلية أخرى في قواعد الاشتباك. بعد هذه الحرب، التي استمرت أربعة وثلاثين يومًا، برزت قواعد جديدة غير مكتوبة تستند إلى فكرة “الردع المتبادل”. أصبحت “إسرائيل” أكثر حذرًا في مواجهة “حزب الله” الذي بات يمتلك ترسانة صاروخية ضخمة. في المقابل، اعتمد “حزب الله” على معادلة “الضربة مقابل الضربة”، بحيث يرد على كل استهداف إسرائيلي دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تؤدي إلى مواجهة شاملة.
منذ ذلك الحين، أصبحت قواعد الاشتباك تدور حول تجنب التصعيد الكامل، مع السماح بحد أدنى من الاشتباكات على الحدود. ارتبطت هذه الديناميكية بأن كلًا من “حزب الله” و”إسرائيل” كانا منخرطين في معادلة اشتباك ثبتتها دولة الاحتلال ضمن استراتيجية “المعركة بين الحروب” الهادفة إلى إجهاض مساعي الحزب اللبناني لتعظيم ترسانته وقوته، في المقابل يواجه الحزب هذه السياسة بمعادلة الرد المتناسب لكل تعدٍّ واختراق إسرائيلي، إذ يقوم الطرفان بتبادل الضربات المحدودة في إطار توازن دقيق، يجنب كليهما الدخول في حرب جديدة لكن يترك الباب مفتوحًا دائمًا أمام احتمالية التصعيد.
القتال على حافة الحرب
تحولت معادلة الاشتباك بين “حزب الله” اللبناني و”إسرائيل” إلى شكل معقَّد من “القتال على حافة الحرب”، وهو تكتيك يقوم على خلق تصعيدات محسوبة مع الحرص على عدم تجاوز حد يؤدي إلى مواجهة شاملة. يدرك كل طرف أن الحرب ستكون مدمرة، ليس فقط للبنية التحتية، بل أيضًا على مستوى التأثير السياسي الداخلي والإقليمي. ومع ذلك، يحافظ الطرفان على جاهزية عسكرية كاملة واستعداد للرد الفوري على أي تجاوز من الطرف الآخر.
القتال على حافة الحرب أو سياسة حافة الهاوية(Brinkmanship) مفهوم في السياسة الدولية يشير إلى ممارسة الاقتراب المتعمد من حافة النزاع المسلح أو الحرب الشاملة من أجل تحقيق أهداف سياسية أو استراتيجية، دون الانزلاق فعليًّا إلى الحرب. الهدف من هذه السياسة إظهار استعداد الدولة لتحمل المخاطر الكبرى في سبيل تحقيق مصالحها، على أمل أن تتراجع الأطراف الأخرى لتجنب التصعيد الكارثي.
في هذا السياق، تعتمد سياسة “القتال على حافة الحرب” على مبدأين أساسيين: الردع المتبادل، وإدارة التصعيد. وأما الردع المتبادل فيقوم على إظهار القوة وتوجيه رسائل عسكرية محدَّدة تفيد بأن الطرف الآخر سيدفع ثمنًا باهظًا في حال اندلاع الحرب، وأما إدارة التصعيد فتعتمد على تصعيد محسوب بدقة، إذ يقوم كل طرف بتصعيد الموقف إلى درجة معينة، ثم يتراجع قبل أن يصل الوضع إلى نقطة اللاعودة.
بالتالي، أصبح “القتال على حافة الحرب” جزءًا لا يتجزأ من العلاقة المعقَّدة بين “حزب الله” و”إسرائيل”، إذ توجَّه الضربات والتهديدات دون التورط في نزاع شامل، مع الحفاظ على مساحة صغيرة للتراجع في اللحظة الأخيرة.
ينسجم هذا المدى من القتال مع التفويض الأمريكي الممنوح لحكومة الاحتلال، إذ كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن واشنطن حذرت “إسرائيل” من الوصول إلى “الخطوة الأخيرة” في سلم ردود الفعل، وذلك بغية ترك مجال لـ”الحل السياسي”.
