خطة ليفي إشكول وموشي ديان لتفريغ غزة بالهجرة “الطوعية” بعد حرب 1967.. كيف بدأت ولماذا فشلت؟
![خطة ليفي إشكول وموشي ديان لتفريغ غزة بالهجرة "الطوعية" بعد حرب 1967.. كيف بدأت ولماذا فشلت؟](https://arabinewsnow.com/wp-content/uploads/2025/02/خطة-ليفي-إشكول-وموشي-ديان-لتفريغ-غزة-بالهجرة-الطوعية-بعد-780x470.jpg)
هذه المقالة كتبها أور لفيا، البروفيسور الإسرائيلي الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والمتخصص في قضايا الحرب غير المتكافئة، وفيما يلي نصها:
إن إحدى الأفكار الشائعة التي تم طرحها منذ السابع من أكتوبر من قبل السياسيين الإسرائيليين، ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وأخيرا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي إفراغ قطاع غزة من سكانه، إذ يتم التسويق للخطة وكأنها تبدو منطقية وإيجابية حتى بالنسبة للفلسطينيين في غزة، الذين سيكونون قادرين أخيرًا على مغادرة القطاع المكتظ والفقير والانتقال إلى أماكن أفضل وأكثر صحة، وبالطبع، تتخلص “إسرائيل” من مركز قلق لمستوطناتها الجنوبية. لكن المشكلة في هذه الفكرة، التي تبدو “جذابة جدًا على الورق” بالنسبة للإسرائيليين، هي أن فرص تنفيذها شبه معدومة وأقل من ذلك، وبسبب كونها فكرة شعبوية وسهلة فهي تحظى بمكانة بارزة واهتمام رغم أنه في الواقع لا يوجد أي احتمال لتنفيذها.
يعيش في قطاع غزة اليوم 2.2 مليون فلسطيني، وقد وعد بتسلئيل سموتريتش بأن “إسرائيل” ستبقي في القطاع 100150 ألف فلسطيني في القطاع، وهو العدد الذي “يمكن لإسرائيل أن تتعايش معه”. الترحيل الجماعي للسكان ضد إرادتهم هو عمل سيقابل برد فعل دولي قاسي يشمل عقوبات اقتصادية. وهذا أمر واضح أيضًا لسموتريتش ومن معه، ولذلك لا يتحدث أي منهم عن ترحيل بهذه ال، بل عن “الهجرة الطوعية”، أي مغادرة الفلسطينيين من قطاع غزة بمحض إرادتهم إلى أماكن ذات مستقبل أفضل.
بعد حرب عام 1967 حاولت “إسرائيل” تنفيذ خطة مشابهة. على الرغم من الموارد والجهود التي استثمرتها حكومة الاحتلال، فشلت الخطة في النهاية. في يونيو 1967، حققت “إسرائيل” أهم انتصار عسكري لها. خلال ستة أيام فقط، هزم جيش الاحتلال الإسرائيلي جيوش سوريا ومصر والأردن. توسع نطاق جغرافيا الاحتلال بشكل كبير، وأُضيف إليها هضبة الجولان، الضفة الغربية، غور الأردن، القدس، قطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء.
إحدى المناطق التي نشأت حولها معضلة فورية بعد احتلال عام 1967 كان قطاع غزة. كان القطاع آنذاك منطقة فقيرة ومكتظة، وكان يعيش فيه حوالي 450 ألف نسمة مقارنة بـ 2.2 مليون نسمة اليوم. وفي النقاشات الحكومية الإسرائيلية بعد الحرب، تم طرح أفكار مختلفة بشأن مستقبل قطاع غزة. كانت الفكرة الرئيسية هي “تشجيع الهجرة” لسكان القطاع إلى دول أخرى، ومن ثم ضم القطاع إلى “إسرائيل”.
