اخبار السعودية

هل يقودك مديرك أم يُهددك ؟ – أخبار السعودية

لقد تشرفتُ بالعمل مستشارًا في إحدى المنظمات، وأنعم الله علينا بقائدٍ يتمتع برؤية استشرافية، وقدرة على اتخاذ قراراتٍ استراتيجية مدروسة بعد المشورة، لديه طموحٌ لتكون منظمته ناجحةً ومؤثرةً وكبيرة، ويسعى بكل جدٍّ وإخلاصٍ لخدمة دينه وقادته ووطنه. فحقَّق رؤيته وبلغ طموحه، فأصبحت منظمته تتبوأ مكانةً مرموقة بين أنجح المنظمات وأكثرها تأثيرًا ونفوذًا. لو تخيلنا أن هذا القائد الملهم انتقل إلى منظمةٍ أخرى، لبرزت لنا صفاته القيادية الفريدة مرةً أخرى، ولانعكست إيجابيًا على أداء تلك المنظمة ولشهدنا نجاحًا آخر. من هذه التجربة نستخلص الحقيقة التالية: أن نجاح أيّ منظّمةٍ يعتمد بشكل كبير على وجود قائدٍ مميّزٍ وملهم. من هو القائد الحقيقي؟

القائد هو الشخص الذي يُعيّن ليتولى مسؤولية وحدة إدارية (قسم، إدارة، مؤسسة، شركة، هيئة، وزارة،…). هذا التعريف الشامل قد ينطبق أيضًا على المدير، مما يطرح تساؤلًا مهمًّا: كيف نُميّز بين القائد والمدير؟ أحد الفروق بينهما يكمن في أسلوب التعامل مع الآخرين. والمقصود بأسلوب التعامل هنا هو الطرائق والسمات الشخصية والمهاراتية التي تظهر من الفرد أثناء تفاعله مع الآخرين، وتشمل: أسلوب التواصل، وأسلوب توجيه التعليمات أو استقبال الملاحظات، وكيفية التعامل مع الخلافات. فالقائد يتميّز بمرونته في التعامل مع الآخرين وتحفيزه لهم؛ أما المدير فيركز على الصرامة في تنفيذ التعليمات، والالتزام بالأنظمة، والإشراف المباشر على سير العمل.

دعونا نوضح الفرق من خلال مثال واقعي: تخيل أن موظفًا طلب إجازة لمدة عشرة أيام بسبب ظروف خاصة، كيف سيكون رد فعل كلٍّ منهما في حال رفض الطلب؟ المدير يعتمد على الأنظمة في تقييم الطلب. قد يستخدم عبارات رسمية وجافة تشدّد على ضرورة الالتزام بسير العمل وفق الخطة المعتمَدة. وقد يردّ باقتضابٍ وبلهجة مباشرة، قائلًا: لا يمكننا منح إجازة بهذه المدّة في مثل هذا التوقيت. أما القائد، فيبدأ بشكر الموظّف وتقدير ظروفه. قد يطرح بدائل أو حلولًا وسطى؛ مثل اقتراح فترة إجازة أقصر. ثم يستخدم عباراتٍ تعكس الاحترام والتفهّم، ويشرح أسباب الرفض إن لزم الأمر. بالعودة إلى المثال الذي بدأنا به هذا المقال: أذكر أنني طلبتُ من ذلك القائد طلبًا، وغادرتُ مكتبه راضيًا ومبتسمًا رغم أنه لم يوافق على طلبي.

وهنا قد يطرح القرّاء الأعزّاء سؤالًا مهمًا: كيف يمكننا، كالأفراد، التمييز بين من يتعامل بأسلوب القيادة ومن يتعامل بأسلوب الإدارة؟ الجواب: إذا لاحظت أنّ موظّفي هذا الشخص يتعاملون معه بناءً على سلطته الرسمية فقط، وأن المحرك الأساسي لهم هو الخوف من العقاب أو التوبيخ، فهذا الشخص غالبًا يمارس أسلوب الإدارة التقليدية. أما إذا رأيت الموظفين يبذلون جهدًا ويظهرون إخلاصًا وولاءً لهذا القائد وللمنظمة ككل، فهذا دليل على أنهم يعملون تحت قائد ملهم. لنأخذ مثالًا واقعيًا آخر: تعاملتُ مع عددٍ من أعضاء هيئة التدريس في قسم علمي بإحدى الجامعات، ولاحظتُ فيهم عزوفًا عن بذل الجهد الإضافي، وقلّة اهتمامٍ بدقّة وجودة الأداء. وبعد فترةٍ، تعاملتُ مع نفس المجموعة من الأساتذة، فوجدتهم يتحلّون بالنشاط والحماس والإخلاص. وبعد البحث، تبيّن أنّه كانت لديهم رئيسة قسمٍ سابقة تعتمد أسلوب التهديد والصرامة في تعاملاتها، بينما يعتمد الرئيس الحالي أسلوبًا قائمًا على الاحترام والتفهم واللطف في إدارة أعمال القسم. نلاحظ هنا أن أهداف القسم العلمي لم تتغير، والأنظمة الإدارية لم تتعدل، بل وحتى الأشخاص أنفسهم لم يتبدّلوا، لكن الذي تغيّر فقط مديرهم.

أخيرًا، هناك نقطة بالغة الأهمية أود توضيحها: لا أزعم أن أسلوب القيادة أفضل من أسلوب الإدارة أو العكس؛ ولا أدعو إلى الاعتماد على أسلوب واحد لإدارة الوحدة الإدارية بشكل دائم، بل إن الموظفين يحتاجون إلى كلا الأسلوبين معًا، فهم بحاجة إلى الإدارة لضبط العمل وتنظيمه، وإلى القيادة لتحفيزهم وإلهامهم. فكلاهما مكمل للآخر، وكلاهما ضروري لتحقيق أهداف المنظمة. فبالقيادة نصنع التميز، وبالإدارة نحافظ على الاستقرار. لنتمكن من تحقيق رؤية وطن طموحة وبناء مستقبل مزدهر.

أخبار ذات صلة