اخبار الإمارات

هل تكفي الدبلوماسية لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

اتضح العام الماضي أنَّ االصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لن يتزحزج قيد أنملة، كما أن ملايين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون بين “النهر والبحر” لن يبارحوا أماكنهم.

هناك حاجة إلى دَفعة دبلوماسية من القادة الأقوياء

فضلاً عن ذلك، تتشابك هذه القضية تشابكاً معقداً مع بؤر الاضطرابات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يتجلى في المواجهة الراهنة بين إسرائيل وحزب الله.

حل أكثر استدامة

ومنذ هجمات حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، عكفَ قادة العالم على التفكير في كيفية إعادة الهدوء إلى الشرق الأوسط ومنع وقوع تصعيد جديد. وفي حين انصبَّ تركيز الجهود الأولية على تجنب المزيد من المعاناة الإنسانية، تدرك الأطراف كلها أنه يجب إيجاد حل طويل الأمد وأكثر استدامة لمرحلة “اليوم التالي”.
وفي هذا الإطار، قال د. ألكسندر لوينغاروف الذي أدار برنامج منح الاتحاد الأوروبي للتنقل الأكاديمي مع شركاء إسرائيليين وفلسطينيين في سنواته الثلاث الأولى: من الواضح أن الإسرائيليين والفلسطينيين والأطراف الدولية الأخرى لا يتفقون على شكل هذا الحل مستقبلاً.

ويبدو أن خطاب “واقع الدولة الواحدة” الذي بدا أنه اكتسبَ زخماً قبل بضع سنوات قد تلاشى تقريباً، في حين أن الأصوات الداعية إلى إقامة نوع من الكونفدرالية الإسرائيلية الفلسطينية تردد صداها مؤخراً. 

وما تزال المواقف الرسمية في الولايات المتحدة وأوروبا وأجزاء من العالم العربي تنطلق من حل الدولتين الذي خضعت جدواه للتدقيق الشديد قبل أسابيع قليلة من 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بمناسبة الذكرى الثلاثين لاتفاقيات أوسلو.
وتنصب ركيزة المحاولات الحالية لاستعادة الهدوء في منطقة الشرق الأوسط، بقيادة الولايات المتحدة في المقام الأول، على نوع من الحكم الذاتي الفلسطيني، بما في ذلك في قطاع غزة، في سياق محاولة لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
ولكن مهما حدثَ بعد ذلك، يقول الكاتب، لن تكون أي نتيجة مُستدامة إذا لم تتعاط الجهود الدبلوماسية مع الترسيخ الهيكلي للروايات الإسرائيلية والفلسطينية في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، مؤكداً ضرورة أن تشمل الجهود الدبلوماسية العليا خطةً للتعامل مع تأثير الصراع على الجوانب المجتمعية التي تؤثر بشكلٍ مباشر في الحياة اليومية.
وأوضح الكاتب، وهو مسؤول سابق في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية، وباحث أول منتسب إلى قسم القانون الدولي في جامعة لوفين (بلجيكا)، في مقاله بموقع “ذا هيل” التابع للكونغرس الأمريكي أنه حتى لو توصل الطرفان إلى اتفاق سياسي وصادقاً عليه، فإنه لن يصمد إذا استمرت النظم التعليمية والتغطية الإعلامية ومراسم إحياء ذكريات الأحداث الأليمة في إثارة العداء بين معظم الإسرائيليين والفلسطينيين، كما يحدث الآن. 

وأسفرَ النزاع الذي استمر قرناً من الزمن وتعددت فيه المسؤوليات المتشابكة عن إنتاج العديد من الروايات التي ليست بالضرورة غير صحيحة، لكنها غالباً ما تكون جزئية جداً وبالتالي متناقضة فيما بينها.
والأهم من ذلك، حسب الكاتب، أن هذه الروايات تضرب بجذورها بعمقٍ في الحياة اليومية لملايين الناس من كلا الجانبين الذين يرونها تتأكد مراراً وتكراراً وهم يقعون فريسةً للخوف الشديد وانعدام الثقة.

