الواسيني يعدد مناقب “البابا فقيد السلام”

قال الخبير الإعلامي زهير الواسيني إن البابا فرنسيس حين زار المغرب، في ربيع سنة 2019، لم يكن يحمل معه فقط رمزية قائد ديني في دولة مسلمة؛ بل جاء محمّلا برسالة إنسانية جريئة تتجاوز البروتوكول وتخاطب جوهر العلاقة بين الأديان. من الرباط، وجّه خطابا بليغا إلى العالم، دعا فيه إلى اعتبار الحوار الديني “ضرورة من ضرورات السلام”، لا مجرد ترف أخلاقي أو خيار ظرفي. كان يعلم أن الأرض التي يقف عليها لها وزنها التاريخي والروحي، وأن كلماته ستتردّد بعيدا خلف جدران قاعة الاستقبال، إلى مجتمعات عطشى للتفاهم، منهكة من القطيعة.
وأضاف الواسيني من العاصمة الإيطالية روما، في مقال توصلت به هسبريس بعنوان “البابا فرنسيس.. رجل الحوار مع السلام”، أنه في عالم تتزاحم فيه الأصوات المتطرفة، وتعلو فيه دعوات الكراهية على حساب العقل والرحمة، اختار البابا فرنسيس طريقا مختلفا: طريق الوضوح بلا عداء، والصدق بلا مراوغة. لم يساير موجة الشك والخوف، بل وقف في وجهها بخطاب ينتمي إلى زمن آخر، زمن ما قبل التصنيف والأحكام المسبقة. كان حبرا أعظم، نعم؛ لكنه كان أيضا صوتا نادرا للضمير الإنساني، رأى في الحوار الحقيقي بين الأديان سبيلا لإنقاذ ما تبقى من مشتركات عميقة وسط عالم يتهاوى نحو الانقسام.
نص المقال:
في عالم مثقل بالصراعات، تغذّيه الريبة ويؤجّجه الخوف من الآخر، برز البابا فرنسيس برؤية مختلفة: رؤية تُراهن على الحوار، لا كخيار دبلوماسي أو واجهة رمزية، بل كقناعة راسخة ونهج إنساني أصيل. كان يؤمن بأن التقارب بين الأديان لا يُبنى بالشعارات، بل بالفعل الصادق والكلمة التي تُقرّب ولا تُقصي.
رفض الصورة النمطية التي ربطت الإسلام بالإرهاب، وواجهها بخطاب واضح ومسؤول. لم ينجرّ وراء موجات التعميم والتحريض؛ بل اختار أن يمدّ الجسور حيث فُرضت الجدران، وأن يرى في اختلاف العقائد فرصة للفهم لا سببا للصدام. جال العالم حاملا هذه الرسالة، مؤمنا بأن السلام يبدأ من الاعتراف المتبادل، وأن الأديان، في جوهرها، لا تشرعن الكراهية.
من أبرز محطاته زيارته إلى المغرب في مارس 2019، حيث خاطب من الرباط جمهورا من المسلمين والمسيحيين قائلا: «إن الحوار بين الأديان ضرورة من ضرورات السلام في العالم». لم يكن يخاطب المغاربة وحدهم؛ بل وجّه حديثه إلى كل من جُرِح من صور نمطية جائرة، وإلى الغرب الذي احتاج من يُذكّره بأن التسامح ليس تنازلا، بل شجاعة.
قبلها بأسابيع، زار دولة الإمارات العربية المتحدة، في أول زيارة لحبر أعظم إلى جزيرة العرب. هناك، وقّع مع شيخ الأزهر، الإمام أحمد الطيب، “وثيقة الأخوّة الإنسانية”، دعوة مشتركة إلى تجاوز العنف والتطرّف، وإلى بناء عالم يقوم على الرحمة والتفاهم.
وفي مارس 2021، حلّ ضيفا على العراق، فكان أول بابا تطأ قدماه أرض الرافدين. زار النجف والتقى المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، في لقاء حمل رمزية كبيرة، ورسالة مفادها أن القيم الروحية تتقاطع مهما اختلفت المشارب.
كما زار إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، ودخل مسجد الاستقلال في جاكرتا، ليؤكد من جديد أن الدين يجب ألا يكون سورا يعزل، بل جسرا يربط.
وفي تركيا، وقف بصمت مهيب داخل جامع السلطان أحمد، “الجامع الأزرق”، في لحظة تأمل واكتمال رمزي لمشروعه الروحي الكبير: الاحترام المتبادل بين المؤمنين.
غاب البابا فرنسيس جسدا؛ لكن أثره باق. باقٍ في القلوب التي أنصتت لكلماته، وفي العقول التي تفاعلت مع صدقه، وفي المساحات التي فتحها للحوار بدل الانغلاق. سيبقى في الذاكرة صوتا نادرا، صادقا، شجاعا، قال للعالم إن التفاهم ليس ضعفا، بل ذروة الشجاعة.