رئيس حكومة الاحتلال آنذاك ليفي إشكول اقترح “إفقار” القطاع حتى يصل إلى وضع من الأزمة الإنسانية، وهي خطوة كان من شأنها أن تجبر بعض السكان على الهجرة إلى دول أخرى، وكانت هناك أفكار أخرى تتعلق بانسحاب “إسرائيل” من القطاع وترك الغزيين لوحدهم. وقد اقترح وزراء آخرون حربًا مفتعلة ستتيح “حلًا غير متوقع” على غرار عام 1948 في قطاع غزة، وهو الهجرة الجماعية للاجئين.
وزير الحرب آنذاك، موشيه دايان، وضع هدفًا طموحًا لتقليص سكان القطاع من 450 ألفًا إلى 100 ألف، وهو العدد الذي كان يعتقد أن “إسرائيل” يمكنها التعايش معه. وفي نفس الوقت، أعلن دايان أنه إذا تم الكشف عن الخطة وتم تشكيل لجنة تحقيق، فإنه سينفي أنه اقترح ذلك. تقرر أن يتم التقليل من عدد السكان عبر تشجيع السكان على مغادرة القطاع وتقديم المساعدة لهم في الاستقرار في دول أخرى.
مروجو الفكرة اليوم في الكنيست الحالية هم أعضاء كنيست وزعماء شعبويين متخصصين بشكل أساسي في مقاطع الفيديو على تيك توك. بالمقابل، كان جيل الوزراء في عام 1967 من التنفيذيين الذين ينتمون إلى جيل المؤسسين الذي تخصص في المشاريع الضخمة من “تأسيس الدولة”، إلى استيعاب موجات الهجرة الضخمة، وإقامة وتطوير المؤسسات، وإنشاء جيش الاحتلال الإسرائيلي.
بناءً على ذلك، كانت الفكرة تُؤخذ على محمل الجد، وفي السنة الأولى بعد حرب عام 1967 عين رئيس حكومة الاحتلال آنذاك ليفي إشكول آدة سيرني مسؤولة عن “مشروع الهجرة”. كانت سيرني أرملة الجندي الإسرائيلي أنزو سيرني الذي تم أسره وقتله على يد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. كان لها علاقات في دول أوروبا وعملت بعد الهولوكوست على العثور على لاجئين يهود وإنشاء مخيمات لاستيعابهم. وقد تم تحديد مهمتها الآن بتشجيع “الهجرة الهادئة” من خلال العثور على دول ستكون مستعدة لاستقبال اللاجئين وتقديم حوافز للفلسطينيين الذين يرغبون في الهجرة إلى تلك الدول. كانت الدول المستهدفة هي الأردن، دول الخليج العربي، و”أي دولة أخرى ستكون مستعدة لاستقبالهم”.
كانت الفكرة أن تتم الهجرة بشكل طبيعي دون أن تكون هناك “بصمات إسرائيلية” تُلاحظ، وذلك لتجنب رد فعل دولي ضد “إسرائيل”. كان إشكول شخصيًا مشاركا في البرنامج ويتلقى تحديثًا أسبوعيًا حول تقدمه وعدد الغزيين الذين أبدوا اهتمامًا بالهجرة.
ولأن الفكرة كانت تهدف إلى “الهجرة الهادئة”، تم إنشاء وحدة سرية من الأشخاص ذوي الخلفية الأمنية الذين تم تعريفهم على أنهم “على دراية عميقة بالمجتمع والعقلية العربية”. كانت مهمة هذه الوحدة هي العمل بين السكان في غزة وإقناعهم بالهجرة طواعية. وفي نفس الوقت، تم إجراء دراسات معمقة واستطلاعات للرأي بين الفلسطينيين لتقييم استجابة السكان لاقتراحات الهجرة.
وكانت الحوافز التي تم عرضها على الغزيين في “حزمة الهجرة” تشمل منحة مالية، مساعدة لوجستية في الانتقال (ومساعدة لمرة واحدة في الانتقال ذاته). وقد تم الحفاظ على هذه الأنشطة في طي السرية، لأن “إسرائيل” كانت تخشى من تصعيد دولي إذا تبين أنها تقوم بمثل هذه الأنشطة.