ضرورة الحياد

لذلك، يرى الكاتب أنه يتعين على الجهات الدولية الفاعلة، فضلاً عن المحادثات رفيعة المستوى التي تهدف إلى التوسط للتوصل إلى اتفاق سياسي، أن تدفع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى إعادة النظر بجديةٍ في مجالات الحكم المتأثرة بالصراع ويمكن للأطراف الخارجية وحدها وحسب أن تنجز ذلك من مسافة محسوبة وأن تتحرى الحياد عند الإشارة إلى أوجه القصور.
على سبيل المثال، أُقرَّ بالتحريض على العنف والكراهية في الكتب المدرسية الفلسطينية بوصفه عاملاً حاسماً قد يطغى على أي مبادرة منسقة دولياً تهدف إلى ترسيخ الحكم الذاتي الفلسطيني السلمي في غزة.
ومع ذلك، رغم أن مراجعة المنظومة التعليمية الفلسطينية توصية بديهية، سيكون من المناسب أن يخضع الجانب الإسرائيلي – بمشهده التعليمي الفصائلي – لعملية تقييم أيضاً، إذ يمكن للشباب الإسرائيلي بالتأكيد أن يتعلم درساً أو درسين عن الفلسطينيين الذين يعرفونهم أعداءً، لكنهم عادةً لم يلتقوا بهم في الواقع ولم يروهم بأم العين.

رسم خريطة مجتمعية

ومن ثم، فإن رسم خريطة مجتمعية لترسيخ الروايات الإسرائيلية والفلسطينية أمر بالغ الأهمية، برأي الكاتب. ومع ذلك، لا يحتاج الأمر إلى البدء من الصفر، إذ توفر مناطق النزاع الأخرى في العالم التي تتعافى من الصراعات الأخيرة – مثل أيرلندا الشمالية وجنوب إفريقيا – أمثلةً يمكن التعلم من نجاحاتها وإخفاقاتها على حدٍ سواء.
إضافةً إلى ذلك، ستستفيد الأعمال الهيكلية التي تُنجز عن طريق الحكومة من جهود العديد من المبادرات الشعبية التي ألّفَت بين الإسرائيليين والفلسطينيين عبر الموسيقى والرياضة والطبيعة (على سبيل المثال لا الحصر)، وما زالت تنجز ذلك اليوم إذ تتكيف مع الوضع الراهن العصيب.
وأي عملية مجتمعية بطبيعتها عملية طويلة الأمد، والتصدي لانعدام الثقة المتأصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد يستغرق جيلاً أو جيلين، ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان تجنب ظهور “مُخربين”، كما حدث خلال عملية أوسلو.
وأضاف الكاتب: “يضمن هذا النهج ميزتين مترابطتين تتصلان بشكلٍ خاص باللحظة الراهنة”. فمقارنةً بالجهود الدبلوماسية رفيعة المستوى “البحتة”، يتسم هذا الأسلوب بقدرٍ أكبر من التدرج، لأنه يُوجِّه الجهود إلى المجالات التي تكون في أمس الحاجة إليها ويمكن أن تُشكِّل “انتصارات تدريجية”، بدلاً من الأهداف النهائية التي تبدو بعيدة المنال في الوقت الحاضر.
علاوةً على ذلك، في حين أن العمل على ترسيخ السرديات المجتمعية أمر بالغ الأهمية لتنفيذ أي اتفاق سياسي، فهو لا يملي أي نتيجة سياسية بحد ذاته. ولذلك، فهو الخطوة الصحيحة – وربما الوحيدة – برأي الكاتب، التي يجب أن نخطوها في سياقٍ يتسم بالتوتر وعدم الاستقرار المتصاعد، فضلاً عن المناقشات غير الحاسمة بخصوص الحلول السياسية.

الأطراف الرئيسة وحل الصراع

ولفت الكاتب النظر إلى أن الوضع الحالي للقضية الإسرائيلية الفلسطينية هو ثمرة عمليات معقدة ومتشابكة. ويُناط بالأطراف الرئيسة التي شهدت تشابكها – ألا وهي الولايات المتحدة وأوروبا والعالم العربي – الشروع في تفكيكها.
وفي حين أن هناك حاجة إلى دَفعة دبلوماسية من القادة الأقوياء، فاتباع نهج دقيق في التعامل مع تأثير الصراع على المجتمع، حسب الكاتب، أمر ضروري بالقدر نفسه. وحتى لو استغرق فك التعقيد والتشابك 100 عام أخرى، فإن الأمر يستحق العناء، لأن المستقبل الأفضل لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين يعتمد على بعضهم بعضاً وسيستمر في ذلك.