المشهد اللبناني الحالي: الضغوط الداخلية وعوامل القوة لدى “حزب الله”
متعددة تلك معادلات التي يأخذها “حزب الله” في معادلاته لتحديد شكل وطبيعة الاشتباك وحجمه، خصوصًا وأن المشهد اللبناني مُعقَّد على أصعدة مختلفة، تجعل من حسابات “حزب الله” تخضع لعدد كبير من المتغيرات، إذ يعيش لبنان اليوم في خضم أزمة متعددة الأبعاد، وهي الأسوأ في تاريخه الحديث. منذ العام 2019، انهار الاقتصاد اللبناني انهيارًا متسارعًا، مع انهيار العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وزيادة معدلات البطالة والفقر. تعيش البلاد حالة شلل سياسي مع غياب حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات جذرية، فيما تبقى المؤسسات الحكومية مشلولة وعاجزة عن توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. يخلق هذا الانهيار الاقتصادي بيئة من الضغوط الهائلة على جميع القوى السياسية، بما فيها “حزب الله”، الذي يواجه تحديات داخلية غير مسبوقة.
ينقسم المشهد الداخلي اللبناني ما بين عوامل ضغط على “حزب الله”، وعوامل قوة تشكل شبكة أمان للحزب اللبناني، إذ إن كلًا من الوضع الاقتصادي المنهار، والضغوط الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع اللبناني، إضافةً إلى تأثير المعادلة الطائفية التي تسيطر على التركيبة السياسية في لبنان، والتي تحتوي على مكونات معادية جذريًّا لمشروع المقاومة من جانب، ولـ”حزب الله” بوصفه تشكيلًا سياسيًّا وتعبيرًا طائفيًّا من جانب آخر، تُكون في مجموعها عوامل ضاغطة على الحزب.
يتمتع “حزب الله” بشبكة أمان سياسي ناتجة عن مجموع التحالفات السياسة التي نسجها وسمحت بتحوله إلى مؤثر رئيسي في المعادلة السياسي، وإمساكه بمجموعة من المفاتيح التي تضع محدِّدات رئيسية للتحرك الحكومي في لبنان، وتجعله شريكًا في صياغة خطابها ومواقفها، إلا أنها بقدر ما تؤمن الحزب من الدخول في نزاع مع السلطات الحكومية في لبنان، تجعل أيضًا من حسابات العبء الوطني عاملًا رئيسيًّا في عوامل التفكير والتأثير.
يُشكِّل كل من عنوان خطوط الإمداد المفتوحة والتشكيل الطوبوغرافي للأراضي اللبنانية عامل قوة مهم لـ”حزب الله”، تستطيع عبره المقاومة الإسلامية التعامل مع سيناريوهات الاستهداف الإسرائيلي المكثف باقتدار عالٍ على تجاوز آثار الضربات، والترميم السريع للبنى التحتية المتضررة والفاقد من السلاح.
في المجمل، يواجه “حزب الله” معادلة صعبة بين الحفاظ على دوره بصفته قوة مقاومة من جهة، ومواجهة التحديات الداخلية المتزايدة في لبنان. في ظل هذه الضغوط، يحاول الحزب استخدام سياسة “القتال على حافة الحرب” مع “إسرائيل” بوصفها أداة لتحقيق توازن، إذ يسعى إلى الحفاظ على الردع مع “إسرائيل” دون التورط في صراع قد يعصف بالبلد الذي يعاني بالفعل من أزمة خانقة.
يتمثل العامل الأكثر تأثيرًا على قرار “حزب الله” بتصعيد درجات مواجهته مع الاحتلال الإسرائيلي، والمجازفة بالوصول إلى حرب واسعة تصل فيها الاستهدافات إلى العمق اللبناني وتضرب البنى التحتية وتعصف بما تبقى من مقومات الدولة اللبنانية، بكون المواجهة الحالية قد بدأت بقرار من “حزب الله” بتدشين جبهة اشتباك إسنادي انتصارًا للشعب الفلسطيني، وبالتالي ستَعُدُّه الأحزاب والقوى المناوئة لـ”حزب الله” بوصفها مواجهة لسبب غير لبناني، ومن منطلق ارتباط “حزب الله” بحسابات إقليمية تلقي بظلالها على المعادلة اللبنانية الداخلية، وهو ما يجعل المحدِّد الرئيسي لتحرك المقاومة الإسلامية في لبنان المحاولةَ بأن تحصر القتال ضمن قواعد اشتباك تعفي الدولة اللبنانية من آثار القتال وتوسعه.