لكن على الرغم من الموارد التي تم تخصيصها، فقد فشلت الخطة فشلًا ذريعًا. تمكنت سيرني من العثور على بعض الدول الأوروبية التي كانت مستعدة لاستقبال اللاجئين، ولكن المشكلة الكبرى كانت في إقناع الفلسطينيين بجدوى الهجرة. رفض معظمهم الفكرة تمامًا. لم تكن الحياة في رفاهية الدول الأخرى مغرية لهم، كما أن الحوافز المالية لم تقنعهم مقارنة برغبتهم في التمسك بأرضهم. الهدف الذي وضعته الحكومة كان هجرة 350 ألف لاجئ، ولكن النتيجة على الأرض كانت في النهاية انتقال 20 ألف فقط.
حتى الحالات التي هاجرت، كانت بشكل أساسي تتركز في انتقال أصحاب الجوازات الأردنية الذين استغلوا الفرصة للانتقال إلى الأردن، وكذلك النساء الغزيات اللاتي كان أزواجهن يعيشون في دول الخليج، فمُنحن فرصة للانتقال والالتحاق بأزواجهن. كانت النساء اللواتي تُركن في القطاع من قبل أزواجهن قد حصلن على فرصة للالتحاق بهم.
حينها توجهت مصر والأردن إلى الأمم المتحدة بتقديم شكوى ضد “إسرائيل”، التي تقوم بهجرة مفتوحة وتوقع اللاجئين على تعهد بعدم العودة إلى القطاع أو إلى” إسرائيل”. في الشكوى ضد “إسرائيل”، قيل إنها تسببت في مغادرة 35 ألف فلسطيني لكن الرقم الحقيقي كان أقل وتم تضخيمه في الشكوى لإدانة “إسرائيل”.
تمت مناقشة الشكوى في الأمم المتحدة، ووجدت “إسرائيل” نفسها تحت ضغط دولي للسماح بهجرة عكسية أيضًا، أي لم شمل العائلات داخل قطاع غزة. في النهاية، اضطرت “إسرائيل” للموافقة على ذلك. جاء تصريح لم شمل العائلات داخل قطاع غزة ليؤدي إلى عودة آلاف الفلسطينيين، مما عوض جزئيًا عن أولئك الذين غادروا القطاع خلال عام 1968.
بعد فترة قصيرة من المناقشة في الأمم المتحدة، قررت “إسرائيل” إنهاء هذا المشروع. مر عام منذ انتهاء حرب عام 1967، ولم تثمر الاستثمارات الإسرائيلية الكبيرة في المشروع عن نتائج عملية. 97% من سكان غزة بقوا في مكانهم، ومن ناحية أخرى، وجدت “إسرائيل” نفسها أمام إدانة وضغوط دولية.
كانت الفكرة الواعدة بالنسبة للإسرائيليين لتقليص عدد السكان المحليين تهدف إلى ضمان حالة يمكن لـ”إسرائيل” من خلالها ضم القطاع مع عدد قليل من الفلسطينيين فقط، لكن الواقع على الأرض كان بعيدًا جدًا عن ذلك، وبدأت مرحلة السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة، وهي حالة استمرت حتى اتفاق أوسلو في عام 1993. عرضت “إسرائيل” على مصر قطاع غزة كجزء من اتفاق السلام الموقع في عام 1978، لكن المصريين رفضوا الفكرة بشكل قاطع.
انتهى مشروع “الهجرة الطوعية” بعد حرب عام 1967 بالفشل، وأبقت “إسرائيل” سيطرتها الكاملة على سكان غزة. في ذلك الوقت كان يعيش في القطاع 450 ألف غزي. بحلول عام 1993، وقبل اتفاقيات أوسلو، كان يعيش في القطاع مليون فلسطيني. واليوم، يقدر عدد سكان غزة بأكثر من 2 مليون نسمة. ستحتاج “إسرائيل” إلى إيجاد “لإقناع” أكثر من 2 مليون غزي بمغادرة القطاع. هذه فانتازيا لا يمكن تنفيذها عمليًا.