المشهد في “إسرائيل”: الانقسامات السياسية لا تمس الخلاف على جوهر الحرب
يخضع المشهد السياسي الداخلي في “إسرائيل” إلى معادلات متعددة، ففي الوقت الذي تنقسم فيه القوى السياسية هناك حول عناوين متعددة، أبرزها الانقسام الذي يُحدثه الائتلاف الحالي في مكونات المشهد الصهيوني، سواءٌ تلك الانقسامات التي سبقت انطلاق حرب الإبادة على قطاع غزة، أو الانقسامات التي نشأت بفعل الخلاف على أهداف الحرب وأولوياته، وفي مقدمتها ملف استعادة الأسرى وأولوية إنجاز صفقة التبادل.
إلا أن هذا الخلاف ليس بهذه الحدة في عنوان التعامل العسكري مع “حزب الله” وتصعيد الضربات ضده، إذ يمكن توصيف هذا التوجه بأنه توجه يحظى بدعم غالبية المكونات السياسية في “إسرائيل”، التي ترى في “حزب الله” خطرًا استراتيجيًّا يتوجب التعامل معه بحزم، إضافةً إلى كون إنهاء عنوان عودة مستوطني شمالي فلسطين المحتلة إلى مستوطناتهم عنوان إجماع، وهو ما عبر عنه زعيم المعارضة في “إسرائيل”، “يائير لابيد”، بدعمه لموجة القصف الكبيرة التي استهدفت مناطق واسعة من جنوبي لبنان.
على المقلب الآخر، فإن التحديات الكبيرة التي قد تنشأ إذا توسَّع القتال مع “حزب الله” وتدحرج إلى مواجهة واسعة ستكون تداعيات مدمرة على “إسرائيل”، فمن جانب تؤكد كل التقديرات أن ترسانة “حزب الله” التسليحية وقدراته العملياتية ستكون قادرة على إحداث ضرر كبير جدًّا ومؤثر في البنية التحتية الإسرائيلية، إضافةً إلى الخسائر البشرية المتوقعة في ظل القصور المُقدَّر لقدرة طبقات الدفاع الجوي على التعامل مع حجم الرشقات الصاروخية التي قد تطلقها المقاومة الإسلامية في لبنان.
بناءً عليه، يصيغ الاحتلال مشهد هجومه على لبنان وفق قاعدة الضغط الأقصى دون الرغبة بالوصول إلى حرب واسعة وشاملة، مراهنًا على أن “حزب الله” قد قيَّد نفسه مسبقًا بالعديد من القيود التي لن ينجرف وفقها إلى الحرب الشاملة إلا حين يتحول خطر المواجهة الحالية إلى خطر وجودي، وبالتالي فإن الرهان الإسرائيلي يدور حول كون الحزب اللبناني سيسعى إلى تأجيل استخدام أوراق قوته النوعية حتى اللحظة الأخيرة، وهو ما يوفر فرصة ذهبية لجني أكبر ثمن ممكن ودفع الحزب للتراجع عن الحدود الجنوبية باستخدام القوى الغاشمة والاستهداف المكثف لبنيته التحتية.
معادلات متداخلة في الإقليم
تدخل متغيرات متعددة في إطار حسابات الربح والخسارة ارتباطًا بتطور القتال شمال فلسطين المحتلة، تجعل من خيار الانجراف إلى الحرب الواسعة خيارًا يحمل معه مقامرة كبرى لن تتوقف حدودها عند لبنان، إذ إن “حزب الله” يمتلك قدرات تسليحية نوعية وبنية تحتية متينة استثمر فيها لسنوات طويلة، وهذا البنية وإن كان ارتكازها التكتيكي في جنوب لبنان، إلا أن بنيتها الاستراتيجية تتجاوز هذه الحدود بكثير، وهو ما يعني أن الضغط العسكري على لبنان تجاوز حدود قدرة الحزب على احتوائه ضمن حسابات المنطق والعقلانية، فإنها ستدفعه إلى انفجار يتجاوز فيها حساباته الحالية الساعية إلى تجنب تدفيع لبنان فاتورة باهظة عملت “إسرائيل” على تحويل غزة إلى نموذج مصغر عنها.
تعي الولايات المتحدة، ودول الإقليم باختلاف مشاربها، المنخرطة ضمن محور المقاومة، أو تلك التي تصنف نفسها ضمن دولة “محور الاعتدال”، أن انفجار المعادلات مع “حزب الله” سيؤدي إلى خلط كبير في كل معادلات الشرق الأوسط، إذ إن موقع الحزب اللبناني في محور المقاومة ومعادلة المواجهة مع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط ليس هامشيًّا، بل يمكن وصفه بأنه درة تاج مشروع محور المقاومة، الذي استثمر السنوات الأخيرة في تثبيت استراتيجية “وحدة الجبهات” بوصفها حالة متقدمة عن نشاط هذا المحور وتأثيره في مواجهة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومحاصرة “إسرائيل” بطوق من النيران. وبناءً عليه، من الصعب الحسم بالكيفية التي ستتعامل فيها بقية مكونات هذا المحور من دول وقوى منتشرة في الشرق الأوسط مع الحرب الشاملة مع “حزب الله” اللبناني، وهو ما سيضع العديد من معادلات المصالح طور الانفجار، ما يعيد فكرة الحرب الإقليمية إلى الواجهة بقوة في المرة الأكثر جدية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لا يريد كل الأطراف المتأثرة من خصوم وأنصار “حزب الله”، وكذلك حلف “إسرائيل” وأعدائها، الوصول إلى حرب إقليمية، إذ لا يمكن حصر نيران هذه الحرب أو التنبؤ بحجم ما ستلتهم من معادلات في المنطقة، بما فيها أنظمة ستكون متأثرة تأثرًا مباشرًا من النيران الموجهة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، الذي تنتشر فيه القواعد الأمريكية في غالبية دول الخليج العربي، ما يجعلها أهدافًا محتملةً للصواريخ والمُسيَّرات التي تمتلكها غالبية القوى المنطوية ضمن محور المقاومة، وفي المقابل ستكون منجزات معادلات مراكمة القوة وتوسيع النفوذ التي انتهجها محور المقاومة، والجمهورية الإسلامية في إيران على مدار العقود السابقة، في مهب الريح في حال توسعت المواجهة إلى حرب إقليمية لن تبقى فيها الولايات المتحدة في موقف المتفرج، ما يجعل كل هذه المقدرات عرضة للهجوم الواسع، الذي قد يطال المشروع النووي الإيراني والقدرات التسليحية النوعية لإيران.
تأتي كل هذه المتغيرات على أبواب الانتخابات الأمريكية، التي تُشكِّل الأحداثُ في الشرق الأوسط مادةً رئيسيةً فيها في التراشق الانتخابي بين كلا المرشحين، في الوقت الذي تقف الإدارة الديمقراطية الحالية عاجزة عن تقديم حلول فعلية وواقعية في إطار محاولة تجنب نشوب حرب إقليمية، ويعود الرئيس الأمريكي الحالي، “جو بايدن”، ليتبنى فعليًّا الخطاب الإسرائيلي ويفصل التصعيد الحالي على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة عن مجرى الأحداث في الأراضي الفلسطينية، ويحصره في المطلب الإسرائيلي بعودة مستوطني شمالي فلسطين المحتلة إلى أماكنهم. فعليًّا، يتجنب البيت الأبيض الوصول إلى صدام مع “إسرائيل” ورئيس وزرائها، “بنيامين نتنياهو”، الذي قرر المضي إلى الحد الأقصى من التصعيد في معادلة لا يمكن الإغفال فيها عن وجود تفاهم مباشر أو ضمني بينه وبين الرئيسي الأمريكي السابق، “دونالد ترامب”، يسعى فيها الأول إلى تعزيز فرص الأخير في الوصول إلى البيت الأبيض.
تضع كل هذه الحسابات المتداخلة المشهدَ في إطار محاولات العديد من الأطراف حصر معادلات الاشتباك في البقاء ضمن نطاق القتال على حافة الحرب، إلا أنها مقامرة كبرى يستند فيها الاحتلال في ممارسة ضغطه الأقصى على انضباط “حزب الله” لمحاولات تجنَّب التدحرج إلى حرب واسعة، وبالتالي الرهان على إمكانية أن يتراجع الحزب اللبناني عن معادلاته الحالية ويقبل الوصول إلى تسوية تنسجم مع الهدف الإسرائيلي الجديد المتمثل بإعادة مستوطني شمالي فلسطين المحتلة إلى مستوطناتهم. إلا أن مجرى الأحداث قد يتجاوز كل الحسابات ارتباطًا بحجم النيران والضربات الإسرائيلية التي تقترب من النقطة التي لن يمكن فيها التنبؤ بشكل تصدي الحزب اللبناني لها.